ما الذي يحدث بين مرسي والجيش؟

بقلم: تسفي بارئيل

قبل بضعة أيام انتشرت في مصر شائعة تقول: إن الرئيس محمد مرسي يعتزم إقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان عبد الفتاح السيسي. فسارع مكتب مرسي إلى النفي، والناطقون بلسان الجيش هم أيضا يجتهدون لكبح جماح الشائعات التي بشكل طبيعي أنتجت تحليلات، تنبؤات وسيناريوهات، ولكن حقيقة أن مرسي لم يقل وزير دفاعه لا تتناقض والتوتر القائم في مصر بين المؤسسة العسكرية وبين حركة الإخوان المسلمين.

عندما نحى مرسي في آب الماضي رئيس المجلس العسكري الأعلى، الجنرال حسين طنطاوي وعين بدلا منه السيسي لم تثر مسيرات حزن في شوارع القاهرة. فالطنطاوي، رغم قراره الفهيم بدعم الانتفاضة الشعبية والثورة، كان لا يزال يعتبر في حينه جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك الذي يجب إسقاطه.

ولكن، طالما احتاج نشطاء الثورة إلى ظهر أمني ينقذهم من أيدي الشرطة ويمنع سفك الدماء، نال الجيش الحماية لمناصب الجنرالات بفضل دعمه للجماهير. عندما نحي طنطاوي سارع نشطاء الاحتجاج إلى المطالبة بتقديمه إلى المحاكمة على "الجرائم" التي ارتكبها في عهد مبارك. كما أن هذه كانت فرصة مرسي لان يضيف إلى نفسه صلاحيات كانت للمجلس العسكري الأعلى ولطنطاوي بصفته رئيس المجلس.

مع تعيين السيسي انتشرت بسرعة التقديرات بان الجيش المصري سيجتاز عملية أسلمة على نمط الإخوان المسلمين. ونبش المحللون في تصريحات السيسي كي يؤكدوا مخاوفهم. وحتى في إسرائيل كان هناك من تكبد عناء نشر الخطر الفظيع الذي سينشأ جراء التغيير الشخصي في الجيش المصري، الأمر الذي سيقطع تماما كل علاقة بين إسرائيل ومصر.

ولكن هذه التوقعات تبددت. فالتعاون العسكري متواصل بين إسرائيل وقيادة الجيش المصري وان لم يكن يشبه ذاك الذي كان في عهد مبارك، ولكن لا توجد قطيعة، العكس هو الصحيح. في كل ما يتعلق بمعالجة ما يجري في قطاع غزة وبالنسبة لمكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء يوجد تعاون بل وحتى وثيق. ما هو غير واضح على الإطلاق هو هل يتخذ الجيش المصري قرارات مستقلة، مثل المعركة التي يديرها لتصفية أنفاق التهريب بين مصر وقطاع غزة. وهل المفاوضات غير المباشرة التي تجري مع حماس في مسألة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وفتح المعابر، تجرى حصريا من قبل الجيش المصري أم أن مرسي يشارك في العملية؟

في مصر علم أن مرسي وبخ الجيش على غمره الأنفاق إلى القطاع بمياه المجاري. وحسب احد التحليلات فان هذه العملية هي التي دفعت مرسي إلى الرغبة في إقالة السيسي. ولكن المستشار الأمني للرئيس، عصام حداد، أوضح بان مصر لن تسمح بتهريب السلاح والرجال بشكل من شأنه أن يمس بالأمن المصري، ولكن حماس بعثت برسالة احتجاج إلى مرسي على أنه يمس بسكان قطاع غزة وضمنيا يساعد إسرائيل.

انشغال الجيش المصري في ما يجري في سيناء وسلوكه مع حماس لم يؤدِ إلى توتر بين قيادة الجيش ومرسي. ففي كانون الأول عندما وقعت في القاهرة مظاهرات كبرى ضد قرار مرسي أخذ الصلاحيات لنفسه وتسريع صياغة الدستور، بادر السيسي إلى لقاء مع قادة حركات المعارضة كي يبدأ بحوار وطني. ورأى مرسي في هذه الخطوة تدخلا لا يطاق في إدارة شؤون الدولة وطلب من السيسي عدم عقد اللقاء. فاستجاب السيسي ولكنه لم يصمت. في تصريح علني غير مسبوق حذر من أن استمرار الاضطرابات قد يؤدي إلى انهيار مصر. وكان هذا قولا مباشرا وفظا ضد قدرة مرسي على إدارة الأزمة.

في وقت لاحق، عندما بادر مرسي نفسه إلى حوار مع حركات المعارضة، اصطدم بمعارضة قادة جبهة الإنقاذ الوطني، كتلة المعارضة العلمانية التي يقودها عمرو موسى، محمد البرادعي وحمدين صباحي. ووافق هؤلاء على الانضمام إلى الحوار شريطة أن تكون قيادة الجيش حاضرة. ورأى مرسي في ذلك مسا خطيرا بمكانته بل ومحاولة لإقامة مرجعية بديلة من خلال الجيش. واحتدم الشك السائد بين مكتب الرئيس ومكتب وزير الدفاع عندما حذر بعض من قادة الإخوان المسلمين مرسي من أنه إذا لم يكبح تدخل الجيش فانه قد يجد نفسه في انقلاب عسكري.

يحتمل أنه في ظروف أخرى كان مرسي سيجد سببا لصرف السيسي وبعضا من القيادات العليا للجيش. ولكن في الوقت الذي تقترب فيه انتخابات البرلمان المصري، فان كل قرار غير متزن من شأنه أن يكلف الإخوان المسلمين ثمنا سياسيا باهظا. كل مس بالجيش سيمنح انجازات للمعارضة التي منذ الآن تبث الأنباء عن تسلل رجال الإخوان المسلمين إلى صفوف قوات الأمن. ويقول المنطق السياسي لمرسي إن عليه أن يمتنع عن هز الجيش، ولكن مرسي سبق أن اثبت بان المنطق السياسي ليس دوما هو الذي يوجد نصب عينيه