جعلوني أكره القانون

بقلم: 

كنت قد أحببت دراسة القانون، لسبب رئيسي وهو انك عندما تدرس القانون تعرف حقوقك وواجباتك ولا تحتاج إلى غيرك ليعرفك بها، وأنها من المهن الراقية وكان فقط قديما لا يدرس القانون إلا أبناء النبلاء، إلا أنها اليوم في متناول الجميع وبمعدلات منخفضة، حتى أصبح في البيت الواحد أكثر من شخص يدرس القانون.
يا سادة، القانون لا يدرس حرفيا وحفظا لمواد، القانون يفهم، والقانون ليس أصلا وجوده لان الأصل في الأشياء الإباحة فقط، يطلب وضع القانون لتنظيم حاجة تحتاج لتنظيم لانتهاك الناس لها وخاصة الجنائي أما الجانب الحقوقي فالأفضل في فلسفات القانون أن لا يكون هناك نص لأنه يقيد الحقوق ويفقد العدالة نفسها، لان غياب القانون يمكن تعويضه بالقواعد العامة والفقه وأحكام القضاء المحلية والإقليمية والدولية، ولكن نحتاج إلى من يقرأ ويفهم وليس لمن ينقل وينسخ ولا يفهم.
في 2005، كنت قد أنهيت دراسة الماجستير وأثناء كتابة الرسالة في القانون الدولي الخاص كان احد مصادرها مشروعي القانون التجاري والمدني وقد بان بهما النسخ الأعمى وعندما ذكرت ذلك استشاط المشرف غضبا ووصل الأمر إلى حد أن انفصلنا وذهب كل واحد منا بطريقة، وأثناء المناقشة لم يدرك المناقشين المسالة ووضعوها نقطة علي أنني لم افهمها ولكني نقلتها وشرحت مساوئها كما وردت في المشروع، وهي بالتحديد أن مشروع القانون لا يرغب بأخذ مبدأ الإحالة (إلا على درجة أولى) والنص يسمح بها على هدى القانون المقارن، وقد كانت نسخة متقدمة وينتظرون إقرارها وقد قدر الله أنها لم تقر.
نتاج ذلك أوصلنا إلى الحضيض في ذلك ومنذ ذلك العام وفي ظل غياب المؤسسة التشريعية الفاعلة، انهار العمل القانوني إلى مستويات سيئة جدا.
اليوم وأثناء حضورنا لورش عمل أو سماع محللين قانونيين نرى ونسمع الجهل في أعينهم وكلامهم ويأتون ليحملوا التشريعات السارية المسؤولية أو تبريرهم الحاجة لسن قوانين. أو عندما يداس القانون الأساسي ويقلل من أهمية الحقوق فيه، فماذا يقال بعد ذلك؟
مثال على ذلك: سماع احدهم يبرر إصدار القانون ورفع الرسوم القضائية للتخفيف من عدد القضايا، أليس هذا اجهل الجهال وحرام أن يتقلد منصب؟ لأنه إذا ارتد الناس عن القضاء سيتحول المجتمع إلى غابة ثيران!!
يا سادة إن من اخطر الجهال هو الجهل من قانوني يدعي المعرفة بالقانون، وان يصبح الجهل مبدأ لديه، واسمع وألاحظ الكثير حتى باتت البلد أشبه بغابة ليس لها رعاة، مع انه وعلى الجانب الأخر هناك كفاءات قانونية قادرة على تسلم أي منصب أو وظيفة وقادرة على الإبداع فيها، ولكن يتم الاعتماد على بعض المجاملين والذين يقرؤون ويمسكون القانون من توافه الأمور.
أعلنها وأتحملها أننا لسنا بحاجة إلى أي قانون وهي أكررها لمرات، ولكن بحاجة لناس لديها الفهم القانوني الصحيح، والقادرة على جر المركبة على الإسفلت وليس الرصيف. والجامعات جزء من المشكلة في أنها توظف أناس ليس كفاءة في قانون لاختصار موارد مالية أو إرضاء النفس والقريب والمسئول وغيره، هي أجراس تحتاج إلى من يسمعها.
نعم على الرغم من حبي الجامح للقانون ودراسته إلا أنني بدأت اكره القانون.