تقييم أولي بعد 14 عاماً على القرار 1325

بقلم: 

في عودة سريعة إلى ما يقارب أربعة عشر عاماً، أعود للحظة التي اطّلعت فيها على القرار 1325، على يد برلمانية كندية، جاءت خصيصا إلى نابلس لتضع أمامنا نص القرار قائلة: ماذا أنتن فاعلات بخصوصه! وقبل التمعن في حيثيات القرار الدولي كان رفض التعامل مع القرار سيد الموقف، فكيف لنا العمل بموجب قرار صادر عن الهيئة الدولية العاجزة عن تطبيق قراراتها، وكيف نثق بعدالة النظام المتبع في مجلس الأمن بينما "الفيتوات" تطيح بإرادة المجتمع الدولي بصوت واحد. باسفنجة فلسطينية قمنا بامتصاص ردود فعلنا الفورية بأنفسنا، وذلك بعد وضع العواطف جانبا وتحكيم لغة العقل وتغليب متطلبات المصلحة الوطنية، انتقلنا إلى قراءة جديّة وموضوعية للقرار والتعرف على حيثياته، دون إغفال نواقصه وثغراته وتناقضاته وفي المقدمة منها، مفارقة إحالة القرار 1325 عملية معقدة كصنع السلام والأمن ومتطلبات الحماية والمساءلة إلى شريحة النساء، مع أنهنّ القطاع الأكثر هشاشة وضعفا في جميع المجتمعات، وهو الأمر المعروف والمعترف به من هيئات الأمم المتحدة قبل الجميع وتعمل من أجل معالجته بموجب صلاحياتها ووظائفها. كما لفت انتباهنا أن القرار كان محقا في رؤيته لتباين انعكاس اثر الحروب واختلاف انعكاساتها بين النساء والرجال، لكننا أيضا حذرنا من رغبة القرار في عزل المرأة عن قضية شعبها الوطنية أكثر من اعتبار إدماجها كجزء من الشعب ومعاناته وطموحاته ومستقبله. في التطبيق العملي للقرار، بدأت تتضح فداحة ثغرات القرار المكتشفة أصلاً، وتتضح ثغرات أخرى ونواقص تجعله معطّلا، وتعيق نفاذه وتهز ركائزه. وتوصله إلى ذات المصير الذي واجهته القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية. وما كشف عورات القرار أكثر؛ كان التطورات المتفاقمة على الأرض بسبب الاحتلال، الذي يعطِّل نفاذ جميع القرارات الدولية، ويسعى لتغييرها. وينتهك جميع المحرمات الدولية دون اكتراث أو تمييز بين نساء وأطفال، بل وصلت الأمور بالعنصرية الإسرائيلية إلى التحريض علناً على قتل النساء واغتصابهن. لقد حاول القرار 1325 أن يقنعنا بذاته، وحاول أن يخلق لدينا قناعة بإمكانية العمل على حماية المرأة بآليات خاصة بها، وحاول كذلك أن يجعلنا نصدِّق أنه يمكن للقرار أن يحقق السلام والأمان للمرأة.. ولكن الحقيقة الساطعة كانت أن أمن النساء من أمن اسرهن ومجتمعهن، وحمايتهن لا تتم بمعزل عن حماية كل الشعب، على الرغم من رؤيتنا الجدلية القائمة على أن تطبيق القرار 1325 على النساء على صعيد الحماية، عدا كونها توفر نقطة الاشتباك مع سياسة الاحتلال، فإنها تؤدي بالضرورة إلى فكفكة التعقيدات المحيطة بتطبيق الشرعية الدولية انطلاقاً من رؤيتنا التي تربط القرار بمنظومة القرارات الشرعية ذات الصلة. لقد صدَّقنا، ان القرار 1325 وبصفته صادر عن أعلى هيئة في الأمم المتحدة يجعله من اهم الالتزامات الصادرة عن المجتمع الدولي، وبسبب صدوره عن أهم وأقوى ممثلة بمجلس الأمن، فإنه يُعتبر جزءاً من القانون الدولي. وصدقنا وهماً أن الخصوصية الجنسوية للمرأة تمكنها من الحصول على دعم مختلف وبما يؤهلها لأخذ دور خاص في صنع السلام وحقها في تطبيقه على نفسها. وأُعجبنا بتركيز القرار على الأمن البشري، لكونه سيدفع الحكومات والهيئات الدولية للإقرار والاعتراف بأولوية وضع البشر في مركز الاهتمامات الأمنية، متكئات على الصفة الإلزامية للقرار بسبب مرجعيته وجهة صدوره. وراهنا على تطور المعايير في مجال الخدمات الإنسانية والإغاثية وعلى اتباع طرق فعالة في إلزام الأطراف العاملة في المجال الإنساني بها، والتحرك نحو المحاسبة والمساءلة الإنسانية كخطوة رئيسة من أجل تحسين المعاملة في أقل التقديرات.. على طريق تحقيق العدالة الانتقالية.. لكن كل رهاناتنا على قوة القرار وعلى الالتفات الدولي المطلوب باءت جميعها بالفشل.. لا شك بأنه ليس من جديد على رؤية المرأة الفلسطينية بعد أربعة عشر عاما على صدور القرار 1325، وليس من جديد عليها بعد الاجتياحات والمصادرات والتهويد واستكمال بناء الجدار على الضد من قرارات نزعت الشرعية عن الاستيطان وتهويد القدس واستكمال بناء الجدار العازل، ولا مستجدات على الرؤية، بعد شن ثلاث حروب بشعة على قطاع غزة خلال ست سنوات. الجديد في أن يتمثل في المباشرة برصد الانتهاكات وتسجيلها في استمارات وشهادات نخشى أن يكون مصيرها الإهمال. والجديد، أن القراءة الإيجابية للقرار بدأت تتفكك عراها وتتزعزع ركائزها، وهو الأمر الذي لا يجعل القرار يشهد مصيراً مشابهاً لمصير القرارات الدولية فَحَسب، بل يفرغه من جميع إيجابياته المحصورة، ويجعله قراراً لا يضر ولا ينفع. التقييم المقدم في المقالة ليس نهاية المطاف، لكنه جرس إنذار أمام هيئات الامم المتحدة وعلى رأسها الأمانة العامة للأمم المتحدة من فقد مصداقيتها المتزعزعة في المنطقة، ودفعها إلى تطبيق قرارها بحرفية ومهنية عالية، على قاعدة بنوده المرتبطة بتطبيق القرارات ذات الصلة، وتحذيرها من فقدها مبرر وجودها الضائع بين مصالح الدول المتنفذة، وخاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة، حيث استباح الاحتلال مؤسسات الشرعية الدولية دون تردد؛ تعبيراً عن تصميمه على وضع نفسه فوقها.

المصدر: 
الأيام