القاهرة تشترط غطاءً أممياً لمشاركتها الأمنية في غزة

زمن برس، فلسطين: أبدت مصر استعدادها للمشاركة في ترتيبات أمنية في قطاع غزة ضمن إطار أممي، تحت مظلة مجلس الأمن وبإشراف مباشر من الأمم المتحدة. وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة نقلت هذا الموقف بوضوح في مشاورات واتصالات دبلوماسية مكثفة في الأيام الماضية مع واشنطن والدوحة وتل أبيب، ومع أطراف عربية وأوروبية مشاركة في ترتيبات ما بعد المرحلة الأولى من الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرة إلى أن القاهرة شددت على ضرورة أن يكون أي وجود أمني أو مراقبة دولية في غزة "منبثقاً عن قرار أممي ملزم، وليس بتفاهمات ثنائية أو ترتيبات منفردة"، وأن هذا الشرط يمثل أساس الموقف المصري الرسمي.
وبحسب المصادر أبدت مصر استعداداً للمشاركة في أي قوة مراقبة أو تنسيق دولية تنشأ بقرار من مجلس الأمن، بحيث تضم أطرافاً عربية وأجنبية، وتعمل تحت إشراف الأمم المتحدة ووفق صلاحيات محددة ومهام زمنية واضحة، لضمان أمن الحدود، ومتابعة تطبيق بنود الاتفاق، والمساعدة في إعادة الإعمار والإغاثة الإنسانية. وقد درّبت القاهرة في الأشهر الماضية عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بهدف تجهيز كوادر قادرة على تولي مهام الأمن الداخلي في القطاع بعد تثبيت الهدنة، في إطار رؤية مصرية ترى أن الأمن داخل غزة يجب أن يكون "فلسطينياً خالصاً"، على أن تتولى الأطراف الدولية والعربية مهمة الدعم والمراقبة من الخارج.
وعلمت "العربي الجديد" أن مصر تدرك أن إسرائيل لن ترحّب بأي وجود أممي داخل القطاع، وتعتبر أن ذلك يحدّ من قدرتها على المناورة الأمنية، لكنها تضغط في اتجاه إقناع واشنطن والعواصم الغربية بضرورة تبني هذا الخيار، باعتباره الضامن الوحيد لاستقرار الوضع الأمني في غزة. وتتابع القاهرة باهتمام النقاشات الجارية في واشنطن حول شكل المرحلة الثانية من الاتفاق، لكنها تتمسّك بأن يكون لأي ترتيبات مستقبلية "شرعية ومنضبطة ضمن إطار دولي واضح"، مشيرة إلى أن مصر تعتبر إشراف الأمم المتحدة على العملية الأمنية والسياسية في غزة "الضمانة الوحيدة لعدم تكرار سيناريوهات الانفجار". وأوضحت المصادر أن القاهرة لا تزال تنسّق يومياً مع الأطراف الفلسطينية، بما في ذلك السلطة الوطنية والفصائل، لضمان أن تكون المرحلة المقبلة "نقطة بداية لاستقرار فعلي" وليس مجرد هدنة مؤقتة، مؤكدة أن أي خطة تتجاهل البعد الفلسطيني الداخلي أو تتجاوز المرجعية الأممية "ستفشل في اليوم الأول لتطبيقها".
غوتيريس يدعو للبدء بإعادة إعمار غزة فوراً
وفي سياق متصل، تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، مساء أول من أمس الجمعة، تناول التطورات الأخيرة المتعلقة باتفاق وقف الحرب في غزة. وبحسب بيان رسمي صادر عن رئاسة الجمهورية، استعرض السيسي مع غوتيريس مراحل الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بوساطة مصرية ــ قطرية ــ أميركية، مؤكداً "ضرورة التوافق على كافة التفاصيل الخاصة بالمراحل المختلفة، وضمان التنفيذ الكامل لبنوده". وأوضح المتحدّث باسم الرئاسة المصرية السفير محمد الشناوي أن غوتيريس أكد ضرورة "منح شرعية دولية للاتفاق من خلال مجلس الأمن ونشر قوات دولية في القطاع تحت مظلة الأمم المتحدة"، إلى جانب "البدء الفوري بإعادة إعمار القطاع". إلى ذلك، أكد السيسي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، أمس السبت، "ضرورة نشر قوات دولية في قطاع غزة، وأهمية إعطاء شرعية دولية للاتفاق الذي تم التوصل إليه، وذلك من خلال مجلس الأمن". وأشار السيسي، بحسب بيان للمتحدث باسم الرئاسة السفير محمد الشناوي، إلى "اعتزام مصر استضافة مؤتمر دولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار".
عمار فايد: المدى القريب لا ينبئ بتخلّي جيش الاحتلال عن السيطرة الأمنية بصورة حقيقية
وقال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري حالياً يعكس "الرهان العربي الجزئي" على إمكانية بلورة صيغة أمنية دولية تضمن استقرار قطاع غزة من دون تحميل دولة بعينها المسؤولية الكاملة، موضحاً أن هذا الرهان لا يعني أنّ الانسحاب الإسرائيلي الكامل بات قريباً. وأضاف أن "المدى القريب لا ينبئ بتخلّي جيش الاحتلال عن السيطرة الأمنية بصورة حقيقية"، مشيراً إلى أن الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من المناطق داخل القطاع "لن يكتمل إلا بتسليمها رسمياً إلى القوة الدولية المزمع تشكيلها، مع احتفاظ إسرائيل بحرية العمل العسكري داخل القطاع عموماً، وفق ما تراه ضرورياً لأمنها".
حاتم صابر: الترتيبات الأمنية العاجلة ضرورة ملحّة
وأكد أن ملء الفراغ الأمني في غزة "يتطلب تنسيقاً ثلاثي الأبعاد": قيادة فلسطينية موحدة تدير الميدان، ودعماً عربياً ومصرياً مباشراً لتأمين الحدود وإعادة الإعمار، ومراقبة دولية تضمن الالتزام بالاتفاقات وتمنع أي خروقات، معتبراً أن "هذه الصيغة وحدها يمكن أن تحول مرحلة ما بعد الحرب من بؤرة توتر إلى نقطة انطلاق نحو استقرار دائم".