زيارة أوباما ... مجرد مراسيم فارغة

 

بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي

ستكون رحلة براك اوباما الى اسرائيل، الاسبوع القادم، تاسع زيارة لرئيس اميركي على رأس عمله الى البلاد، فقد سبقه الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر وبيل كلينتون (اربع مرات) وجورج بوش الابن (مرتين).

اذا استثنينا زيارة كارتر التي مهدت الطريق للتوقيع على اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر، فقد تميزت سائر الزيارات الرئاسية بفرق بارز بين البعد المراسمي والبعد المضموني – الجوهري. وبرغم ان القدس تنفست للحظة هواء القمم ملتفة بالبريق الرئاسي، فقد كان الحديث يدور عن زينة جليلة واحتفالية اختفت فورا بعد أن أُطفئت أنوار المنصة وودعنا الضيف جليل الشأن. أو بعبارة اخرى ثبت، فيما يتعلق بأكثر هذه الوقائع الكليشيه المعروف وهو ان أهمية الزيارة كانت في مجرد وجودها، ثبت أنه صحيح وخاب توقع ان يعمل صولجان الرئيس كعصا سحرية وان يُحرز شق طريق سياسي بحركة واحدة.

والى ذلك وفيما يتعلق ببعض الزيارات، لم يكن يوجد ادعاء ما بأن يُدفع في اثنائها بخطة سياسية أو استراتيجية محددة، الى الأمام، وكان الحديث في تلك الحالات يدور عن برنامج عمل اميركي داخلي واضح (كمحاولة الرئيس نيكسون اليائسة ان يتحرر من القبضة الخانقة لفضيحة ووتر غيت باثباتٍ عظيم التأثير لانجازاته في ميدان الشرق الاوسط)، أو بتفضل تأييد اسرائيل (مثل زيارة الرئيس بوش الابن في أيار 2008 التي تمت على خلفية الاحتفالات بذكرى ميلاد الدولة الستين). وعلى كل حال، حتى لو كان في الخلف مخطط سياسي ما وحتى لو كانت تُقارنه محاولة التأثير في الرأي العام الاسرائيلي (أو اجراء حوار مع الجمهور الاسرائيلي من فوق رؤوس قادته)، فلم يكن للكثرة الغالبة من الزيارات تأثير مباشر وواضح وملموس في نسيج العلاقات بين واشنطن والقدس. وحقيقة ان برنامج العمل الرئاسي كان مكتظا ومزدحما ولم يترك وقتا لتفاوض حقيقي تقريبا، أسهمت هي ايضا في أن أصبحت تلك الزيارات في الأساس مراسم فارغة من المضمون الحقيقي.

إن هذه الصورة للجلالة الملكية من جهة، والنقائص الجوهرية من جهة اخرى، يتوقع ان تميز ايضا زيارة رئيس الولايات المتحدة الـ 44 القريبة. والى ذلك، وبعكس زيارات رئاسية سابقة كانت تطمح الى الدفع قدما بخطة سياسية موجودة (مثل اتفاقات واي التي كانت في مركز زيارة كلينتون الرابعة الى اسرائيل التي تمت في كانون الاول 1998، أو اطار أنابوليس الذي كان في خلفية زيارة الرئيس بوش الابن الاولى التي تمت في كانون الثاني 2008)، لا تقوم اليوم في برنامج العمل خطة سياسية محددة في المجال الاسرائيلي- الفلسطيني. وعلى ذلك فلا يدور الحديث عن جهد رئاسي لحث مسيرة محددة وتقديم التشجيع لها لأن المسيرة نفسها لم تُخلق بعد.

إن خلاصة رحلة اوباما الرئاسية يمكن ان تُجمع، اذاً، في مقولتين صريحتين أو ضمنيتين: الاولى ان حقيقة الزيارة يفترض ان تُثبت تصميم القوة العظمى على ألا تفصل نفسها نهائيا عن ميدان الشرق الاوسط باعتبار ذلك جزءاً من إجراء انطوائها داخل الوجود الاميركي. وبرغم الاقتطاع الكثيف المتوقع من ميزانية الدفاع، وبرغم ترتيبات الأولويات الجديدة التي سمتها الادارة، يريد اوباما أن يشير الى ان استمرار التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، ولا سيما ازاء الخطر الذري الايراني الذي يزداد قوة، لا يُشك فيه حتى بعد إتمام الانسحاب الاميركي من الساحة العراقية.

والثالثة ان الزيارة قد تعبر عن القلق الأميركي وتسرب "الربيع العربي" العاصف العنيف الى الصعيد الفلسطيني ايضا. ومن هذه الجهة وبرغم ان الحديث لا يدور حتى عن طرف خيط سياسي ما، يكمن في هذه الزيارة تعبير عن أمل ان يكون من الممكن –اثناء الاشهر القريبة – ادارة الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني (وإن لم تتم تسويته) على نحو يمنع تصعيداً خطيراً. لم يبق سوى ان ننتظر ونرى هل ستتلاشى الخطب الفصيحة البليغة سريعا في هاوية النسيان كما حدث في زيارات رئاسية سابقة من غير ان تترك أثرا ما على ساحة الشرق الاوسط.