احتفاء إسرائيلي بأم كلثوم يثير موجة غضب في مصر والعالم العربي

احتفاء إسرائيلي بأم كلثوم يثير موجة غضب في مصر والعالم العربي

زمن برس، فلسطين:  اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي بمشاعر الغضب، بعد إعلان فرقة "النور" الموسيقية الإسرائيلية عن تنظيم برنامج غنائي إحياءً للذكرى الخمسين لوفاة أسطورة الغناء العربي "أم كلثوم".

الفرقة أعلنت عن الفعاليات عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان "الاحتفاء بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق"، من خلال إقامة حفلات في مدن مختلفة ضمن فلسطين المحتلة مثل القدس وحيفا ويافا وبئر السبع وغيرها.

لا يمكن فصل محاولة الاحتفاء بأم كلثوم عن سياق كامل وممنهج يقوم به الكيان منذ نشأته، لا يردعه في ذلك أي وازع أخلاقي، فيزيّف التاريخ ويحرّفه ويسطو على الثقافة والفلكلور

وقد نشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" عبر موقع "إكس" مقطع فيديو يُظهر تدريبات الفرقة، وذكرت في العنوان أن الحفل هو "احتفاء بالموسيقى العربية التي تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة اليهود القادمين من البلدان العربية، وموضع حب وتقدير لدى العرب واليهود على حدّ سواء، فهي جسر بين العوالم، تتجاوز الحدود والثقافات والأديان".

 

وليست هذه المرة الأولى التي يقوم بها الإسرائيليون بمحاولة الاستيلاء على التراث والفولكلور والعادات والتقاليد العربية، إذ تبرز عشرات الأمثلة في هذا السياق، مرتبطة بمجالات الحياة كافة.

الناشطون والمؤثرون رأوا أن "السطو" على ذكرى أم كلثوم، يأتي ضمن حملة ممنهجة تطال المواريث الشعبية لسكان المنطقة في المأكل والملبس والموسيقى والفن والتراث واللغة المحكية والذاكرة الشعبية الجماعية، ويضعون الحملة ضمن إطار الاستعمار الثقافي الناعم الذي لا يقل خطورة عن عمليات التوسّع في الاستيطان وقضم الأراضي.

أسرة أم كلثوم تتحرك

في أبرز المواقف الرافضة والغاضبة في هذا المجال، كشفت أسرة "كوكب الشرق"، عن عزمها اتخاذ إجراءات قانونية ضد الفرقة الغنائية الإسرائيلية، لمنعها من إحياء المناسبة أو استخدام أغاني وموسيقى أم كلثوم في جولتها، وقد اعتبرت جيهان دسوقي، حفيدة شقيقة أم كلثوم، خلال مداخلة هاتفية مع أحد البرامج المصرية، أن ما تنوي الفرقة القيام به هو تعدٍّ صريح على اسم أم كلثوم وتراثها الفني، وأن الأسرة ترفض بشكل قاطع  استخدام أعمالها في أي عرض موسيقي دون إذن رسمي.

وقال الناقد الفني المعروف مصطفى الكيلاني، في مداخلة مع برنامج تلفزيوني، إن أم كلثوم هي رمز وطني ارتبط اسمها بالمقاومة وكانت من أشد أعداء دولة العدو على حدّ تعبيره.

 

وضمن السياق نفسه، قال ياسر قنطوش، محامي أسرة أم كلثوم إن الملكية الفكرية تعدّ حقًّا أصيلًا للمبدع وغير مقيّدة بمدة زمنية محدّدة، وإن أي استغلال لصوت أن كلثوم لا يمكن أن يتم دون تصريح الشركة المالكة لحقوق الاستغلال.

 

نستعرض في ما يلي أبرز المحطات والحالات التي قام بها الكيان الإسرائيلي بالاستيلاء على الثقافة العربية وكلّ ما يرتبط بها.

سطو على المطبخ العربي

بالرغم من أن بعض المأكولات والأطعمة راسخة في ثقافة المنطقة، مثل الفلافل والحمص المعروفة أن سكان بلاد الشام كانوا قد أوجدوها، قام الإسرائيليون أكثر من مرة بإدراج هذه المأكولات ضمن فعالياتهم ومهرجاناتهم، واعتبروا أنها جزء من ثقافتهم وتاريخهم.

صيف عام 2023، نشرت السفارة الإسرائيلية في كندا تغريدة على موقع "إكس"، أشارت من خلالها عن احتفائها بطبق الفلافل معتبرة أنه "الطبق الوطني" لإسرائيل، وجاء في نص التغريدة:

" اليوم نُكرّم الفلافل المحبوب، الكنز الوطني المُقدّس في فن الطهي، والطبق الوطني لإسرائيل".

وقد دعت التغريدة المتابعين عدم نسيان "الطحينة" Tahina، وهي نوع من التوابل يقدّم مع الفلافل وتصنع من السمسم (تسمى "طرطور" في بعض المناطق من بلاد الشام)، والمفارقة أن كلمة طحينة أصلها عربي ولا وجود لها في اللغة العبرية.

وقد أرفقت السفارة الخبر مع صورة تُظهر أقراص الفلافل محاطة بأعلام الكيان الإسرائيلي، في خطوة استفزت الجاليات العربية والمسلمة في كندا والناشطين عبر وسائل التواصل، إذ اعتبروا أن الأمر يشكل استيلاءً على الفلافل والطحينة.

 

كذلك شرعت المطاعم والمؤسسات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى إدراج طبق الحمص (حبوب الحمص المهروسة مع الطحينة) ضمن لوائحها، وبدأت الشركات الغذائية الكبرى في إسرائيل بتصدير الحمص إلى أوروبا والولايات المتحدة تحت عنوان: "حمص إسرائيلي أصيل".

دعوى لبنانية بسبب الحمص

يعتبر الحمص مع الطحينة من المأكولات المتجذرة في بلاد الشام خاصةً، ويعود لقرون ماضية، وقد قام لبنان الرسمي بتقديم شكوى في الأمم المتحدة ضد إسرائيل بسبب نسبها طبق الحمص لها، وقد اتهم رئيس جمعية الصناعيين يومها فادي عبود، إسرائيل بسرقة المطبخ اللبناني من خلال تسويق بعض الأطباق على أنها خاصة بها.

تشتهر رقصة "الدبكة" بشكل خاص في لبنان وسوريا وفلسطين، وتظهر في الأعراس والمناسبات السعيدة حيث يشبك الأهالي أيديهم ضمن حلقة واسعة، ويخبطون الأرض بأقدامهم ضمن نمط ووتيرة محددين.

ولم تسلم الدبكة من اليد الإسرائيلية، إذ قام الكثير من فرق الرقص الإسرائيلية بإدخال الدبكة إلى برامجها، كما قامت هذه الفرق بترجمة بعض الأغاني الفلسطينية التي تقال خلال رقصة الدبكة إلى العبرية، وأدائها خلال حلقات دبكة.

كذلك استخدمت فرق الرقص ملابس شبيهة للملابس التي يلبسها راقصو الدبكة في بلاد الشام، وفي خطوة جمعت بين الاستيلاء على الثقافة والاستفزاز، قامت مصمّمة أزياء إسرائيلية بإصدار مجموعة تصاميم تعتمد بشكل أساسي على الكوفية الفلسطينية التي ترمز إلى مقاومة الاحتلال. 

المصورة الفوتوغرافية الأميركية من أصول أردنية تانيا حبجوقة، والمعروفة بآرائها الرافضة لسياسات الاستيطان، وهي تقطن في تل أبيب، كانت قد مرت من أمام المتجر الذي يعرض التصاميم التي تتضمن الكوفية، فكتبت على صفحتها على فيسبوك:

"استيلاء ثقافي مُفرط... في مركز تجاري أنيق في تل أبيب، توقفتُ في مكاني عندما رأيتُ قماش الكوفية الفلسطينية والأردنية يملأ متجرًا بأكمله.

فساتين أنيقة مثيرة، وتنانير أنيقة منفوشة، وفساتين هيبي طويلة... الحد الأدنى للسعر 150 دولارًا أمريكيًا. لا توجد أي إشارة أو تفسير لمصدر هذه الخامة. حتى زوجي وقف مذهولًا، ينظر من النافذة. كان الأمر مبالغًا فيه حقًا، حتى بالمعايير هنا".

وجوب مقاومة الاستيلاء الثقافي

لا يمكن فصل محاولة الاحتفاء بأم كلثوم عن سياق كامل وممنهج يقوم به الكيان منذ نشأته، لا يردعه في ذلك أي وازع أخلاقي، فيزيّف التاريخ ويحرّفه ويسطو على الثقافة والفلكلور.

ومع الثورة الرقمية التي نشهدها اليوم وسرعة انتقال المعلومات، أصبح التشويه والتضليل أسهل من قبل، وبالتالي فإن المطلوب اليوم من الجهات الرسمية العربية والجمعيات المعنية بحفظ التراث، القيام بعملها لتأكيد حقها وملكيتها لموروثها الثقافي من خلال الأدلة والبراهين وتوثيقه في المحافل الدولية.