محنة البطالة واللجوء

بقلم: 

تعتبر البطالة من أخطر المظاهر الاجتماعية, ومن المعضلات بالغة الصعوبة وان كانت نسبية في المجتمعات, فهي من الأسباب التي تؤدي الى تهميش شريحة من المجتمع وتجعله يعاني من مصاعب جمة في تأمين الحاجات الاساسية, كالسكن اللائق والتغذية والرعايا الصحية والتعليم, وهي الحالة التي يكون فيها الشخص قادرا على العمل وراغبا فيه وفي تحقيق ذاته, لكنه لايجد عملا أو أجرا مناسبا, لهذا أصبح من الملاحظ أن البطالة باتت تحتل مقدمة المشاكل في مختلف دول العالم, حيث أفادت التقارير والدراسات الاقتصادية أن هناك مايقارب مليار عاطل عن العمل في الدول الفقيرة وهناك نحو ثلاثة ملايين شخص سينضمون سنويا الى طوابير البطالة في بلدان الشرق الأوسط, حتى أصبحت أزمة البطالة من أقوى المشكلات التي تواجه المجتمعات في البلاد العربية عامة, والبلاد التي تعاني من النزاعات المسلحة بخاصة, وقد بدت واضحة انعكاساتها الخطيرة ونتائجها القاتمة من خلال ارتفاع نسبة الفقر, وتفاقم المعاناة.

ولعل صور معاناة اللاجئ الفلسطيني المتعددة  في لبنان شاهدة على  واقعه المؤلم وأوضاعه المأساوية خاصة بعد القرارات  التي اتخذتها ادارة وكالة الاونروا بتقليص خدماتها ويتشارك اللاجئ الفلسطيني  المهجر من سورية في لبنان مع شقيقه اللاجئ الفلسطيني في بعض الظروف المعيشية الصعبة, وينفرد اللاجئ الفلسطيني المهجر من سورية في أزمات حادة وشروط صعبة من أبرزها : شطب بدل الإيواء, عن حوالي 1100 عائئة مهجرة وتخفيض بدل الطعام واللباس عن كل المهجرين, وغياب الحماية القانونية, ما جعله يواجه العديد من التعقيدات والصعوبات في التنقل والعمل, وزادت الأمور صعوبة أكثر على الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية وتراكمت الأعباء المالية  عليهم لاستحراج أوراق إقامة مؤقتة كل ثلاثة اشهر.

وتستمر الامور تعقيدا  على اللاجئ الفلسطيني نتيجة تملص المفوضية العامة لشؤون اللاجئين التابعة لهيئة الامم المتحدة من متابعة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين من سورية في لبنان وتحميل المسؤولية لوكالة الاونروا كونها الجهة الدولية الرسمية المكلفة في اغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, وتامين الحماية والرعاية لهم, باعتبارها الجهة المخولة بالطلب من الامم المتحدة ومن السلطات اللبنانية بتوفير الحماية القانونية إضافة إلى غياب المرجعية السياسية الفلسطينية, مع أنه  من المتعارف عليه عندما يغادر المهجر ويتجاوز الحدود إلى بلد آخر  نتيجة الصراعات الدموية أو الكوارث الطبيعية  يتجه مباشرة إلى تأمين المأوى والغذاء والدواء له, وهذا من واجب البلد المضيف في محاولة
منه"حفظ كرامة الإنسان " والتخفيف من معاناة اللاجئ إليها عبر الحماية القانونبة التي تمنحها له وتمديدها ريثما يتوقف الصراع وأسبابه.

وبالمقابل في  لبنان  يحرم اللاجئون من أبسط الحقوق المدنية والاجتماعية بفعل قرارات وزارة العمل اللبنانية الصادرة في فترات متفاوتة والتي تمنع اللاجئين الفلسطينيين من مزاولة حوالي 80 مهنة ومصلحة, الامر الذي جعل حياة الفلسطينيين بالغة الصعوبة.
ويصاب الإنسان  بالخيبة الممزوجة بالألم الشديد لرؤيته هذه المعاناة الجارحة  في وجدان اللاجئ الفلسطيني الذي يتوق لحياة كريمة تشعره بإنسانيته, لا سيما أن  أخبار وصور اللاجئين لم تعد مخفية عن أنظار وسمع أحد, ولأننا في زمن المرئيات الثابتة والمتحركة وفي زمن الشاشات وأجهزة المحمول والحاسوب والتلفاز, فقد أصبحنا عارفين لحظة بلحظة الكثير من المآسي  لشعبنا الفلسطيني في لبنان فثمة مؤشرات تشير بوضوح الى سوء الوضع الاقتصادي ووفقا لبعض الدراسات التي أجرتها وكالة الاونروا في لبنان بالتعاون مع الجامعة الاميركية في بيروت فإن  56% من اللاجئين الفلسطينيين القادرين على العمل لا يعملون.
%37من الفئات القادرة على العمل ( من عمر 15 إلى 65 سنة ) هي التي تعمل فقط,
الفئات التي تعمل تغير عملها بمعدل 0.56 مرة كل ستة أشهر, وهذا يشير إلى هشاشة الأمان الوظيفي وضعف التمتع بحقوق العمل.
%72 من اللاجئين يعملون في القطاع الخاص ( باستثناء العمل في منظمات المجتمع المدني ),
%17في أعمال البناء, 7% في أعمال الزراعة, 3% في أعمال الصناعة ),
%21 من العمال الفلسطينيين يعملون في أعمال موسمية,
%7 فقط يعملون بموجب عقود عمل .

إذن فالقضية ليست مأساة واحدة, ولا تبدوا في صورة واحدة, وإنما في ماوراء الصور من متضادات : بطالة, فقر, تقليصات, هجرة, تهميش, ضياع.
لذلك ينبغي أن يعامل الفلسطيني المعاملة الحسنة وأن توفر له الحماية الكريمة والمدنية اللائقة, كما يجب أن تتاح له فرص الكسب والمعيشة الجيدة بما فيها حق العمل وجميع الحقوق التي نصت عليها المعاهدات الدولية, ولا سيما الشرعية الدولية لحقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
بقي القول : ( أن الحياة ماضية بالجميع وستبفى في ذاكرة التاريخ والشعوب ).