قصة "السجين إكس": أسرار تتكشّف

 

بقلم: نيتسا لونستين

- عـمـل في شركة وهـمـيـة لـ "الموساد" باعـت معدات الكتـرونـيـة لإيران

- في الحوار الأخير معه داخل الزنزانة: كان محبطاً، غاضباً، ونفى صلته بـ "الموساد".

في 15 كانون الأول 2010 فُتح باب زنزانة العزل الأكثر حراسة في قسم 15، القسم المنفصل في سجن ايالون في الرملة. أُخرج من الزنزانة، التي اقيمت خصيصاً للقاتل يغئال عمير، جثة رجل فقد الحياة. ملابسات موته، وكذا السبب الذي جعله يعتقل سراً، بقيا لغزا. وأول من أمس فقط، بعد أكثر من سنتين في الظلام، اعترفت اسرائيل لأول مرة بوجود من سمي "السجين إكس": رجل حُبس بهوية مزيّفة ووضع حداً لحياته في السجن. وحسب تحقيق استرالي فان هذا هو بن زغيير، مهاجر من استراليا جند لـ "الموساد" واعتقل بعد أن "حصل شيء سيئ جدا في حياته المهنية التجسسية".

بعد نقاش طويل أجرته محافل أمنية وقانونية رفيعة المستوى، أعلن المستشار القانوني للحكومة، يهودا فينشتاين، أول من امس، أن شخصا كان يحمل الجنسية الاسرائيلية وجنسية أجنبية حبس لاعتبارات أمنية بهوية مزيّفة. وجاء في البيان أن عائلته عرفت باعتقاله، وأنه حظي بتمثيل قضائي من ثلاثة محامين: روعي بلكر، موشيه مزور، وبوعز بن تسور، رافقوا اجراءات قضيته في المحافل العليا في وزارة العدل. وقد احتجز الرجل في السجن بأمر اعتقال أصدرته المحكمة. وقد احترمت، كما افيد، حقوقه الخاصة.

وبعد أن عثر على السجين ميتاً في زنزانته، عينت رئيسة محكمة الصلح في ريشون لتسيون، دفنه بلتمن قدراي، للتحقيق في ملابسات الوفاة. قبل نحو شهر ونصف رفعت الى فينشتاين تقريراً بأن السجين انتحر. ونقل الملف الى النيابة العامة للدولة لفحص احتمالات الاهمال من جانب الجهات التي كان يفترض بها أن تحرسه.

ولكن من كان السجين؟ ولماذا اعتقل منذ البداية؟ كيف وضع حداً لحياته؟ الاجوبة الرسمية على هذه الاسئلة لا تزال سرية بقوة أمر منع النشر الجارف الذي أصدر في القضية بناء على طلب محافل الامن.

يهودي من ملبورن في استراليا انتقل الى اسرائيل، وغير اسمه الى بن الون. زغيير اختص في القانون في مكتب هيرتسوغ – فوكس – نئمان (الذي أسسه وزير العدل يعقوب نئمان والنائب اسحق هيرتسوغ) وأصبح محاميا. وتزوج من اسرائيلية، وأنجب طفلين، لكن بورمن يدعي بأن زغيير أدار حياة مزدوجة وعمل سراً عميلاً لـ "الموساد". وورن ريد، الذي خدم في الاستخبارات الاسترالية واجري معه لقاء لغرض التحقيق الصحافي، ادعى بان "الموساد" معني بتجنيد ذوي جوازات السفر الاسترالية لانهم يمكنهم ان يتجولوا في العالم، بما في ذلك في دول عربية وإسلامية، دون أن يثيروا الشبهة: "يعتبر الاستراليون في الخارج سياحا أبرياء. هذه بلاد نظيفة مع صورة جيدة". وذكر بورمن بان اثنين من أعضاء الخلية التي صفت مسؤول "حماس"، محمود المبحوح، في دبي في كانون الثاني 2010 كانا يحملان جوازي سفر استراليين، ولكن ليس هناك ما يثبت أن زغيير كان واحداً منهما.

النشاط السري: شركة وهمية لـ "الموساد"

وأفادت الصحافيتان الاستراليتان "سدني مورنينغ هيرالد" و "ذي ايج"، أول من أمس، انه منذ العام 2009 كان زغيير في مركز تحقيقات أجرتها المخابرات الاسترالية. زغيير واستراليان آخران هاجرا الى إسرائيل، اشتبه بهم بأنهم استخدموا جوازات السفر الاسترالية من أجل التجسس لصالح "الموساد". وحسب "ذي ايج"، فقد أصدر الثلاثة جوازات سفر في استراليا بأسماء جديدة لم تظهر أصلهم اليهودي. وزعم أن زغيير لم يُعرف نفسه فقط باسمه الاسرائيلي بن الون، وغير اسمه في الجواز، بالاجمال، أربع مرات. واشتبهت المخابرات الاسترالية بان الثلاثة استخدموا جوازات سفرهم الاسترالية كي يزوروا ايران، سورية، ولبنان.

وأفادت "ذي ايج" أنه في العام 2009 عاد زغيير الى استراليا وتسجل لدراسة الماجستير في جامعة مونش في ملبورن، التي فتحت أبوابها ايضا أمام طلاب من السعودية ومن الشرق الاوسط. وروى مصدر للصحيفة الاسترالية أن زغيير ظهر في تلك الفترة في الحرم الجامعي بصحبة طلاب إيرانيين وسعوديين.

في تشرين الاول 2009 علم الصحافي جايسون كاتسوكيس عن تحقيقات المخابرات الاسترالية. وقال لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أول من أمس، ان "القصة كانت عن أن جهاز ‘الموساد‘ جند استراليين ويستخدمهم للتجسس لصالحه برعاية شركة وهمية في اوروبا". وبزعمه، فان الشركة الوهمية التي اقامها "الموساد"، وعمل فيها زغيير واسرائيليان – استراليان آخران، باعت معدات الكترونية لايران ولدول اخرى: "زغيير أثار الاشتباه أيضاً بأنه غير اسمه أربع مرات. اكتشفت أنه رفع طلبا للحصول على تأشيرة عمل في ايطاليا. وقيل لي ان السلطات في استراليا تحاصره وتوشك على اعتقاله قريبا".

الاعتقال السري: تهديد فوري لإسرائيل

في كانون الثاني 2010، في أعقاب تصفية المبحوح، قرر كاتسوكيس التوجه مباشرة الى زغيير، الذي مكث في تلك الفترة في إسرائيل. وعلى حد قوله، غضب زغيير حين سئل عن الشبهات. "من أنت بحق الجحيم؟"، صرخ، "ما هذا الهراء الذي تقوله؟" وادعى زغيير بانه ليس جاسوساً، نفى كل صلة بـ "الموساد"، وصرح بانه لم يزر ابدا الدول العربية، وشرح بأنه غير اسم عائلته لأسباب شخصية فقط. "كان في صدمة. غضب في البداية، وبعد ذلك كان محبطاً من أني لا أقبل نفيه"، روى كاتسوكيس.

في 27 شباط 2010 نشر كاتسوكيس تقريره في "ذي ايج" دون أن يذكر فيه اسم زغيير. وفي تلك الفترة، حسب الـ "ايه.بي.سي" اعتقل زغيير في إسرائيل. وكشف بورمن بأنه لم يعرف احد من السجانين الذين حرسوا زغيير، أو السجناء الاخرين في سجن ايالون، من هو ولماذا اعتقل. ولم تكن له زيارات وعاش على مدى أشهر طويلة في عزلة تامة. واشار بورمن الى أن موقع "واي نت" علم بانه في سجن ايالون يحتجز معتقل لا يعرف احد هويته. ولكن بناء على طلب محافل الامن فُرض تعتيم تام على القضية بدعوى الخطر على امن الدولة.

لماذا اعتقل زغيير؟ "اقدر بان هذا يتعلق بالتجسس، ربما بالخيانة. معلومات حساسة جدا عرفت للأجانب من شأنها أن تشكل تهديدا فوريا على إسرائيل"، قدر وورن ريد في الـ "ايه.بي.سي".

في زنزانته المحروسة، التي اقيمت من أجل يغئال عمير، كانت كاميرات فيديو توثق كل حركة في كل ساعات اليوم. ومع ذلك، في 15 كانون الاول 2010، عثر على السجين ميتا: حسب الـ "ايه.بي.سي"، كتب في شهادة وفاته أن زغيير انتحر شنقا.

وزير الخارجية الاسترالي، بوب كار، ادعى امام بورمن بان حكومته لم تعرف عن اعتقال زغيير في الزمن الحقيقي، بل فقط بعد موته في زنزانته. ولكن اعترف بان السفارة الاسترالية في تل أبيب عرفت، أول من امس، بأمر الاعتقال.