الحلّ عند عبّاس!

بقلم: 

الثورة السورية ووساطات حلها مفتوحة للجميع. الكل يريد أن يجرب حظه عله يحظى بدقائق من الأضواء الإعلامية المسلطة على الوضع السوري وتداعياته. الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، أراد ذلك، لكنه ذهب بعيداً في تخيلاته للدور الذي يمكن أن يلعبه في حل الوضع السوري، ولا سيما أنه حرص خلال سنوات الثورة على عزل السلطة الفلسطينية، وليس الفلسطينيين، عن الأوضاع الدائرة في سوريا، مع ميل واضح إلى دعم مساعي النظام السوري للبقاء حاكماً.
عبّاس أطل على المجلس الثوري لحركة "فتح"، قبل يومين، ليعلن أنه يملك الحل للملف السوري. كيف؟ لم يوضح الرئيس الفلسطيني ذلك، اكتفى بالحديث عن تقديمه ورقة للحل في سوريا، قائلاً "أحب أن أقول لكم إننا قدمنا ورقة للحل السلمي، قبلت بها كل الأطراف الدولية، أميركا وروسيا والصين والكثير من الدول العربية والأطراف الداخلية، وهي الأساس الذي سيتفاوضون عليه الآن."
جملة عابرة في خطاب "ثوري" مطوّل أمام مجلس "فتح". لم يسأل أحد الرئيس الفلسطيني لمن قدم الورقة، ومتى تم تقديمها. حتى أن أحداً لم يستفهم عن أي مفاوضات يتحدث أبو مازن، وهو يرى الأوضاع السورية تتدحرج في اتجاه احتمال توجيه ضربة غربية إلى سوريا من شأنها أن تخلط أوراق المنطقة بأسرها، وفي مقدمة الورقة الفلسطينية.
إضافة إلى هذين السؤالين، اللذين لم يطرحا على الرئيس الفلسطيني، لم يطلب أحد من عباس الحديث عن ما لديه من حلول للمشاكل الفلسطينية، وهي الأجدى بالمتابعة، بدل تصدير الأفكار والمقترحات، التي لا تزال مجهولة، إلى الجوار. مشاكل تبدأ من الانقسام ولا تنتهي عند ملف الملفاوضات، لتمر بتعقيدات داخلية اقتصادية وسياسية، لا تزال من دون حلول.
حديث المصالحة الفلسطينية، على سبيل المثال، عالق عند عتبات الانتخابات أولاً، وهو مطلب عباس، أو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أولاً، وهو ما تريده "حماس". قد يكون الوصول إلى مخرج في هذا المجال أسهل كثيراً من تقديم حل شامل للأزمة السورية المعقدة، يرضي جميع الأطراف، حسب قول أبو مازن. فإذا كان عباس قادراً على حل المعضلة المستعصية، الخاصة بتنحي الرئيس السوري، بشار الأسد، لا يجب أن يقف عاجزاً عن استنباط مخرج لأزمة إنهاء الانقسام، إلا أذا كان غير راغب في ذلك.
وفي حال تم تجاهل عقدة المصالحة وحلها، ألم يسأل أحد عبّاس عن عقدة حكومة رام الله ورئيسها؟ فالرئيس الفلسطيني عجز عن تسمية رئيس حكومة بسبب تعقيدات الوضع الداخلي الفلسطيني، وها أعاد تكليف رامي الحمد الله لأنه عاجز عن فرض الاسم الذي يريده لرئاسة الحكومة، بسبب المعارضة الأميركية والإسرائيلية لذلك. لكن لا بأس طالما أنه قادر على تقديم حل لأعقد ملفات المنطقة اليوم.
الأمر نفسه ينطبق على المفاوضات ودواماتها، والملفات المرتبطة عضوياً بها، من الاستيطان إلى الاقتصاد والاسرى. فعلى مدى الأعوام الماضية، التي كانت فيها عملية التسوية مجمدة، لم يستطع عبّاس اجتراح خيارات بديلة لحل القضية الفلسطينية، أو على الأقل تحريكها، باستثناء محاولة نيل العضوية في مجلس الأمن، والتي ما لبث أن تراجع عنها تحت وطأة الضغوط الغربية. وفي النهاية، ها هو أبو مازن يعود إلى طاولة المفاوضات من دون أي ضمانات، وفي ظل مخططات استيطانية لا تتوقف. وفي النهاية هو يدرك أنه سيخرج من المفاوضات من دون حل أيضاً.
وفي حال تم تناسي كل القضايا الداخلية الفلسطينية، وتم التسليم بقدرة عباس على فرض حلول خارجية. أليس الأولى بالنسبة إلى "الرئيس الفلسطيني" أن يحل أزمة اللاجئين في سوريا، والمحاصرين من قبل النظام وشبيحته، بالتعاون مع شبيحة "الجبهة الشعبية – القيادة العامة". جلّ ما قدمه أبو مازن في هذا المجال كان شعار "تحييد المخيمات"، لكنه تناسى أن الفلسطينيين الموجودين في سوريا باتوا جزءاً من النسيج الوطني يتفاعلون معه، ويتأثرون به، ويتعرضون للقمع نفسه الذي يعيشه السوريون أنفسهم.
فإذا كان أبو مازن غير قادر على التخفيف عن اللاجئين في سوريا، وهم عنصر هامشي في الأزمة، كيف له أن يقدّم حلاً شاملاً لا يزال غامضاً؟ سؤال برسم أعضاء "ثوري فتح" الصامتين.

المصدر: 
المدن