حكومة جديدة تعمى عن الأمور المصيرية

 

بقلم: جدعون ليفي 

اليكم الثلاثة الذين سيقودون اسرائيل في السنوات القادمة: بنيامين نتنياهو ويئير لبيد ونفتالي بينيت – وهم التوائم الثلاثة. وهم جميعا من القرية نفسها: فهم أثرياء جدا واشكنازيون جدا ورجال جدا ومحدثون جدا – ومتظاهرون جدا. ولا يوجد شيء مشترك بينهم أكثر من التظاهر فهو جوهر وجودهم السياسي ومصدر نجاحهم. هذه هي حال جوقة متظاهري اسرائيل الموحدة التي ستقودنا الى السلام أو الحرب، والى الغنى أو الفقر، والى الصحة أو الداء، والى العدل أو الظلم – وقد أصبح هتاف المتفرجين الاسرائيليين هادرا.
حول المتظاهر بنيامين نتنياهو وهو الأكبر سنا وأعظم تجربة بين الثلاثة، حول نظرية التظاهر الى فنه. فكما لا يمكن ان يضبط من غير زينة لا يمكن ان يضبط وهو يقول الحقيقة ايضا. إن الدولتين وبار ايلان واصلاح الشرفات أو الاهتمام بالضعفاء – كل ذلك مساحيق وجه وتزجيج للحواجب والعيون. انه علماني إبن علمانيين يقدس التوراة باعتبارها سر وجود دولته؛ وهو ديمقراطي وليبرالي في ظاهر الامر يرى ان القانون الدولي معادٍ للسامية وان الديمقراطية خائنة؛ وهو وطني معلن، هاجر أكثر عائلته الى الخارج وكاد هو ايضا يفعل ذلك؛ وهو سياسي عصري يعمل في مجال واحد على الأقل كأنه المسيح المخلص.
لكن نتنياهو هو السياسة القديمة فخذوا اليكم الجديدة. إن المتظاهر لبيد الذي كان ينتمي في طفولته الى النخبة الاجتماعية وفي بلوغه الى النخبة الاقتصادية، هو زعيم الطبقة الوسطى التي لم يكن ينتمي اليها قط؛ وهو الجندي الجريء من "في المعسكر" الذي يرفع راية المساواة في عبء الخدمة العسكرية؛ وممثل العلمانية المستنيرة يعارض تقسيم القدس (لبواعث لا يمكن ان نصفها إلا بأنها دينية)؛ وهو المتحدث بلسان الاسرائيلية العصرية الذي لا يعنيه الاحتلال؛ وهو ممثل العلمانية والتنور الذي قرن مصيره السياسي بممثل التدين والقومية المظلمين.
ومثله المتظاهر بينيت. فهو زعيم حزب المستوطنين الذي يحقق حلم الاستيطان من رعنانا؛ وهو زعيم الحزب المتدين ذو القبعة الصغيرة وشريكه السياسي الأقرب علماني؛ وهو رجل هاي تيك لا يعرف كلمة احتلال؛ وهو ممثل الحداثة الذي يدعو في 2013 ايضا الى ضم المنطقة (ج) الى اسرائيل؛ وهو الداعي الى أخوة الاخوان ويقصي العرب ويتجاهل وجودهم وينكر حقوقهم مثل لبيد بالضبط.
إن ورق سلوفان مقعقعا يغطي هؤلاء الثلاثة وهو الذي منحهم نجاحهم. لا يشغلهم شيء سوى نجاحهم. وهذه واحدة من الخصائص المثيرة للكآبة للكنيست الـ 19 وهي انه لا يكاد يوجد فيها ناس يشغلهم سوى حياتهم المهنية. بل إن حب ارض اسرائيل وهو الاسم المغسول للشعور القومي، لم يعد متقدا في السياسة الجديدة كما كان في الماضي.
كم يناسب هؤلاء المتظاهرين ان تكون استطلاعات الرأي شمعا يهدي خطاهم والاشتغال بالصغائر أكثر ما يهمهم. إيتوهم بمزيد من استطلاعات الرأي الجيدة وصور الانتصار المثيرة للتشجيع ولتذهب المواقف الحقيقية والشجاعة الى الجحيم وهي تلك التي قد تجبي ثمنا. إن حكومة بلا حريديين وبلا وزراء بلا حقائب وزارية وبلا مائدة اخرى في الكنيست – هي صورة نصر وهي المشهد العام. هل يتجه لبيد الى وزارة الخارجية؟ قد يجر هذا انتقادا. هل "مساواة في العبء"؟ انها صورة نصر اخرى. أنظروا كيف تم التفاوض الائتلافي الطويل وفي ماذا. في التفاهات الصغيرة التي تثير تشجيع الجمهور فقط. هل يعلم أحد ما الذي ستفعله الحكومة الجديدة في المجالات المصيرية كالسلام والحرب وايران والميزانية العامة والتربية والصحة؟ لا شيء. تكفي صورة نصر مع عشرين وزيرا.
والجمهور يغني والجمهور يرقص. أصبح عندنا في نهاية الأمر حكومة بلا حريديين وأصبح عندنا في نهاية الأمر برنامج عمل "مدني". إن شارع سكولوف في رماته شارون (وأشباهه) في ابتهاج مميز لأننا نجحنا في اخراج الاوساط المضايقة خارج الاطار. فهذه حكومة لا يوجد فيها (تقريبا) شرقيون، ولا يوجد فيها (تقريبا) نساء، ولا حريديون ولا عرب – وليس مصير الفلسطينيون والافارقة ايضا على مائدتها. هكذا هو حفل الاشكنازيين الشبعانين المتنعمين الذين ينتظرون "اصلاحات" لبيد قرب برميل بارود سيكفي عقب سيجارة واحدة لاشعاله.