في انتظار المترجم.. قراءة في خطاب الرئيس!

بقلم: 

حين قدم الرئيس عباس خطابه امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لم اعتقد أن خطابه بحاجة لترجمة إلى أن سمعت الناطقين والمحللين يقدمون قراءة جعلتني أشك أننا سمعنا ذات الخطاب، لذات الرئيس في ذات التاريخ وذات المناسبة!

وقطع مسشار الرئيس "محمود الهباش" قول كل خطيب، حين قدم الترجمة الحرفية للخطاب المختَلَفْ عليه، "لا الغاء للاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، لا تصعيد، بل تلويح وتهديد- إن لم يفعلوا لن نفعل-!".. ومع ذلك لم يتراجع أولئك الذين يتحدثون لغة عربية ركيكة، بل زادوا في غيهم أن "هبة الدفاع عن الوجود" هي تنفيذ لخطاب الرئيس، وبدا كأنه يبارك التصعيد في وجه الاحتلال!

صمت مطبق ساد المقاطعة، وإن فلتت تصريحات متناثرة تحمل الاحتلال مسؤولية التصعيد- دون أن يقولوا كيف سيتحملها!

بعد أربعة عشر يوماً جاء الخطاب الأول (الثاني بعد خطاب الامم المتحدة)والمفترض انه موجه للجمهور الفلسطيني أولاً، وللعالم ثانياً، فماذا توقعت من الخطاب؟

لم اتوقع أن يشن الرئيس الحرب على اسرائيل- هو لم يفعلها وغزة تُذبح ثلاث مرات-، ولا اطالبه بفعلها لأن هذا خطاب شعبوي، يفتح شلال دماء ومعركة معروفة نتائجها مسبقاً، سيصفق الجمهور لبلاغتها الخطابية ويلعنه بعدها في كل دقيقة.

ولكني توقعت من الرئيس أن يفرد خطابه القصير لشعبه، ولشعبه فقط، فهو يتواصل مع العالم يومياً، وان يجيب عن الأسئلة – التي يبدو ان مستشاريه لم يوصلوها له-  اسئلة من نوع: أين يريد أن يصل بهذه الهبة- ما هدفها القصير الذي لو تحقق سنقول انتصرنا-؟
ما هو المشروع الوطني الجامع- الواقعي طالما أنه أبو الواقعية -، بما ان القطاع خارج المعادلة، والضفة مقسمة لكنتونات، والداخل منسي، والشتات في علم الغيب؟
ما هي أدواته السياسية، والوطنية والقانونية التي تحدث عنها في الخطاب؟ ولا مانع أن يقول بالعودة للمفاوضات، ولكن ما هي محددات هذه العودة؟ حيث لم يعد يكفي الحديث عن دولة على حدود 67؟
وحين يقول وحدة وطنية؟ ماذا يقصد بها؟ وحدة الشعب الموحد بدون قرار، أم وحدة العمل السياسي؟ وما هي الخطوات العاجلة التي سيتخذها لتحقيق الوحدة  في مواجهة اسرائيل المجرمة؟
وماذا يقصد ب"سندافع عن انفسنا بالطرق السلمية؟" أليست هبة الدفاع عن الوجود التي نشهدها من أسابيع سلمية وشعبية؟ ولكن ماذا هو ولجنته التنفيذية والمركزية وحكومته فاعلون لتعزيز وتوسيع الهبة – لا نطالبه بادخال أجهزة الأمن في خط المواجهة، ولكن أضعف الايمان هو تطمين اهالي الشهداء أنهم لن يناموا في العراء.
ماذا يعني طلب الحماية الدولية؟ وماذا يعني الاستمرار في الانضمام للاتفاقات والمنظمات الدولية؟ مطلوب اجابة واضحة هل تم تقديم طلب رسمي لطلب الحماية؟ متى وماذا حل به؟ وماذا تتوقع الناس؟ قوة دولية تحل مكان قوات الأمن الفلسطيني؟ قوات دولية تستلم المعابر كافة؟ وماذا عن المحكمة الجنائية الدولية؟ هل تم تقديم الشكاوي أم يجري التلويح بتقديمها؟

أسئلة كثيرة لا تتسع اجابتها الدقائق المعدودة المسجلة للخطاب.

الخلاصة الوحيدة التي استنتجتها من الخطاب في نقطتين:

1-     لم تتغير الاستراتيجية وبقيت كما هي بين خطابين (خطاب الجمعية العمومية وخطاب الهبة)، مع الحاجة لترجمة الخطابين.

2-     يبدو ان الرئيس حدد الهدف من هذه الهبة، وستكون سقفه في أي لقاء مشترك قادم مع نتنياهو- او شرطه المسبق- وهو النقطة الوحيدة التي أكد انها واضحة ولا تقبل التأويل "لن نقبل بتغيير الوضع في المسجد الأقصى" ، وان نجح، فسيسجله انتصاراً أمام الشعب الذي لم يقل أنه هب "فقط" دفاعاً عن الأقصى، وأمام الدول الاسلامية والعربية- التي يبدو ان القضية الفلسطينية تقزمت لديها لتعني "الأقصى" وحتى بعد هذا التقزيم، لا زالت تتفرج

ما دون النقطة الثانية لم أقرأ جديداً، او مختلفاً في الخطاب.. ومن يقول غير ذلك فليقدم برهانه، وإلى حين خروج المترجمين- المعتمدين- سأعتمد ترجمتي لأني أدعي –صادقة- أن العربية لغتي وهويتي الاولى، وان تخاذل الناطقون بها!