"انتقام" إسرائيلي في بيت صفافا

 

بقلم: نير حسون

يدعي سكان بيت صفافا بأنهم منذ بدأوا الاحتجاج ضد الطريق الرئيس الذي يشق داخل قريتهم، تتعامل معهم الشرطة وغيرها من السلطات بيد من حديد. ويعتقد السكان بان السلطات جندت كي تمارس ضدهم الضغط لوقف المظاهرات، وأنهم يحاولون كسرهم بوسائل ما كانت لتستخدم في حي يهودي. القرية، التي يقع نصفها داخل الخط الاخضر، تعتبر الحي الفلسطيني الاكثر هدوءاً وانفتاحاً على اليهود في القدس. اما الطريق الذي شق فانه سيقطع الحي على مسافة أمتار من منازل السكان.

ويروي أصحاب محلات تجارية في القرية بأنه جرت مؤخرا اقتحامات متواترة لرجال ضريبة الدخل. "ثلاث وحدات ضريبة تجولت في القرية، برفقة أفراد الشرطة، جاءوا الينا في التاسعة مساء ولم يجدوا شيئا. قال احدهم لنا: سنواصل المجيء ونزعجكم في عملكم الى ان نرى متى ستوقفون المظاهرات"، روى عامل في بقالة في القرية، احمد عليان. ووصل الى القرية ايضا مراقبو بلدية القدس ووزعوا المخالفات، الثلاثاء الماضي.

اعتقل ثلاثة من سكان القرية الاسبوع الماضي. احدهم عبد الكريم لافي، ابن 55، رئيس لجنة أهالي القرية، اعتقل واخذ الى التحقيق في الساعة الثانية بعد منتصف الليل للاشتباه بانه شارك في تنظيم الاضراب في المدرسة احتجاجا على بناء الطريق. أما أفراد الشرطة الذين صادروا حواسيبه وهواتفه النقالة في منزله، فقد أطلقوا سراحه بعد 15 ساعة.

في الشرطة يسمون الاشتباه ضد لافي بانه "سلوك قد يخل بالسلامة العامة". "قلت للمحققين بانه حسب المدير العام لوزارة التعليم فانه مسموح تنظيم اضراب في المدرسة بسبب أمور تزعج التعليم. أضربنا بسبب شيء يؤثر على حياة التلاميذ، وليس فقط على تعليمهم"، يقول لافي.

قبل يومين من اعتقال لافي، اعتقل اثنان آخران من السكان وقضوا الليلة في المعتقل. وكان اعتقلهما افراد من الشرطة بلباس مدني (في شرطة القدس يدعون بان هؤلاء ليسوا مستعربين) تسللوا الى مظاهرة السكان بمشاركة النائب احمد طيبي. وتوجد روايات متضاربة حول من هاجم من في المظاهرة. فالسكان يدعون بانهم اعتقدوا بان أفراد الشرطة المتخفين هم عمال المقاول الذي ينفذ الاشغال في القرية ممن ارسلوا لتخريب المظاهرة. اما الشرطة فتدعي بالمقابل بان سكان القرية اعتدوا على أفراد الشرطة.

بيت صفافا، القرية الفلسطينية الهادئة في جنوب القدس، كانت دوما رمزا للتعايش الممكن بين اليهود والفلسطينيين. المخبز الذي في وسط القرية والمتاجر فيها هي مؤسسات مقدسية يعرفها جيدا كل علماني يبحث عن اماكن مفتوحة في ايام السبت. ولا تذكر اعمال اخلال بالنظام أو احداث عنف في القرية، وخلافا لاحياء اخرى في شرقي القدس، يكاد لا يكون تقريبا هناك بناء غير قانوني في القرية. الادارة الجماهيرية للقرية تقيم علاقات تعاون وثيقة مع البلدية. وخلافا لباقي سكان القدس الفلسطينيين، فبالنسبة لسكان بيت صفافا ليس أمرا مسلما به رؤية أفراد شرطة حرس الحدود والمستعربين في قلب القرية وفي الساعات المتأخرة من الليل. أعمال من هذا النوع كانت محفوظة حتى الان لاحياء فلسطينية اخرى في المدينة.

ويأتي طريق 50 الذي تجري الاشغال فيه بوتيرة سريعة، لربط المخرج الجنوبي للقدس بطريق بيغن الذي يقطع القدس. المستفيدون الاساسيون من الطريق سيكونون مستوطني غوش عتصيون. ويشير سكان القرية الى أن المقطع الذي يمر ببيت صفافا هو المقطع الوحيد الذي يقطع الحي الى شطرين، على مسافة أمتار قليلة من منازل السكان. في مقاطع اخرى من الطريق يمر بجوار (ولكن ليس داخل) احياء يهودية. ورغم ذلك فان المقطع الوحيد الذي بدأت فيه الاشغال، رغم أنه لم يجرِ له تخطيط مفصل في السنوات الاخيرة، هو المقطع الذي يمر ببيت صفافا. ولم تسمح هذه الحقيقة للسكان بالاعتراض أو على الاقل الحصول على تعويضات لقاء الاضرار التي لحقت بهم.

وفي الاسبوع الماضي ردت قاضية المحكمة المركزية في القدس، نافا بن أور، التماس السكان ضد شق الطريق. وقبلت القاضية موقف البلدية في أن المخطط العام للقرية الذي اقر في 1990 يكفي من أجل اصدار تراخيص البناء للطريق. وفي هذه الايام يعدّ محامي السكان، قيس ناصر، ومحامي الادارة الجماهيرية، مهند جبارة، استئنافا الى المحكمة العليا. ولكن قبل يوم من القرار في المركزية، اكتشف جبارة خطأ دراماتيكيا في ادعاءات بلدية القدس. فقد اكتشف جبارة بان ممثلي البلدية في المداولات أخفوا عن القاضية انه حتى حسب المخطط الاصلي، الذي استندت اليه البلدية في المحكمة، يجب اعداد مخطط تفصيلي قبل شق الطريق.

ويحاط النطاق بخط اسود ويتضمن ما لا يقل عن 500 متر من الطريق الذي يشق اليوم عبر الحي. ولكن القاضية بن أور ابلغت جبارة بان قرار المحكمة بات مكتوبا ورفضت الاطلاع على الطلب الذي رفعه.

وفي هذه الاثناء، رغم الرد المتصلب من جانب الشرطة، يواصل سكان بيت صفافا أعمال الاحتجاج ضد الطريق. فقد نظموا عددا من المظاهرات الكبرى، كلها مرخصة. وهنا أيضا يوجد للفيسبوك دور مهم، وخلافا لمظاهرات اخرى في شرقي القدس، فانها تتضمن تواجدا بارزا للنساء. ويقول علاء سلمان، ابن 39 من منظمي الاحتجاج: "انهم يريدون اخافة الناس كي لا يخرجوا الى المظاهرات. قالوا لنا خسرتم في المحكمة والان اجلسوا في بيوتكم. ولكنهم لم يفهموا بان بيت صفافا هي مثل الاسرائيليين، عندما تكون حرب فان الجميع يتحد، ونحن في حرب ضد الطريق".

أما في شرطة القدس فيدعون بان المظاهرات خرجت عن نطاق السيطرة وتضمنت رشقا للحجارة واعتداء على المارة في الطريق ومحاولة احراق آليات هندسية. وينفي سلمان بشدة فيقول: "حتى علم فلسطيني واحد لم نرفع في المظاهرة. فقد خانتنا الدولة. طعنتنا في الظهر. هكذا نشعر، الجمع يعرف بان بيت صفافا ليست سلوان، فلماذا يفعلون هذا بنا؟".

وجاء من بلدية القدس التعقيب التالي: "الادعاء بان البلدية ضللت المحكمة وعرضت عليها وثائق غير محدثة أو غير ذات صلة ليس صحيحا. فكل الاطراف عرضت مخططات ذات صلة بالطريق، وبعد أن فحصت الامور ردت المحكمة الالتماس وقررت بان البلدية عملت قانونيا. اما بالنسبة للاضراب في المدرسة فلا توجد اي صلة بين شق الطريق واضراب التلاميذ الذي يضر بالتعليم. البلدية ترفض رفضا باتا ادعاءات العقاب الجماعي وكل صلة بين اعمال فرض القانون التي تتم في كل احياء المدينة دون أي فارق وبين الاحتجاج، فان هذا لا أساس له من الصحة على الاطلاق. البلدية تفعل كل شيء من أجل السكان وهكذا تستمر. أما اعتقال رئيس لجنة الاهالي فقد سمعنا به بعد أن تم ولا صلة بين نشاط الشرطة ونشاط البلدية".

أما من شرطة القدس فجاء التعقيب التالي: "الشرطة ستسمح بالمظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية وفقا للقانون، ومع ذلك فان الشرطة ستمنع التنكيل بالاشغال على الطريق، والاعتداء ورشق الحجارة. في الشرطة نرفض رفضا باتا كل محاولة لتصوير أعمال الشرطة كعقاب جماعي. الشرطة تساعد البلدية في شق الطريق حسب قرار المحكمة وستعتقل كل شخص يعمل ضد القانون".

اما من سلطة الضرائب فلم يأتِ أي تعقيب.