الألبانيون أسعد شعوب البلقان والإسرائيليون الأسعد في الشرق الأوسط

بقلم: 

في هذه الايام نشرت الامم المتحدة "تقرير السعادة في العالم 2013" الذي جاء حصيلة أبحاث استمرت طيلة 2010-2012. ويبدو في التقرير مفاجآت في ترتيب "الشعوب السعيدة" و"الشعوب غير السعيدة"، حيث أن الامر لايرتبط دائما بمستوى الدخل ونسبة البطالة ولا مكانة الدولة في الاقليم أو في العالم، بل انه حصيلة عوامل نفسية وثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية ترتبط أيضا بالتطورات الحاصلة في المحيط الجيوبوليتيكي. ويبدو هذا بشكل اوضح إذا ما أخذنا البلقان والشرق الاوسط.

وإذا ما ألقينا نظرة عامة على القائمة التي تضم 156 دولة لوجدنا أن قائمة "الشعوب السعيدة" تتصدرها الدانمارك والنرويج وسويسرا وهولندا والسويد الخ، بينما قائمة "الشعوب غير السعيدة" تتصدرها في أسفل القائمة توغو وغويانا وتانزانيا ورواندا وبوروندي. ومابين هؤلاء واولئك تأتي اسرائيل في المرتبة (11) واستراليا في المرتبة (12) ونيوزلندا في المرتبة (13) والولايات المتحدة في المرتبة (17).

وبالعودة الى البلقان والشرق الاوسط نجد أن ألبانيا تتصدّر في البلقان باحتلالها للمرتبة (62) عالميا تليها كوسوفا في المرتبة (83)، وتتأخر عنها بقية الدول المجاورة حيث تأتي صربيا في المرتبة (105) عالميا والبوسنة في المرتبة (107) ومكدونيا في المرتبة (118) وتتأخر بلغاريا لتأتي في أسفل القائمة العالمية باحتلالها للمرتبة (144). أما فيما يتعلق بالشرق الاوسط فقد كان من الملفت للنظر ان اسرائيل احتلت مرتبة متقدمة على مستوى العالم (11) ومتصدرة في الشرق الاوسط.
هل من سبب أو من أسباب تفسر هذا؟
فيما يتعلق بالبلقان لدينا من الاسباب مايكفي. ومرة أخرى يبدو هنا ان "السعادة" لاترتبط بقوة الدولة العسكرية ومكانتها في الاقليم ومستوى الدخل فقط بل هناك أيضا عوامل أخرى لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار. فالمشترك في البلقان ان هذه الدول مرّت في العشرين سنة الاخيرة في خضّات اقتصادية واجتماعية نتيجة للحروب والانتقال من النظام الاشتراكي الى نظام السوق، التي تخللتها أزمات وبطالة كبيرة وظهور مافيات وفساد الخ. وكان من المفروض أن دولة مثل بلغاريا "نعمت" بالانضمام الى الاتحاد الاوربي في 2007 واستفادت من ذلك كثيرا أن تكون على رأس قائمة "الشعوب السعيدة" ولكنها تصدرت قائمة "الشعوب غير السعيدة" باحتلالها المرتبة (144) على مستوى العالم نتيجة لسوء الادارة والفساد وتزايد الفقر في البلاد. ولكن من ناحية أخرى يلاحظ أن ألبانيا وكوسوفا اللتان جاءتا في "الوسط الذهبي" لا تختلفان في هذه النقطة كثيرا عن بلغاريا، حيث إن تقارير البنك الدولي عن ألبانيا وكوسوفا في 2013 تقول إن ثلث الالبان هنا وهناك يعيشون تحت خط الفقر. وإذا ما أضفنا الى ذلك أن كوسوفا تتصدر بل تتفرد في أوربا بأعلى نسبة من البطالة (نحو 50%) وأقل مستوى للدخل، فكيف يمكن تفسير "سعادة" الالبان في البلقان؟

السبب في ذلك واضح ويعود الى الوضع الجيوبوليتيكي الجديد في المنطقة. فالمراقبون يجمعون على أن العقد الماضي (1999-2009) كان "عقد الالبان" في البلقان. فحتى 1999 كان الالبان لاعبا مغمورا في صفوف الاحتياط في "الفريق البلقاني"، حيث إن ألبانيا كانت في عزلة عن العالم خلال حكم الحزب الشيوعي (1945-1992) ثم دخلت في نزاع داخلي كاد أن يوصلها الى حرب أهلية في 1997، بينما كان بقية الالبانيين مشتتين في يوغسلافيا السابقة. ولكن بعد حرب1999 تحول الالبان الى لاعب رئيس في البلقان مع تحرر كوسوفا من صربيا واستقلالها في 2009 وحصول الالبان في مكدونيا (نحو 30%) على شراكة في الحكم أصبح للالبان دولتان في البلقان ودور مهم في مكدونيا ضمن لهم أن يمثلوا بثلاثة لاعبين رئيسيين في "الفريق البلقاني". وهكذا لم يعد هنا العامل الاقتصادي هو الاساس في الشعور بـ"السعادة" بل يتصدر هنا العامل النفسي والشعور بأن "المستقبل للالبان" في البلقان الجديد، بغض النظر عما تشغله "المافيات الالبانية" في هذا المستقبل.

أما فيما يتعلق بالشرق الاوسط فالسبب أيضا نفسي ويحق للاسرائيليين أن يشعروا بالسعادة عندما يتطلعوا لما حققوه في الشرق الاوسط الجديد. ففي عام 2010 جاء د. رضوان السيد الى عمّان لالقاء محاضرة في معرض الكتاب ركز فيها على "الخواء الاستراتيجي" في الشرق الاوسط نتيجة لتشتّت النظام العربي وعلى التنافس بين القوى الثلاث الاقليمية (اسرائيل وايران وتركيا) لملىء هذا الفراغ المهم. ومع تمنيات د. السيد التي كانت تنمّ عن عروبة صادقة ونظرة استشرافية معبّرة إلا أن ما آل اليه الوضع خلال 2011-2013 في الشرق الاوسط جعل اسرائيل في وضع أقوى بالمقارنة مع ايران التي تراجعت أسهمها في المنطقة ومع تركيا التي خسرت أهم ثلاث حلفاء لها في المنطقة (السعودية والامارات ومصر). وفي هذا الوضع أصبح يحق للاسرائيليين أن ينعموا بالسعادة وهم يرون مايحصل في مصر وسوريا والعراق.

المصدر: 
المستقبل