من انتصر بحرب غزة؟ كتاب إسرائيلي يقدم الإجابة

بقلم: 

صدر كتاب "الشجاعة اللازمة لإحراز النصــر" مؤخراً في إسرائيل، وهو يضمّ أكثر من 312 صفحة خطّها مؤلفه عوفر شيلح، رئيس اللجنة الفرعية للعقيدة الأمنية في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وعضو الكنيست عن حزب "هناك مستقبل". هذا الكتاب ليس الأول الذي ينشره شيلح في القضايا العسكرية وإنما هو الرابع، وكان بعضها من الكتب الأكثر مبيعاً في إسرائيل. ومع ذلك، قد يكون هذا الكتاب الأهم كونه يروي تجربة كان فيها قريباً جداً من دائرة صنع القرار.

تحاربنا منظّمات لا جيوش

على مدار 87 جلسة نقاش جديّة وسريّة، ناقشت لجنة الخارجية والأمن بمشاركة شيلح تفاصيل عدوان "الجرف الصامد" كافّة، واستعرضت الكم الهائل من المعلومات التي كانت بحوزتها. كلّ ذلك كان طيّ الكتمان، بعدما قرر رئيس اللجنة تساحي هنغبي عدم صياغة تقرير ونشره، بحجة أن الانتخابات على الأبواب. لذلك، قرّر شيلح نشر استنتاجاته على شكل كتاب.
الإدعاء المركزي الذي يطرحه شيلح في كتابه هو أن إنجازات إسرائيل تتضاءل بعد كلّ حرب تخوضها، وأن وضعها الاستراتيجي بات سيئاً بعد "الجرف الصامد" التي لم تحرز فيها النصر، على الرغم من أنها الحرب الأطول التي خاضتها بعد حرب العام 1948.
ويبرّر شيلح صحة إدعاءه بالإشارة الى أن الجيش الإسرائيلي لم يحقّق أيّ إنجاز رغم خسائره البشرية، وكميات السلاح الفلكية التي استخدمها، فيخلص المؤلف إلى أن النتيجة السياسية لـ "الجرف الصامد" ليست واضحة وأنها مطرح شك.
يكرس شيلح الباب الأول من كتابه لـ "العقيدة الأمنية في الماضي" التي بلورها ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء اسرئيل الأول في عقد الخمسينيات، التي لم يجر تحديثها رغم التغيرات العسكرية والسياسية التي طرأت على محيط إسرائيل. تلك العقيدة بُنيت على تصنيف التهديدات وفقًا لاحتمالات حدوثها وخطورتها: اجتياح جيوش نظامية تهدف للاحتلال أو الإبادة أو "عمليات إرهابية" ينفّذها متسللون. لمواجهة هذه التحديات، بُني الجيش. وبناءً على ذلك، حدد بن غوريون ثلاثة مركبات حيوية للعقيدة الأمنية الرامية لمواجهة تلك التهديدات: "الردع" عبر إلغاء أو إضعاف إرادة العدو، و "الإنذار" لجهة معرفة نيات العدو، و "الحسم" أيّ إنجاز نصرٍ واضحٍ وسريعٍ. شيلح يقول إن هذه العقيدة الأمنية كانت ملائمة للتهديدات التي أعدّت لتلبيها، ولكنها لم تعد تفي بالغرض. ويبني كتابه على افتراض أن العقيدة الامنية الاسرائيلية غير محدّثة، إذ تمت صياغتها لما كان الأعداء المتربصون على الحدود دولاً لديها جيوش، وليسوا منظمات مثل "حماس" أو "حزب الله".
ويرى شيلح أن المركّب المركزي في كلّ عقيدة أمنية صائبة يكمن بالإجابة على التساؤل: "مَن هو العدو؟". ويزعم في هذا السياق أن إمكانية تعرّض إسرائيل لهجومٍ من جيوشٍ نظاميّة معاديّة اختفت. وفي المقابل، تعزّز تهديد إطلاق منظمات لصواريخ على أهدافٍ مدنية، أو تنفيذها لهجمات. وتحت عنوان "مَن هو العدو؟"، يشخّص شيلح "حماس" و "حزب الله" كعدوين فوريين يتوجب بناء المركّب العسكري لمواجهتهما، بخلاف إيران التي يعتبرها العدو الاستراتيجي حيث يقترح التعاطي معها بوسائل غير عسكرية نظراً لطبيعة الخطر الذي تشكله واحتمال حدوثه على أرض الواقع.

كواليس "الجرف الصامد"

لم تشكّل حرب "الجرف الصامد" مفاجأة تكتيكية إو استراتيجية لإسرائيل، بحسب شيلح. فأمر الأنفاق كان معلوماً لديها، ومع ذلك، بادرت نحو حرب قبل أن تبلور عقيدة قتالية ملائمة، ومن دون بناء وحدات عسكرية جاهزة للتعاطي مع تهديد الأنفاق، كاشفاً أن الخطة التي تم تنفيذها خلال "الجرف الصامد" لم تكن جاهزة قبل الشروع بالعملية.
ويحدد المؤلف جانباً من جوانب "الفشل في الجرف الصامد": "عدم البحث في جوهر وماهية العدو – حماس - هل هي جيش أم تنظيم ارهابي او شيء بينهما". فأفرد شليح مساحة من كتابه حلل فيها بنية "حماس" وفقاً لنموذج العصابات التي خاضت حروباً في فييتنام في سنوات الخمسينيات.
ويلاحظ شيلح أن 67 عسكرياً إسرائيلياً قتلوا خلال الحرب، من بينهم عشرون سقطوا قبل تخطي الحدود مع غزّة، فيما قتل 45 جندياً داخل القطاع، ثلاثة منهم قتلوا خلال اشتباكات مسلّحة، بينما سقط بقية القتلى بمضادات الدورع والألغام والقنص عن بعد. ويتوصّل المؤلف بعد تحليل هذه المعطيات إلى أن المقاومة أعدّت نفسها لمواجهة جيش الاحتلال الذي تصرّف بحسب توقعاتها بالضبط. وعن ذلك، كتب شيلح: "استخدام النيران بشكلٍ مكثّف كان بديلاً للخطّة وغياب الحيل العسكرية".
ويؤكد شيلح أن إسرائيل لم تخطط لأن تستغرق "عملية الجرف الصامد" 55 يوماً، وإنما نجم ذلك عن افتقار إسرائيل لعقيدة عسكرية. فدخلت إسرائيل "الجرف الصامد" وبجعبتها خياران فقط. الأول: احتلال غزة عبر سلاح المشاة، واستئصال "حماس" من جذورها. والثاني: ضرب غزّة من الجو باستخدام الكثير من السلاح، لتفادي الخسائر البشرية. المؤلف اعتبر ذلك فشلاً، لعدم وجود خيارات أخرى، كاشفاً أن خيار احتلال قطاع غزّة لم يكن مطروحاً فعلياً وإنما إعلامياً فقط. ولم يقترح هذا الخيار المستوى العسكري، وأيضاً رئيس الوزراء.

هذا الكابينت لا يهزم "العدو"

هذا الكتاب كُتب بعقلية السياسيّ، رغم أن مؤلفه ضابط سابق شارك في حرب لبنان الأولى كقائد لكتيبة وفقد فيها عينه. ويتضمن الكتاب أكثر من مئة مقترح لهزيمة "حماس" و "حزب الله" في الحرب المقبلة، كما بنية الجيش المقترحة القادرة على تحقيق ذلك.
ومن بين النصائح المقترحة لهزيمة "العدو"، ألا يكون الجيش الأداة الوحيدة والحصرية في التعاطي مع "حماس" و "حزب الله"، وإنما "يجب أن يمضي العمل العسكري والسياسي والقضائي والسرّي على نحو متوازٍ". ويقترح شليح أن تكون الحرب قصيرة. ومن أجل "تركيع العدو" الذي يعيش في وسط المدنيين، يجب "دق إسفين"، بمعنى إيجاد فارق في المصلحة بين الجانبين.
في الواقع، شيلح لا يوجه انتقاداته إلى الجيش وإنما إلى المستوى القياديّ الأعلى، أيّ رئاسة الحكومة، ووزارة الأمن، والمجلس الوزاري المصغّر للشوؤن الأمنية، أيّ المؤسسات التي من المفترض بها أن تبلور سياسة الحكومة في المسائل الأمنية والسياسية الهامة، ولكنها لا تؤدي هذا الدور، بحسب شيلح.
ويلفت الكتاب الى أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الامنية – الكابينت - مؤلف بناءً على اعتباراتٍ سياسية، ويضمّ الوزراء الأكثر انشغالاً بالحكومة، بينما مستواهم المعرفي في الشؤون الأمنية واللازم لاتخاذ القرارات منخفض جداً. عن ذلك، قال شيلح: "ما يحدث في الواقع هو أن رئيس الحكومة يتفق على أمرٍ ما مع وزير الأمن، فينتهي الأمر. وهذا ما يتكرّر في كل "كابينت" يترأسه نتنياهو. "الكابينت" خلال العقود الأخيرة لم يكن له أي تأثيرٍ جوهريّ أثناء الحروب".