جدل فلسطيني بشأن تفويض عباس مهامه إلى حسين الشيخ حال غيابه

جدل فلسطيني بشأن تفويض عباس مهامه إلى حسين الشيخ حال غيابه

زمن برس، فلسطين:  يثير الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم الأحد، بشأن تولي نائبه حسين الشيخ مهامه الرئاسية في حال غيابه، جدلًا سياسيًا ودستوريًا واسعًا، إذ يُنظر إليه باعتباره خطوة لإعادة إنتاج النظام القائم بطريقة غير ديمقراطية، وقطع الطريق أمام الانتخابات وتداول السلطة، في وقت يرى قانونيون أنه يشكل تجاوزًا خطيرًا للقانون الأساسي الفلسطيني. وهذا هو الإعلان الدستوري الثاني الذي يصدره عباس خلال عام بهذا الشأن، إذ أصدر إعلانًا دستوريًا العام الماضي 2024، حول تولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح مهام عباس في حال غيابه، ومع الإعلان الدستوري الجديد، يعتبر الإعلان السابق بشأن فتوح لاغيًا.

ويرى عضو لجنة المتابعة في المؤتمر الوطني الفلسطيني عوني المشني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "الإعلان الدستوري الذي قرره الرئيس محمود عباس اليوم له معنيان، الأول: إعادة إنتاج للنظام الفلسطيني الحالي بكل ما فيه بطريقة غير ديمقراطية وعبر فرض الأمر الواقع، وثانيًا: تحقيق هدف قطع الطريق أمام أي انتخابات فلسطينية في المستقبل، وقطع الطريق أيضًا أمام ظهور جيل قيادي جديد يفكر في الانتخابات بوصفها طريقة لتداول الحكم". ويقول المشني: "الفصائل الفلسطينية متخلفة عن أداء دورها، وهي استنفدت دورها التاريخي دون أن تؤدي مهمتها الأساسية، وهي الآن ملحقة إما بالنظام السياسي الفلسطيني أو بأطراف أخرى، وهي لا تقوم بدورها المركزي في صياغة هذا النظام السياسي الفلسطيني".

ويرى المشني أن "الرد على كل هذه القرارات هو بالضغط الشعبي الذي ليس له بديل سوى إجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بشكل حر ونزيه". ويؤكد المشني أنه "يجب على الشعب الفلسطيني أن يغادر مربع نطالب ونتمنى إلى مربع فرض الانتخابات الفلسطينية على المستوى السياسي وعلى صانع القرار، حتى لو وصل إلى مرحلة التصادم مع هذا النظام".

من جانبه، يرى منسق "المؤتمر الشعبي  14 مليون" عمر عساف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الإجراء يعزز الفردية والديكتاتورية في الحالة الفلسطينية، ولا يشير إلى صدق النية بإجراء انتخابات كما تحدث الرئيس محمود عباس في مراسيم سابقة، وهو يشير إلى حرص فردي وذاتي وعائلي على أن يكون هناك ضمان للمصالح لدى أي انتقال للسلطة". ويتابع عساف: "مضى على وجود الرئيس محمود عباس (أبو مازن) رئيسًا منتهي الشرعية 15 عامًا، وبالتالي أن يورث سلطة غير شرعية لشخص آخر فهذا يشكل خروجًا عن كل المألوف، وعن كل الحالة الفلسطينية".

ويؤكد عساف،: "هناك حالة استهجان كبيرة لهذا الإعلان الدستوري الذي لا يحترم المؤسسات الفلسطينية والفتحاوية أيضًا، ويشير إلى تفرد مطلق فقط". وبحسب عساف، "ربما هذه الخطوة استباقية في ظل الحديث عن إطلاق سراح القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، وبهدف قطع الطريق عليه لأن استطلاعات الرأي دائمًا كانت تشير إلى أن البرغوثي منافس للرئيس أبو مازن، والرئيس استبق الأحداث بتعيين شخص من الضفة الغربية حتى يقطع الطريق أيضًا على وجود رئيس من خارج الضفة الغربية". ويقول عساف: "أعتقد أن لا خيار أمام الناس والمؤسسات والقوى الشعبية إلا التحرك رفضًا لهذه الخطوة غير المسبوقة وغير الدستورية، نحن بصدد إصدار موقف ونتشاور مع مؤسسات وفعاليات آخرى".

بدوره، يوضح الأكاديمي والخبير الدستوري رشاد توام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإعلان الذي أصدره الرئيس محمود عباس اليوم يُعدّ "غير دستوري، وليس فيه من (الدستورية) سوى النعت المركب لاسم الأداة التشريعية التي ابتكرها الرئيس (إعلان دستوري)، ليعدل بموجبها القانون الأساسي الذي لا يملك صلاحية تعديله سوى المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه". ويؤكد توام أن الإعلان الأخير "يشبه تمامًا الإعلان الأول" الصادر قبل نحو عام الذي أسند بموجبه عباس إشغال مهام رئاسة السلطة الفلسطينية إلى رئيس المجلس الوطني روحي فتوح، مبينًا أن كليهما "لا يستندان إلى أي صلاحية قانونية للرئيس لإصدارهما، ويعدّلان فعليًا - دون وجه حق - في نصوص القانون الأساسي، أي الدستور الفلسطيني الساري".

ويشير توام إلى أن هذا الإعلان الجديد، وبإلغائه الإعلان السابق، "حسم الجدل الذي كان قائمًا حول اليوم التالي لرحيل الرئيس عباس"، موضحًا أن الوضع القانوني قبل الإعلان كان يحتمل فرض تقاسم تركة الرئيس عباس من الرئاسات الثلاث التي يجمعها الآن على شخصين: روحي فتوح في رئاسة السلطة الفلسطينية بصفته رئيس المجلس الوطني بموجب الإعلان السابق، وحسين الشيخ في رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة دولة فلسطين بصفته نائبًا لرئيس كل منهما، بموجب واقعة استحداث ذلك المنصب من خلال المجلس المركزي واللجنة التنفيذية ربيع العام الجاري، إلا أن الإعلان الأخير "أنهى هذا الجدل تمامًا وجعل كل تركة عباس تؤول إلى الشيخ وحده"، في ما وصفه توام بأنه "توريث شامل لرئاسة الكيانات الدولانية الثلاثة (السلطة، الدولة، واللجنة التنفيذية للمنظمة)، بما أشبه بتعيين (ولي عهد) في الأنظمة الملكية". ويؤكد توام أن كل ما يجري يعد "تجاوزًا دستوريًا خطيرًا وقفزة عن كل الأطر القانونية والسياسية التي تنظّم انتقال السلطة في النظام الفلسطيني، واستمرارًا في التهرب من تداول السلطة من خلال الانتخابات".

ولم تصدر الفصائل الفلسطينية ولا المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني حتى الآن أي تعقيب على الإعلان الدستوري الصادر عن عباس حول تولي نائب الرئيس حسين الشيخ مهامه في حال غيابه.