أسئلة حرجة في اتفاق المصالحة
احتاجت حركة حماس أكثر من عام بعد أن فقدت ركيزتها الأساسية في المنطقة نظام الأخوان المسلمين في مصر، للتفكير و المراجعة بشأن خياراتها السياسية .
جاء إتفاق الشاطئ ليشكل مدخلا هاما لإنهاء الإنقسام و إستعادة الحياة الديمقراطية لدى الفلسطينيين، في طموح لطي سبع سنوات عجاف ، ما كان لحركة حماس أن تقبل بما أتفق عليه سابقا في القاهرة و الدوحة، لولا قناعتها بأن مشروعها وصل إلى طريق مسدود، بناء دولة غزة بهوية إسلامية واضحة التي كان ينظر لها بأنها ستشكل منطلقا لمشروع إسلامي في المنطقة العربية . " أنشأت وزارة في قطاع غزة بإسم وزارة المشروع الإسلامي ، تم مؤخرا إزالة لافتة بهذا الأسم من على أحد مقراتها " .
تحديات كبيرة أمام تنفيذ إتفاق الشاطئ، أهمها أن هذا الإتفاق جاء بالتوافق بين حركتي حماس و فتح، و التوافق هنا لا يعني فقط بأنه سيكون على حساب القانون الأساسي الفلسطيني و البرنامج السياسي ل م ت ف ، بمطالبة حركة حماس بالموافقة على البرنامج السياسي و بتحديد موافقتها وتسليمها المسبق بشكل النظام السياسي التي ستكون جزء منه و الذي حددته و ثيقة الإستقلال و القانون الأساسي الفلسطيني و القيم المعيارية في تحديد أسماء الوزراء و الوظيفة العامة التي يجب أن تستند على الكفاءة المهنية . الإتفاق التوافقي يعني أيضا أنه خاضع لموازين القوى على الأرض، فعندما وقع إتفاق القاهرة عام 2009 كانت حماس في أوج قوتها تستند إلى تحالفات عربية و حزبية هامة وفرت لها الدعم المالي و السياسي ، صعود الإخوان وسقوطهم في مصر، و التغيرات التي حدثت في الإقليم، وتخلي حلفاء حماس التقليديين عنها، كان العامل الأساسي وراء ذهابها صاغرة لتنفيذ إتفاق القاهرة و الدوحة، إذا تغيرت الظروف مع تغير في موازين القوى و لم يتغير الإتفاق وهذه مشكلة ستبقى كامنة، من هنا نلحظ مستوى الضعف الذي وصلت إليه حماس في إدارتها لإتفاق الشاطئ و الإشتراطات و التغيرات المتلاحقة من قبل الرئيس عباس، عند تشكيل الحكومة، لأنه يدرك تماما مدى حاجة حركة حماس له و للسلطة الفلسطينية في النجاة من إحتمالات المستقبل لها و خاصة علاقتها مع جارتها مصر السيسي، الذي لايقبل بوجود بؤرة لنظام يحكمه الإخوان المسلمين في غزة، خاصرة مصر و التي ستؤثر بالتأكيد على معارك مصر مع الإخوان و الإسلاميين المتشددين في سيناء، و أيضا تتدرك حماس بأن إسرائيل في هذه المعادلة لن تتحمل وجودها إلى الأبد المرهون بدورها و المرشح للضعف وعدم القدرة على السيطرة، خاصة و أن هناك تكدس للسلاح في قطاع غزة ، وأن هناك تنظيمات فلسطينية أخرى باتت تضج من سياستها إزاء دورها الوظيفي الذي رسمه لها إتفاق الهدنة الأخير الذي رعاه المخلوع مرسي بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية هلاري كلنتون و الأمين العام للأمم المتحدة . وتعلم حماس أيضا أن ثمن إلتزامها بهذا الدور الوظيفي مشكوك فيه بقدرتها على السيطرة أو الحفاظ على تفاهماتها مع القوى السلفية في قطاع غزة الذين صدروا بيانا ضد إتفاق الشاطئ الذي حوى عبارات تكفيرية و اضحة ضد من وقعوا عليه ، إلى جانب ما يشوب علاقتها مع حركة الجهاد الإسلامي و الجبهة الشعبية و الفصائل الأخرى المسلحة التي لم يعجبها الطريقة التي أدارة بها فتح و حماس تشكيل الحكومة، و يضاف إى ذلك أن هناك إشارات واضحة بدأت بالظهور لدى الأجهزة الأمنية عند حماس بالتململ من الترقيات التي حدثت مؤخرا و عدم إنتظام وقدرة الحركة في تأمين الرواتب و الموازنات الخاصة و كأن التاريخ يعيد نفسه، " السيناريو الذي حدث مع السلطة وأجهزتها الأمنية إبان سيطرة حماس على قطاع غزة " .
من هنا الملف الأمني سيشكل المعضلة الرئيسة و التحدي الأهم لإتفاق الشاطئ، ونعلم جيدا أن إتفاق القاهرة يبقي على الوضع الأمني في الضفة الغربية و قطاع غزة على حاله في الفترة الإنتقالية التي حددت بستة أشهر و التي قد تطول في ظل تزايد إحتمالات عدم قدرة السلطة على إجراء الإنتخابات و مراهنة حماس على ذلك لعدم قناعتها بالأصل بجدوى الإنتخابات . وهنا نكون أمام مهمة وظيفية جديدة لاجهزة حماس الأمنية ، تغير له علاقة بالعقيدة الأمنية، بالسابق كانت العقيدة الأمنية لأجهزة حماس الأمنية هي الحفاظ على النظام الذي قامت بإنشائه حماس في القطاع بهويته الأسلامية و طموحه الأوسع بالذهاب نحو مشروع إسلامي كبير في المنطقة، أي المحافظة على تثبيت التهدئة مع إسرائيل يخدم هذا الهدف، الآن وبعد الشاطئ ماهي عقيدة حماس الأمنية هناك إستدارة حدثت و هي جوهرية، تتلخص في الدفاع و المحافظة على دور السلطة الأمني بكل محدداته ووظائفه و أهمها إستمرار الدور الوظيفي في كبح جماح الفصائل المسلحة في القطاع ، وهذا بالطبع يتماهى مع الدور الأمني للسطة في الضفة الغربية، هذا الإنتقال السريع لدور الأجهزة الأمنية لحركة حماس يبدو أنه سيعاني و سيكون عرضة لإضطرابات متنوعة . إلى جانب أن تأجيل الملف الأمني وبقائه على حاله مع إحتمالات تأجيل الإنتخابات، سيكون عبارة عن وصفة جاهزة لإدارة الإنقسام السياسي و الوظيفي بين حركتي حماس و فتح كما ذهب إلى ذلك أحد الكتاب، وهذا الأمر سيعززه بالتأكيد الطريقة التي تمت بها تشكيل الحكومة، وهي أقرب إلى تعديل وزاري من حكومة توافق وطني حيث الحمداللة بقي رئيسا للحكومة و ووزاراته السيادية كما هي، مما سيشكل عبئا أخلاقيا على الأقل لدى حماس و أجهزتها الأمنية، يضاف إلى ذلك عدم قدرة الحكومة على إصدار قرارات أو أوامر لقادة الأجهزة الأمنية الحمساويين في قطاع غزة . و إذا كان الملف الأمني هو المعضلة و التحدي اللأهم في الأتفاق التحاصصي، فإن الملفات الأخرى لاتقل عنه أهمية، الغموض الجاري الآن الذي يتحدث عن حكومة توافق بدون برنامج سياسي في الوقت الذي يصرح الرئيس عباس بأن الحكومة ستنفذ برنامجه السياسي، و إعلانه عن إستعداده بقبول الإستمرار بالمفاوضات ضمن شروط محددة تحدي آخر ، و أيضا الملف المالي وإمكانية القدرة على توفير مظلة مالية عربية، " إختبرناها في السابق ولم تعطي نتائج حقيقة على الأرض "، حيث التكلف المالية العالية لتشغيل أكثر من خمسة و أربعين موظفا حمساويا و إنضمامهم إلى النظام المالي للسلطة و الحكومة . في ظل الشكوك حول قدرة سلطة النقد الفلسطينية و النظام المصرفي في فلسطين من التعامل مع موظفي حماس في القطاع و تحويل رواتبهم، لأن النظام المالي خاضع لإعتبارات دولية مصرفية و سياسية التي مازلت تعتبر حركة حماس منظمة إرهابية ، موظفي حماس بحاجة شهريا إلى أكثر من 160 مليون شيكل، هذا الرقم بدون متأخرات الموظفين و إستحقاقات التأمين و المعاشات .
علاقة حماس بمصر هو تحدي آخر أمام الحكومة و الرئيس أبو مازن، حماس تراهن على وساطة الرئيس أبو مازن لحل الإشكالية حماس مع مصر و فتح المعبر بشكل دائم و حرية تنقل وسفر أعضائها، بالتأكيد هذا لن يتم في الوقت الذي مازالت حركة حماس تتبع حركة الأخوان المسلمين، المحظورة في مصر، خاصة و أن حركة حماس لم تقم حتى هذا اليوم بمراجعة سياسية لمجمل سياساتها و خاصة إتجاه مصر، هناك ملفات عالقة و كبيرة تتحكم بهذه المراجعات التي لا أعتقد بأن الحركة جاهزة لذلك .
أما باقي الملفات في حال نجح الطرفين حماس و فتح ، تحتاج لسنوات طويلة لحلها، فحماس و خلال سبع سنوات على حكمها في قطاع غزة، أحدثت تغيرات عميقة في بنية قطاع غزة و نحتاج لسنوات من النشاط المجتمعي السياسي حتى نستطيع الخروج من تبعيات ذلك .
إذا كان عام 2007 عام سيطرة حركة حماس على قطاع غزة شكل ذروة صعود المشروع الإسلامي في فلسطين، فإن عام 2014 عام التوقيع على إتفاق الشاطئ يشكل ذروة إنهياره، و إعادة الإعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني . ويبقى النضال المجتمعي و السياسي هو المدخل ضد سياسة التقاسم و المحاصصة السياسية و الإدارية و المالية الحاصلة بين حركتي حماس و فتح البعيدتين عن ممارسة الديمقراطية بكل محدداتها و خاصة حركة حماس التي لاتؤمن بالديمقراطية و بمبدأ المشاركة السياسية مع مكونات المجتمع الفلسطيني السياسية، و لا تعتبر أن الشعب هو أصل السلطات و مرجعها الدستوري و القانوني .