مـلامـح حـكـومــة نـتـنـيـاهــو

 

بقلم: ناحوم برنياع

احتاج كرادلة الكنيسة الكاثوليكية الى يوم واحد لانتخاب بابا، واستغرق الجهاز السياسي في اسرائيل شهراً ونصفاً لاختيار حكومة. فلا عجب من أن ذلك الاجراء في الفاتيكان في روما انتهى بالغناء والرقص، وانتهى في اسرائيل بحل مفروض. "ستكون عندنا أحلى حكومة"، أعلن نفتالي بينيت، الرجل المفتاح في الحكومة الجديدة. وقد فكر في الحمص حينما قال أحلى، بلا شك.

حينما ينتهي تفاوض، أي تفاوض، ينحصر التباحث الفوري في سؤال من ربح ومن خسر، ومن أعطى ومن أخذ. وحينما يدور الحديث عن انشاء حكومة لا يكاد يوجد لهذا السؤال معنى. فليست الكمية هي التي تقرر بل الماهية مثل أين يوجد مركز الثقل في الحكومة الجديدة، والى أين تسعى، وهل عناصرها مهيأة لشراكة طويلة، وهل هناك احتمال لتوحيدها حول رؤيا مشتركة وقواعد لعب متفق عليها وعلاقات ثقة وود متبادل؛ وهل هذا الطفل الذي ولد بالاغتصاب سيكون قادرا على تأدية عمله.

الجواب ليس سهلا. كان نتنياهو يفضل أن يؤسس ائتلافه على الحريديين، فالحزبان الحريديان لا يطمحان الى وراثته، بل اهتمامهما فئوي، فهما يُمكّنانه هو وكل رئيس وزراء من ان يعالج كما شاء برنامج العمل السياسي والامني، ويتدخلان في قرارات اقتصادية فقط حينما تمس رفاه ناخبيهما. وأراد ان يضم الى الحريديين حركة لفني وما بقي من "كديما" على افتراض ان هاتين القائمتين الحزبيتين أصغر من أن تُهدداه، وان يضم حزب العمل أيضا على غير اختيار. وحينما أدرك ان رفض حزب العمل نهائي حاول ان يشق الاحزاب، وكل ذلك للتوصل الى ائتلاف 61 نائبا.

لم يُرد بينيت ولم يُرد لبيد. فقد رأى كل واحد منهما، ورآهما معا بقدر أكبر، حصانا طرواديا سيُدمر حكومته من الداخل. ولم يُزل التفاوض الائتلافي هذا الخوف. فقد أراد نتنياهو ان يحافظ على الائتلاف الماضي بكل ثمن تقريبا. وكان طموحه المعلن عشية انشاء الائتلاف الجديد ان يُغيره في أسرع وقت ممكن. وهذا هو ما يعد به الحريديين وهذا هو ما يعد به نفسه. كانت المعركة على شغل حقيبة التربية جزءا من هذا التصور. وتحدثت الدعايات في الاعلام عن حب جدعون ساعر العميق للتربية وعن أحلام نتنياهو التربوية، وكان كل ذلك ستار دخان. فقد أراد نتنياهو حقيبة التربية لتكون غسالة لأنه لا توجد حقيبة أفضل منها تُنقل بوساطتها مئات ملايين الشواقل الى مؤسسات حريدية. ولم يخسر ساعر في المعركة بل نتنياهو والحريديون.

قام الحلف بين لبيد وبينيت بسبب رغبة نتنياهو في ابعادهما. وتأسس على افتراض ان نتنياهو قابل للضغط عليه وانه لن يقامرَ على مقعده: فاذا أقاموا في مواجهته جبهة مُكتلة وعنيدة فسينتهي الى الانكماش. يعرف بينيت نتنياهو ويعرف قدرته على الصمود من خلال عمله في ديوانه. وكذلك يعرف مبعوثه للتفاوض، إيال غباي، نتنياهو من الديوان. ويعرفه أوري شني، مستشار لبيد، من سنوات عمله تحت إمرة ارئيل شارون. وكان رهانهما رابحا. فقد تلوى نتنياهو وانكمش في نهاية الامر. لكن للتفاوض من هذا النوع ثمن. سيشغلان مناصب رفيعة في حكومة يحتقران رئيسها احتقارا ظاهرا. وفي حكومة من هذا النوع فان الشعور بالاضطهاد يزداد. ولا توجد سلطة واحدة يتطلع اليها. ويكون هذا على ما يرام ما بقي الجدل في مقدار هبة المدارس الدينية لكنه يصبح أكثر اشكالية حينما يكون الموضوع إيران أو "حزب الله". ويصبح الوضع إشكاليا بصورة مميزة حينما يكون المبتدئان قرب مائدة الحكومة يطمحان، كل واحد على حدة، إلى قيادتها بدلا منه.

يوجد ألد أعداء نتنياهو الآن في حزبه هو. فالذي يضطر الى ترك وظيفته المحترمة يخيب أمله ومن كان يأمل في الحصول على وظيفة ولم يحصل عليها يخيب أمله. وسيخرج الشعور بالمرارة الى الخارج في اللحظة التي يعلن فيها نتنياهو شغل المناصب. فكل من سيتضرر وكل من سيخيب أمله سيلقي الذنب كاملا على نتنياهو. وسيذكرون له علنا ما يهمسون به اليوم سرا: خطيئة الاتفاق مع ليبرمان؛ وكارثة الانتخابات؛ ودفع بينيت الى ذراعي لبيد؛ والثمن الذي دُفع في التفاوض.

يتحدث وزراء عن ولاية نتنياهو الثالثة على أنها ولايته الاخيرة. ويقولون انه يجب الاستعداد لليوم التالي. ويجب ان تُشكل قيادة جديدة لـ "الليكود" ويجب انعاش الصفوف؛ وتغيير السياسة الاقتصادية. ولم يعد نتنياهو يسيطر على قيادة حزبه.

ولم نقل شيئا حتى الآن عن المشكلات المشتركة لحكومة نتنياهو الجديدة وللدولة لأنه من اجل ذلك ينشئون حكومة. والمشكلات صعبة ومعقدة والحلول بعيدة. وسيحتاج نتنياهو الى أطنان من البوظة ليجعل السنوات القادمة في شارع بلفور حلوة.

حرره: 
م.م