خطابنا الفلسطيني.. الواقع والمأمول في مواجهة التطهير العرقي

بقلم: 

عبر التجربة وعلى طول سني نضالنا الطويل، هناك تناقض وانحدار في مستوى الفقه النضالي بكل جوانبه، عانى منه السلف، ومازال الخلف يسير على ذات الدرب، فلم نرتق يوما لتوحيد لغة الخطاب بعيدا عن حالة الاستقطاب الحزبي، وإن كان لكل مجتهد نصيب فهناك أباطرة من الكتاب والصحفيين والإعلامين لم يألو جهدا في المتابعة والتغطية وأخذ المسؤولية باتجاه نقل الخبر والصورة بإيصال صوت الشعب ورسالته نحو الحرية إلى كل المحافل.

ليس انتقاصا من دور أحد، ولكن بات من الواضح أن الشرذمة التي يعيشها شعبنا بسبب الانقسام والتعدد الفكري والأيدلوجي لفصائله قصمت ظهورنا وهتكت من عضد قضيتنا، وإن توحد الشعب تحت لواء مواجهة غطرسة الاحتلال وقطعان مستوطنيه لم يرتق فيه خطاب الفصائل إلى مستوى هذا التصلب البريء لشباب وفتية لا يحملون الا إرادة وحجارة بقداسة الحلم نحو الحرية والاستقلال، ورفض كل أسباب الذل والهوان.

أمام غول المشهد والجرائم التي ترتكب في وضح النهار بحق أهلنا في القدس والداخل المحتل تحت ذريعة الطعن المفتعلة التي تهدف إلى ترويع السكان وطردهم في حالة من التطهير العرقي غير المسبوق، فبات القتل على الشكل اختراعا اسرائيليا ويحاكي مصطلح القتل على الهوية وفعل الأبارتهايد والداعشية، وما يزيدنا أسفاً أن بعض وسائل الإعلام تأخذ الرواية من إعلام الاحتلال بشكل أصم، وقد أصبح حرياً بنا تفادي هذا الخطأ وما يجب علينا فعله في هذه المرحلة لمواجهة هذا العدوان الغاشم الذي يستهدف الكل الفلسطيني من حجر وشجر وبشر لتنفيذ مخططات واسقاطات من شأنها تقطيع أوصالنا وتقسيم أرضنا وفرض سياسات عنصرية على أرض الواقع.

وأمام واقعنا المرير، يجب أن تكون الكلمة للمقاومة مع الأخذ بالآتي:
أولا: التسامي على خلافاتنا، فقطرات الدم أطهر وأسمى، والوطن أغلى وأجلّ ويجب أن تتوحد كلمتنا ونبحث على نقاط الالتقاء لا التشرذم وإن اختلفت أفكارنا ومشاربنا وأيدولوجياتنا. فالاحتلال في كل الحروب والأزمات التي تعصف بكيانه الغاصب، تتوحد كلمته وخطابه ويلتف يساره إلى يمينه ووسطه.

ثانيا: أن يتداعى الكتاب والصحفيون والإعلاميون إلى اجتماع سريع وعاجل للاتفاق على استراتيجية إعلامية موحدة، والاتفاق على مصطلحات إعلامية موحدة في توصيف الإجرام البربري الذي يتعرض له أبناء شعبنا في أراض 1948 والقدس المحتلة الى جانب ما يحدث في الضفة وغزة وبخاصة القتل بدم بارد، نعم ضرورة وطنية ملحة لتصويب الخطاب وإلزام الكل الفلسطيني به، واتخاذ كل التدابير التي من شأنها الارتقاء بخطابنا ومواجهة المشروع الاستيطاني المرتكز على فكرة التطهير العرقي.

ثالثا: على كافة وسائل الاعلام الرسمية وغير رسمية بما يشمل الاعلام الحزبي، إنتاج رواية فلسطينية تمثل حقيقة ما يجري على الأرض وتعرض الشعب الفلسطيني لشتى صنوف العذاب والاعتداءات المتواصلة من قبل المستوطنين، على أن يسند هذا الإنتاج وخطابنا الوطني على أساس فكرة توفير الحماية الدولية لأبناء شعبنا، للوصول الى تقديم قادة الاحتلال الى محكمة الجنايات على قراراتهم الاجرامية وإجراءاتهم العنصرية بحق أبناء شعبنا، وخصوصاً المتصلة بأوامر القتل والتنكيل، ومصادرة الأراضي وتضييق الخناق على أهلنا في القدس والداخل المحتل.

رابعا: أن يرتكز الخطاب أيضاً على أساس مخاطبة العالم بالقانون الدولي الإنساني والمواثيق والمعاهدات الدولية، لإبراز وحشية الاحتلال وقطعان مستوطنيه التي تضرب بعرض الحائط كل المعاهدات التي تحمي الشعوب وتقرير مصيرها.

خامسا: يقع على كاهل نقابة الصحفيين أن تعمل على إنشاء خلية أزمة مهمتها ترتكز على متابعة الأحداث وتصويب الخطاب في كل لحظة مع متابعة حثيثة لإعلام الاحتلال ورصد مثالب خطابه، وخصوصاً تلك المتصلة بالتحريض والكذب. مع التأكيد على كافة الإعلاميين توخي الحذر في نقل الأخبار وعدم اللجوء إلى التهويل والتضخيم الإعلامي، والسعي إلى نقل الحقيقة، لأن الجرم في مشهده واضح وصريح وأعمال الإجرام تفوق الاستيعاب البشري.

سادسا: أهمية عنونة الخبر على شكل يبرز صورتنا كضحايا لا أبطالا، وعدم أخذ رواية الاحتلال وإعلامه الممنهج القائم على التحريض، فنحن شعب ما زال يرزح تحت نير الاحتلال ويواجه آلته العسكرية المدججة بصدور عارية. وعليه يجب أن يقوم خطابنا الإعلامي نحو هذه المسألة، فها نحن نرى فتية بعمر الورود يسعون لنيل حرية التنقل والوصول إلى مدارسهم دون خوف فيواجهون صلف الاحتلال وإجرامه اليومي بحجارة تخضبت بدمائهم.

سابعا: ضرورة العمل من قبل كوادرنا الصحفية والإعلامية على ترجمة المشاهد المروعة إلى عدة لغات، وإبراز الجرم الاحتلالي، مع إدراك بواطن المصطلحات أثناء الترجمة.

ثامنا: على الإعلام الرسمي والحكومي توثيق الجرائم لحملها إلى محكمة الجنايات من أجل الأجيال والتاريخ.

تاسعا: على كافة الفضائيات والمحطات والإذاعات المحلية ألا تسمح لأي كان في الحوارات واللقاءات التي تجريها، بأن تنحرف البوصلة عن الهدف الأسمى (الوحدة) من خلال بث سموم الفرقة، وبأن تحول للوصول إلى ذلك من خلال طرح أسئلة ملغومة.

أخيراً، على فصائل العمل الوطني الولوج عن الذات الحزبية واللحاق بركب الشباب الفتي والجماهير، فالشعب لطالما تقدم على قيادته، وهذا ما يجب أدراكه والإمعان به، واستثمار ذلك لرأب الصدع والخروج من حالة التيه، والتخندق ورص الصفوف لمجابهة العدوان وإجراءاته التطهيرية، وتشكيل طوق نجاة للقضية والشعب.