حان الوقت لإلغاء بطاقة الجسور الزرقاء

بقلم: 

رغم التقارب الاجتماعي والأسري والسياسي بين الأردن وفلسطين، إلا أننا مضطرون للكشف عن عمق وعبثية ما تمارسه الحكومة الأردنية من إجراءات غير مبررة في تعاملها مع أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في الأرض المحتلة.

التمييز، الذي ظهر مؤخراً، يؤدي إلى حبس آلاف المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بحاجة إلى معالجة وعلاج سريع.
ومن الضروري قبل بحث التفاصيل إيضاح عدد من الأمور؛ أولها أن المملكة الأردنية الهاشمية هي المنفذ والمعبر الوحيد المتوفر لحوالي ثلاثة ملايين فلسطيني من سكان الضفة الغربية، وهو من المعابر الأساسية لسكان القدس (رغم قدرتهم على استخدام مطار اللد)، كما هو المعبر البديل لسكان غزة المحاصرين هذه الأيام من قبل “إسرائيل” وحماس ومصر.

وثانيها بأن سلطات المعابر الأردنية لا تتوفر لديها أية آلية لتوفير عملية الترانزيت للفلسطينيين الذين يرغبون بالسفر إلى العالم الخارجي. فالإجراء الحالي يعطي الجهات الأردنية حق رفض دخول أراضيها، وهو حق سيادي لكن في حال وجود شخص حاصل على تأشيرة دخول إلى دبي أو كندا أو أي بلد آخر، ترفض الأردن لسبب أو آخر دخوله لأراضيها، ويبقى محاصراً في رقعة الأرض الفلسطينية ذات المنفذ الوحيد وهو جسر الملك حسين.

وثالثها أن الوضع القانوني لفلسطينيي الضفة والقطاع اختلف اختلافاً أساسياً بعد اتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية، التي تصدر جوازات سفر لرعاياها من سكان الضفة والقطاع (باستثناء القدس). الجوازات الجديدة ألغت الوضع القائم سابقاً، خيث كان يحمل سكان الضفة جوازات سفر أردنية من دون رقم وطني فيما كان يحمل أبناء غزة وثائق سفر مصرية؛ الفلسطينيون الآن يحملون جوازات سفر موحدة.

وآخرها بأن اتفاقية أوسلو، التي صادق عليها المجتمع الدولي، ويؤيدها الأردن بلا أي تحفظات، تنص بوضوح على وحدة الأراضي الفلسطينية، وعلى أحقية الفلسطينيين بالتنقل الحر بين الضفة والقطاع. وفي هذا المضمار خصصت اتفاقيات أوسلو فصلاً كاملاً لآلية التنقل الحر بين غزة والقطاع.

هذه الأبعاد الأربعة توضح مدى المأساة التي يواجهها ما يقارب خمسين ألف فلسطيني من أصول غزية أو وجود أحد الأبوين من أصول غزية حتى لو كان الغزّيون قد انتقلوا إلى الضفة قبل عشرات السنوات، ولو وافقت إسرائيل والسلطة الفلسطينية على نقل إقامتهم للضفة، فإن الأردن لا يزال يعتبرهم من أبناء غزة، الأمر الذي يفرض عليهم شروطاً مغايرة لسكان الضفة الأصليين.

تأتي مشكلة هذا التمييز في أن سلطة المعابر الأردنية تفرض على الغزّيين مهما تكون إقامتهم الحالية حمل بطاقة جسور زرقاء، ما يجبرهم على الحصول على موافقة خاصة لعبور الأردن تسمى “عدم ممانعة”.  الحصول على هذا التصريح أصبح مكلفاً ويتخذ وقتاً طويلاً وفي الأشهر الثلاثة الماضية ومن دون معرفة الأسباب توقفت الممثلية الأردنية عن توفير مثل هذه التصاريح من غير إبداء الأسباب، وقد أدى ذلك إلى إيقاع ضرراٍ كبيرٍ بطلاب وعمّال ورجال أعمال وعائلات تنوي السفر إلى الاردن وإلى غيره.

نظرياً؛ موضوع دخول أو عدم دخول أي إنسان لدولة ما هو أمر سيادي لا يحق لأية جهة التدخل فيه، لكن في الحالة الفلسطينية هناك ظروف استثنائية، وفي غياب أي معبر دولي (لا يعتبر جسر الملك حسين معبراً دولياً) فإن السلطات الأردنية وبالتنسيق مع القيادة الفلسطينية مجبرةٌ على إيجاد حلول لمشكلة يواجهها عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

هناك أقوال وأسباب تطرح هنا وهناك، لكن لا يوجد أي منطق لتعميم المبررات. هناك من يقول إن بعض الغزيين يصلون إلى الأردن، ولا يعودون منه، أو إن الأردن لا يرغب أن يكون بديلاً لمعبر رفح (رغم أن الغزيين المقيمين في الضفة منذ عشرات السنين لا يستطيعون السفر إلى رفح حتى لو كان المعبر مفتوحاً بسبب نقل إقامتهم للضفة). وهناك من يقول إن الرئيس الفلسطيني متخوف من قدرة بعض معارضيه في الخارج التشبيك مع غزيين مقيمين في الضفة وغيرها من الأسباب غير المقنعة.

رئيس الوزراء الفلسطيني د. رامي حمد الله قال لي في مقابلة صحفية إن الحكومة الفلسطينية تعطي الموضوع أهمية ويتم متابعته مع الجهات الأردنية.

حوالي خمسون ألفاً من سكان قطاع غزة نجحوا بعد جهد في إقناع المحتل الإسرائيلي لنقل إقامتهم للضفة كي يتابعوا تعليمهم أو ينضموا إلى عائلاتهم الجديدة أو يتنقلوا بحرية، لكن تلك الحرية النسبية أصبحت الآن كابوساً يجعل من الضفة كما غزة سجناً كبيراً لسكانه.

الأردن دولة ذات سيادة ومن الطبيعي أن يكون موضوع ضبط الحدود من أهم عناصر الاستقرار والسيطرة إلا أن هذا الأمر يجب ألا يشكل تمييزاً غير منطقي وأن يتم جر الأردن لكي يكون جزءاً من حصار جائر وتضييق في التنقل مخالف لأبسط الحقوق الدولية. الوقت حان لإلغاء بطاقات الجسور والتعامل مع جواز السفر الفلسطيني دون تمييز حسب المنبت أو مكان الولادة.

المصدر: 
عمان نت