نلسون مانديلا وقوة العدالة

بقلم: 
مع تلاشي ظهور نلسون مانديلا عن الأنظار، فإن تركته تشع بقوة أكبر من أي وقت مضى. فالرجل الذي كرس حياته لقضية العدالة الشاملة ما يزال منارة أمل لأولئك التواقين للحرية.
والفلسطينيون، مثلهم مثل بقية شعوب العالم، عايشوا تحول مانديلا إلى رمز للكفاح من أجل تقرير المصير والمساواة بين البشر. وجسد تحديه المستمر القوة الهائلة للاعنف في مقاومة مشاعر الضحية وقهر أعباء الظلم.
 
وينطوي هذا العام على الذكرى العشرين لإعلان أوسلو. وكفلسطيني كان يشعر دائما بالتمكين من خلال علامة مانديلا التي لا تمحى على قصة التقدم الإنساني، فإني أحس أن تراثه وثيق الصلة للغاية بهذا المنعطف - ٢٠ عاما على عمل اتصف بالشجاعة السياسية الكبرى التي للأسف فشلت في الإيفاء بوعدها بسلام عادل ودائم.
 
إننا نجلُّ مانديلا بسبب رسالة التحول التي حملها بعظمة لا حدود لها- رسالة الوحدة والأخوة في وجه الانقسام والتعصب، والتحول السلمي والعدالة في وجود العنف الأهوج والاضطهاد. لقد أيقظت رسالته العالم وذكرته بالمبدأ الجوهري الذي تبناه مارتن لوثر الابن- الذي يقول :"السلام الحقيقي ليس فقط غياب التوتر، ولكنه وجود العدالة".
 
ويتطلب وجود العدالة إصلاح عدم التناسق الجوهري في ميزان القوى بين من يقومون بالاحتلال والواقعين تحت الاحتلال. وبعد عشرين عاما من اكتساب اسرائيل الاعتراف الفلسطيني الكامل بحقها في الوجود والأمن، فإن عليها أن تقابل ذلك بالاعتراف بحقنا في دولة كاملة السيادة. ويجب أن تكون مستعدة لقبول تاريخ تتحدده الأسرة الدولية لإنهاء الاحتلال الذي تمارسه، ولمسار متفق عليه بين الجانبين للوصول إلى ذلك الهدف. وإلى أن يتم ذلك، فإن العدالة تتطلب منها أيضا وقف كل الممارسات التي تحد من حقنا في الحياة الكريمة على أرضنا، أو تعرقل سعينا للحرية اوالعدالة، في الوقت الذي نواصل فيه جهودنا لبناء دولتنا وتعزيز جاهزيتنا لإقامة الدولة.
 
لقد تعلم مانديلا من حياة قضاها خالية من الكرامة أنه "لا توجد أي عاطفة في اللعب على مستوى الصغار- والإكتفاء بحياة هي أقل من الحياة التي من الممكن أن يعيشها الإنسان". وإذا كانت قصته تعلمنا أي شيء، فهو أن أي شعب حرم من حقه في المساواة الإنسانية الكاملة لن يقبل مطلقا بحياة تقدم له ما هو أقل من ذلك الحق.
 
*المقال التالي جاء استجابة لطلب من صحيفة "هيرالد تريبيون | نيويورك تايمز بأن أكتب عن :"القادة الأخلاقيون في هذه الأيام"