شارون والانتفاضة وعرفات

خاص "زمن برس"

تل أبيب:   بثت القناة العاشرة من التلفزيون الإسرائيلي الجزء الأول من  تحقيق تلفزيوني بعنوان" شارون والانتفاضة"، ويطرح التحقيق تساؤلات عدة عن أسباب اندلاع الانتفاضة وأبرز أحداثها، ويجيب على هذه التساؤلات كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين أشرفوا على قمع شعبنا خلال الانتفاضة.

 ويجمع غالبية المتحدثين في التحقيق على مهاجمة الشهيد الراحل ياسر عرفات بالزعم أنه خطط لتفجير الانتفاضة، بينما يؤكد التحقيق على لسان مدير مكتب شارون أنه طلب من قادة جيشه قمع الانتفاضة بعنف وقتل المئات من الفلسطينيين يوميا على حد تعبيره.

 التحقيق تضمن أيضا تراشق اتهاماتٍ بين رئيس الشاباك وقادة الاستخبارات العسكرية الذين اتهموا بلعب دورٍ دعائي.

وتستهل القناة التحقيق بالمقدمة التالية:"أربعة أعوام عشنا بداخل جهنم الانتفاضة الثانية، تعرضنا لعشرات الهجمات الانتحارية، أحيانا كان ينفذ هجومان  باليوم، وثمانمئة قتيل، وقتل مواطنين أكثر من كل حروب إسرائيل بالإضافة إلى ثلائمئة جندي قتيل، اليوم بعد اثني عشر عاما، هل تعرفون كيف بدأ ذلك ومن هو المتهم، وهل كان ذلك ضروريا؟".

ويقول رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" السابق يوفال ديسكين عن اندلاع الانتفاضة الثانية:" من الناحية الإسرائيلية الانتفاضة الثانية كانت نبوءة، حققت ذاتها ولست أدري إلى أي مدى تتذكرون عناوين الصحف في تلك الفترة، ولكن انأ اعتقد أنه تقريبا كل متحدث أمني تنبأ أننا عشية انفجار، أو مواجهة، أو سفك دماء، والكل انتظر عود الثقاب الذي سيشعل اللهب هنا، ولذلك عود الثقاب جاء على هيئة أحداث في جبل الهيكل، في نهاية سبتمبر عام 2000."

ويكشف أوري شيني مدير مكتب رئيس حزب الليكود حينها أريئيل شارون الذي كان آنذاك زعيم المعارضة الإسرائيلية" أن اقتحام شارون للمسجد الأقصى كان شرارة انطلاق الانتفاضة وأنه نبع من دوافع انتخابية وجاءت بناء على مشورة من مستشار أميركي متخصص في إدارة الحملات الانتخابية".

 وقال شيني للقناة:" الموضوع ولد من داخل منظومة الانتخابات، كان لنا مستشار أمريكي ادعى أن القدس في تلك الفترة كانت الموضوع المركزي في قلب كل يهودي وإسرائيلي ، لقد قدرنا أن زيارة شارون إلى جبل الهيكل ستقويه انتخابياً".

ويقول آفي ديختر الذي شغل منصب رئيس جهاز الشاباك قبل اقتحام شارون للمسجد الأقصى "انه اقر اقتحام شارون للأقصى لأنه لم يكن يعتقد أن ذلك سيؤدي إلى اندلاع انتفاضة ويضيف:"  قد تؤدي في نهاية الأمر بتسبب بعض حوادث الإخلال بالنظام وليس التسبب بشئ جدي، ولذلك قررت زيارة شارون لجبل الهيكل".

ويعقب مدير مكتب شارون على ذلك بالقول:" على الأقل كنت أنا وابن شارون ضد الزيارة، لقد اعتقدنا أن زيارة جبل الهيكل آمر جنوني، ولكن بعد أن قرر كنا بصحبته هنا.ولقد كان محاطا بحلقة من الشرطة والقوات الخاصة وصدقني لم يتمكن من رؤية أي شيء."

 بعد ذلك تنتقل القناة إلى مشهد قتل الطفل محمد الدرة، وتستحضر من الأرشيف مقابلة مع قائد شعبة العمليات في الجيش الاحتلال آنذاك غيورا ايليد ليؤكد أن الدرة قتل برصاص الجيش الإسرائيلي:"نعم يسود الاعتقاد انه أصيب بنيران قواتنا".

 

ويعقب آيلند على طريقة إدارة جيش الاحتلال للأزمة خلال الانتفاضة بالقول:"كل تصرفاتنا كجيش بما في ذلك أنا رئيس شعبة العمليات آنذاك كانت خاطئة جدا، لقد نبعت تصرفاتنا من نوع من السذاجة غير المبررة".

وتجري القناة مقابلة مع وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آنذاك آفي ديختر ليتحدث عن اندلاع الانتفاضة الثانية:" أنا اذكر مشارف رام الله من ناحية الشرق عندما رأيت الجمهور وسمعت إطلاق النار وبعد ذلك طبعا فهمنا من المعلومات الاستخبارية أن رجال الأمن الفلسطيني شاركوا في إطلاق النار وفهمنا أننا دخلنا في فيلم آخر."

ويعترف اللواء أفيرايم ليفي رئيس الساحة الفلسطينية في وحدة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" التابعة للجيش إن جيش الاحتلال فشل في قمع الانتفاضة لأنه لم يكن مستعد "للتعاطي مع عمل جماهيري:"الجيش فشل في استيعاب الأحداث لأنه لم يكن مستعدا لمواجهة أحداث تشارك فيها الجماهير بشكل واسع".

 ولكن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" آنذاك يوفال ديسكين يرفض هذا التقدير ويقول:"هذه المواجهة لم تكن ضرورية ليس من الجانب الفلسطيني وليس من جانبنا. عندما بدأت هذه الأحداث كان الجيش مستعدا جيدا وكنت أقول انه كان مستعدا أكثر من اللازم. وفي الأسابيع وربما في الشهور الأولى كانت نسبة القتلى بيننا وبين الفلسطينيين واحد إلى خمسة عشر أي مقابل خمسة عشر قتيل فلسطيني كان يقابله إسرائيلي واحد، وهذا أنتج دائرة دموية من الأحداث التي كان بالإمكان أن تستمر أسبوعا آو أسبوعين أو شهر، لكن هذه الأحداث بالواقع تحولت إلى دائرة انتقام وهجمات انتقامية، وردود من دولة إسرائيل وبدأت هنا عملية انجر في إطارها الجمهور" .

ثم تعود القناة إلى أرشيفات وسائل الإعلام الإسرائيلية وتستذكر أن الحكومة الإسرائيلية هاجمت الرئيس الراحل ياسر عرفات واتهمته بالوقوف خلف الانتفاضة، ويقول مذيع في التلفزيون الإسرائيلي آنذاك:" السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات يباركون الأعمال الإرهابية التي تنفذها كل التنظيمات، هذا ما قاله اليوم رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش اللواء عاموس مَلكة".

 وفي مقطع آخر يقول رئيس أركان جيش الاحتلال بوغي يعلون:"هنا مبادرة بالإمكان البدء فيها حتى لو كانت الحجة نفق وليس زيارة، هذا وضع شخص يفتش عن الحجة من اجل البدء في موجة عنف".

 ويعقب على ذلك رئيس شعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية آنذاك عاموس غلعاد بالزعم:"كلنا نعلم أن عرفات طريقه الإرهاب".

وتقول القناة بعد فوز شارون برئاسة الحكومة الإسرائيلية راحت إسرائيل تتهم عرفات بالمسؤولية عن اندلاع الانتفاضة:" بسرعة بدأت تتطاير الاتهامات الصعبة الموجهة إلى عرفات، وزراء وجنرالات ومحللين كلهم رددوا ذات النغمة عرفات خطط وبادر وان هذه حربٌ مدروسة، وكلهم أعطوا انطباعا أنه ثمة ملف كبير من الأدلة يثبت ذلك".

ويبرر رئيس أركان جيش الاحتلال آنذاك بوغي يعلون ووزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة نتنياهو السابقة مهاجمة عرفات واتهامه بالمسؤولية عن اندلاع الانتفاضة دون امتلاك إسرائيل أدلة على ذلك بالقول:"لن تجد أمرا يدين هتلر بإبادة الشعب اليهودي، لكن هذا حدث لقد بادرة عرفات إلى حرب".

 ويعقب على ذلك عاموس غلعاد بالادعاء أن عرفات جهز الأرضية لاندلاع الانتفاضة:"عرفات جهز الأرضية عن قصد".

أما رئيس جهاز المخابرات "الشاباك" أنداك يوفال ديسكين فيؤكد كذب الادعاء بشأن مسؤولية عرفات عن اندلاع الانتفاضة بالقول :" لم يتم العثور على أي خطط ولم نجد أي نشيط قال لنا عن استعدادات لجأ إليها عرفات استعدادا لهذه المواجهات، ولحسن حظ رجال الاستخبارات العسكرية وصلت عملية السور الواقي وتم اعتقال نشطاء "فتح" رفيعي المستوى الذين اخضعوا للتحقيق بسبب نشاطاتهم ومشاركة السلطة وضلوع عرفات في هذه القصة. والعجيب في هذه التحقيقات لم نجد ما يثبت وقوف عرفات وراء اندلاع الاتنفاصة. أيضا رجال الاستخبارات العسكرية كان من الصعب عليهم تقبل ذلك وجلسوا مع الخاضعين للتحقيق، وهم أيضا لم يثبتوا أي شيء، عرفات لم يخطط لهذه القصة، هو ببساطة استغلها كأي منتهز للفرص في السياسة ومنتهزي الفرص ليسوا فقط بالجانب الفلسطيني ونحن نعرف منتهزي فرص آخرين وهذا ما فعله عرفات".

وفي ذات السياق يؤكد متاي شيتنبرغ مستشار جهاز المخابرات الإسرائيلية آنذاك أنه لم يتم العثور على أي جزء من معلومة تشير إلى مسؤولية عرفات عن اندلاع الانتفاضة ويقول:" يوسي بنآري وهو عقيد سابق من رؤساء قسم الأبحاث في الموساد شرع بعد شهر أو شهرين من اندلاع الانتفاضة بإجراء فحص داخل المعلومات حول إمكانية وجود جزء من معلومة في هذا الموضوع، وبشكل قاطع أكد أنه ما من جزء من معلومة تثبت تورط عرفات".

ويكشف رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية أنداك يوفال ديسكن أن الاتهامات التي وجهها عاموس غلعاد لعرفات بهذا السياق لم تعدو كونها دعاية لا تمت بصلة لـ للتقديرات الاستخبارية ويضيف:" عاموس غلعاد رجل دعائي من الدرجة الأولى،  وهو شخص ذكي جدا لديه معرفة واسعة  وبإمكانه الربط بين الكثير من المعطيات، وبحسب رأيي فإن عاموس غلعاد  لم يقم بعمل تقديرات وأبحاث وإنما قام بدور دعائي في تلك الفترة".

ثم تعود القناة إلى للحديث مع أوري شيني مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ليتحدث عن روود فعل شارون على الهجمات الاستشهادية التي نفذتها الفصائل الفلسطينية ويقول" التعامل مع شارون مثل اخذ أسد مفترس وتحويله إلى أسد لا يفترس أي شيء، صحيح انه مفترس ولكنه لا يفترس أي شي، عندما يقع هجوم يريد شارون أن يصفي بشكل فوري الجميع، حتى لو كان ذلك البيئة القريبة والمقربين وأولئك اللذين قد يبرزوا في  المستقبل، هذا الذي كان يريد أن يقوم به على الفور، لو كنا نحضره إلى مكان الهجوم الإرهابي لن نتمكن من السيطرة عليه لأنه لم يكن بالإمكان وقفه".

ويعترف شيني أن شارون كان يتملك خطة لاحتلال الضفة الغربية قبل فوزه في الانتخابات:" نحن كنا نريد أن ندخل إلى الإحياء القديمة وان ننفذ فيها عمليات جدية وان نسيطر على يهودا والسامرة وان نسيطر على الأماكن التي لم يدخلها أي حد حتى في فترة الأردنيين".

 وتعقب القناة على أقوال شيني بالقول:"أقوال أوري شني مثيرة جدا لأنه لم يقل احد من مقربي شارون أن كل شيء كان مخططاً، لقد كانت تلك خطة مبرمة وانتظر شارون فقط الدعم الجماهيري" .

ويمضى شيني بشرح خطة شارون:"لقد أدركنا انه ثمة مهمة و كنا نرد على كل حادثة دون الالتفات إلى الرأي العام العالمي، وبدون ذلك ما كنا لنصل إلى الخطة العامة بالدخول وبإعادة الاحتلال مجددا وان نسيطر على المناطق وان نوقف الإرهاب وان ننتصر على الإرهاب".

ثم تسأل القناة شيني:"منذ متى كانت هذه الخطة بحوزة شارون؟" فيرد شيني:" هذه الخطة كانت لديه منذ اليوم الأول الذي أصبح فيه رئيس للحكومة ولم تكن الخطة قابلة للتنفيذ في البداية والجيش لم يكن متفهما في البداية".

وتسأل القناة شيني:"هل كان هذا ما يريد؟" فيرد:" هذا ما كان يريده..في النهاية يجب أن نفهم أن شارون كان هو الأسد الذي تحدثت عنه فهو ليس قادرا على التعايش مع الهجمات، لقد كان يخرج عن طوره ولم يكن مستعدا للتغاضي عن هذه الأمور، لقد كان يرى بذلك قلة حيلة، انه لم يكن قادرا على التعايش مع ذلك من أجل أن تنفذ عملية مركزة، كان يجب أن تجند كنائب الاحتياط وان تضرب بكل قوة، بما يتضمن إحداث دمار كبير في جنين وباستخدام الجرافات الكبرى، وشارون كان يقول دائما إن أراء شمعون بيرس صحيحة ولكن تصلح بعد مئة عام، في هذه اللحظة يجب أن ننحيه جانبا".

وللمرة الأولى تكشف القناة عن لقاء ليلي عقده شارون مع قادة جيشه واستخباراته:"عن هذا اللقاء المهم لم يتحدث أحد حتى اليوم، شارون استدعى قادة الأجهزة الأمنية لمحادثة ليلية وأوضح لهم ما الذي يريده، وألان ستفهمون لماذا لم يتحمس احد للحديث عن هذا اللقاء حتى اليوم".

ويقول شيني عن هذا اللقاء:" كان لقاء في بيت رئيس الحكومة أذكرة حتى اليوم، وشارك فيه رئيس الشاباك ونائبه ورئيس الأركان ونائبه والسكرتير العسكري، ذلك اللقاء من الصعب أن ينسى، جلسنا، لا اذكر كانت الساعة 11 مساءً وبقي الاجتماع حتى 4 قبيل الفجر".

ويضيف شيني:" شارون أوضح لهم وجهة نظره وقال: اسمعوا يوجد هنا انتفاضة ويجب أن نهزمهم ولدي نوايا سياسية أعلمت بوش بها وليس بالإمكان عمل أي أمر سياسي، وانأ ارغب بفعل ذلك بعد أن نهزم هذه الانتفاضة المسلحة بالقوة".

وعن ذلك اللقاء يقول رئيس أركان جيش الاحتلال في تلك الفترة بوغي يعلون:" لقد قال  شارون إن الطريقة المثلى للدفاع هي الهجوم ووافقته على ذلك، ولكن السؤال أي هجوم؟ هل تذهب لمدينة مثل نابلس وجنين بالطائرات والمدفعية والدبابات، أو انك تعرف كيفية التوصل إلى النتيجة المرغوبة بطرق أخرى."

وينسب شيني إلى شارون قوله في ذلك الاجتماع:"لقد قال يجب أن نستيقظ في الصباح نحن والفلسطينيون بعد أن يتم تنفيذ عمليات على طول الخطوط، وعليهم أن يعدوا قتلاهم، وفي كل صباح يجب أن يكون العشرات والمئات، هكذا قال..وكمية مثل هذه ستؤثر عليهم، وهو قال في هذه اللحظة نحن نتحدث عن وضع معكوس نحن نقوم في الصباح ونحن من نعد القتلى".

وبحسب ديسكين فإن التساؤل المركزي في ذلك الاجتماع كان يتمحور على جباية ثمن باهظ من الفلسطينين:"في نهاية الأمر كان التساؤل كيف نجبي ثمن الحد الأقصى ممن ينفذ الهجمات".

وتتطرق القناة إلى وقف إطلاق النار الذي أبرم قبيل اغتيال قائد شهداء الأقصى رائد الكرمي ويبرر عدد من المسؤولين الاسرائيليين، عملية الاغتيال بالادعاء أن الكرمي كان يستعد لتنفيذ هجمات، وقال مارك هرتسوغ السكرتير العسكري لـ شارون عن اغتيال الكرمي:"جهاز الشاباك عرض علينا معلومات تشير إلى أن رائد الكرمي يجهز أكثر من هجوم قد تخرج لحيز التنفيذ في أي لحظة،  لذلك كان من الواجب تصفيته وفي حال عدم اغتياله فان إسرائيليين سيموتون وانأ لا اذكر خلال الاجتماع معارضة لأي شخص، ولكن بالنظر إلى الخلف تظهر علامات تساؤل وشكوك هل كان ذلك الأمر صائباً؟".

 

ثم يعقب رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" يوفال ديسكين على  اغتيال الكرمي وإنهاء وقف إطلاق النار في تلك الفترة بالقول:"بالإمكان اليوم القول بأنه بالنظر إلى الخلف، لو لم يتم تصفية رائد الكرمي،  لربما كانت الانتفاضة قد توقفت في تلك الفترة، ولكن الويل لدولة إسرائيل، لو أن الانتفاضة الثانية انتهت في وضع تكون فيه دولة إسرائيل لم تهزم الإرهاب بشكل نهائي، الويل لدولة إسرائيل لو أن الانتفاضة الثانية انتهت في تلك النقطة بوقف إطلاق النار، بعد كل ما وقع في صفوفنا من قتلى ودون هزيمة الإرهاب".

 

 

حرره: 
م.م