الاستيطـــان .. المشــروع الأكــثر حمـاقــة فــي الــعـالـــم

 

بقلم: اسحق ليئور

أشك في وجود حماقة في السياسة العالمية، منذ كانت الحرب العالمية الثانية، تشبه حماقة "مشروع الاستيطان". فالقيادة العليا السياسية الاسرائيلية منذ 1967 التي شاركت فيه جعلت حبة الدواء مُرة فقط. إن قلة السكان في الضفة، قياسا بالاكتظاظ الاسرائيلي في مركز البلاد، أحدثت مصالح اضطهدت إسرائيل من اجلها من البداية كل تجمع فلسطيني. عُد موشيه ديان "محتلا مستنيرا" بفضل إذنه للفلسطينيين ان يعملوا في اسرائيل بأرخص الأجور، واستيراد مال من الاردن ("الجسور المفتوحة"). لكنه كان حاكما قاسيا عديم الصبر باعتباره مستعمرا. ولم ينافسه في عماه التاريخي سوى ارئيل شارون.

سارع الجيش إلى تسمية "المناطق" بالاسم التوراتي "يهودا والسامرة وارض غزة". ودعا سكانها "محليين"، أي أنهم بلا أي انتماء، أرض، وتاريخ. وقد جُعلوا سريعا خطرا مع الاستحواذ على اراضيهم، وكان ذلك مساراً أُذل به شعب كامل لمدة عقود، فكان مئات آلاف السجناء واعمال تعذيب منهجية ومحاكمات سيرية واعتقالات وحصارات بسبب أعيادنا ومصادرات وتعطيش وحصار وإذلال الآباء على مرأى من أبنائهم وقتل ضد المقاومة. انشأت اسرائيل بيديها الخطر الأمني الذي جعل اليمين يحكمها.

بعد ذلك بكثير حينما ثبت لشارون أن القطاع "غير مُجدٍ" تخلى عنه وحاصر سكانه في معزل ضخم فقير جائع. فغزة بعيدة عن المركز، وكما أن أكثر الاسرائيليين لا يعنيهم النقب، يمكن ان يذوي القطاع من وجهة نظر اسرائيل المستنيرة بين "حرب للارهاب" وحرب اخرى تليها.

لكنه من السهل ازالة الزينة عن الاحتلال بوساطة الضفة. فهي كانت الى 1967 تحت حكم الاردن، وكانت مضايقتها لنا أقل من مصر أو سورية. ان الانفصال عن "بيت إيل" أو هذيانات اخرى ايضا لم يعق تطور حياتنا الروحانية. لكن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، وكان السكان الفلسطينيون ضعفاء من جهة عسكرية. وهنا وسّع شارون منذ اتفاقات كامب ديفيد "مشروع الاستيطان".

لم يُحدثوا الشعب المُخدر عن الماء والعقارات. وحقنوه بـ"ارض الآباء" و"الأمن". وحظي الأسياد المستوطنون بالترف وعاشوا من عمل "الآباء" وهم الآن "اليمين المتطرف" الذي يُراد من العالم، بما فيه الفلسطينيون، ان يولينا عنايته بسببه.

مثّل الجيش "الأمن" وهو – أي الجيش – "معتدل" دائما في الوعي الاسرائيلي، لأنه هو نحن ونحن معتدلون. بيد ان المستوطنين يحتاجون الى جيش لزيادة السيطرة عمقا ويحتاج الجيش الى المستوطنين كي يسيطر على المناطق. وهذه هي رقصة التانغو.

إن الميل الى اتهام الفلسطينيين بـ"اضاعة المصالحة" جزء من الاستعلاء الاستعماري. فنحن نسجن ونُعذب ونسلب ونتوسع في اراضيهم ونطلب ان يتخلوا لنا. من اجل ماذا؟ هل من اجل الخوف من "اليمين المتطرف"؟.

ويأتي افيغدور ليبرمان الآن ويعلن أن تسوية سلمية شاملة مع الفلسطينيين غير ممكنة، ويسكت الجميع. ويعرض الفلسطينيون خاصة تسوية سلمية. إن العقبة الكبرى، التي تزداد حجما من سنة الى اخرى، هي "المشروع" الذي يضمن ألا يتم احراز أي حل إلى ان يغرقنا تضخمه جميعا.

يحسن من اجل الضغط على الحكومة ان نتعلم من بيتار القدس ومحاربته لعنصرية مشجعيه: فالخوف من العقوبات الدولية ينجح. وقد حان الوقت لحث المجتمع الدولي على مكافحة رفض إسرائيل التخلي عن "المناطق" المحتلة وسكانها الذين لا صوت لهم في ديمقراطيتنا.

إن حدود 1967 هي الهدف، ولا يُحتاج من اجل ذلك الى القطيعة مع معهد ارئيل فقط بل يجب ان يبدأ كل هذا من بيننا. سيعود باراك اوباما بعد خطبته في الكنيست الى تناول طعامه في البيت الابيض وسنبقى لنأكل الثمر العفن عندنا، المسمد كنفتالي بينيت أو يائير لبيد. والسماد هو السماد.