كل تنازل يُقرب ايران من القنبلة الذرية

 

بقلم: دوري غولد 

إن التقارير الصحفية التي جاءت من جولة المحادثات الاخيرة بين الغرب الذي تمثله الدول الخمس + 1 وبين ايران والذي تم في كازاخستان، كانت ايجابية على نحو يثير التساؤل. وأعلن عنوان تقرير في هذا الشأن نشر في صحيفة "واشنطن بوست" في 27 شباط ان "المحادثات الذرية مع ايران انتهت بنغمة ايجابية". وقال سعيد جليلي رئيس فريق التفاوض الايراني للمراسلين انه قد يتوصل الطرفان الى "نقطة تحول" في المحادثات بينهما. لكن هل كان يوجد تسويغ لكل هذا التفاؤل؟.

بيّن جليلي الذي حاول بلا شك ان يعرض نفسه على انه مفاوض متشدد يدافع عن المصالح الايرانية، ان تفاؤله ينبع من ان الولايات المتحدة تجري الآن تنازلات لم تكن توافق على القيام بها في الماضي: "... هم الذين اقتربوا أكثر من وجهة نظرنا". ووجدت بضع دلائل شهدت على ذلك. فقد اعتقدت مقالة أسرة التحرير في صحيفة "وول ستريت جورنال" ان السلوك الايراني حول طاولة التفاوض تأثر بقرار واشنطن على مضاءلة عدد حاملات الطائرات في الخليج الفارسي من 2 الى 1 وهذا تغيير أضعف قدرة الغرب على المساومة.

بل تبنت صحيفة "واشنطن بوست" نهجا انتقاديا مضادا لادارة اوباما في مقالة التحرير الرئيسة في الصحيفة والتي نشرت في 28 كانون الثاني وسألت فيها على نحو متحدٍ هل الولايات المتحدة "تستكين لايران"؟ وذكرت المقالة انه في اثناء التفاوض السابق الذي تم في بغداد في أيار 2012 طلبت حلقة دول الخمس + 1 من ايران ان تغلق تماما منشأة تخصيب اليورانيوم تحت الارض في فوردو. وأصرت القوى الغربية ايضا على ان تُخرج ايران كل مخزونات اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المائة في حوزتها الى خارج الدولة. ومع ذلك اكتفت الخمس + 1 في المحادثات الحالية في كازاخستان بتعليق عمل المنشأة في فوردو فقط من غير ان تُغلق المنشأة. وتستطيع ايران بحسب المقترحات الجديدة ان تحفظ لديها جزءا من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المائة. ونقول من اجل العدل ان الاقتراح الجديد عبر عن موقف موحد لحلقة الخمس + 1 لا عن الموقف الأميركي فقط.

يبدو ان الايرانيين يريدون تليين مواقف اعضاء اخرى في حلقة الخمس + 1 لاستعمال ضغط على واشنطن لتقوم بتنازلات اخرى لطهران. ويلاحظ ان المسؤولة عن الشؤون الخارجية من جهة الاتحاد الاوروبي، كاثرين آشتون، التي هي المفاوضة الرئيسة من قبل الخمس + 1 لا تستعمل لغة تشبه لغة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي يقول ان وقت الحل الدبلوماسي أخذ ينفد. ورفضت في مؤتمر ميونيخ للامن الذي عُقد في مطلع شباط ان تتبنى هذا الموقف من الايرانيين. ويبدو أنها تعبر عن رأي اوروبي رائج يقول ان التفاوض مع ايران يجب ان يستمر بكل ثمن وإن بدا انه لا يفضي الى أية نتائج حقيقية.

ففي الجنوب يوجد المتمردون الشيعة في اليمن؛ في شهر كانون الثاني 2013 تم وقف سفينة سلاح ثالثة حملت صواريخ ايرانية مضادة للطائرات وصواريخ كاتيوشا قبل ان تستطيع نقل شحنتها الى المتمردين هناك. وفي الشمال يوجد رئيس حكومة العراق نوري المالكي الذي ترى السعودية أنه لا يقل عن كونه عميلا ايرانيا.

بيّن حسين مسبيان الذي كان عضوا في فريق التفاوض الذري من الايرانيين من 2003 ? 2005، بيّن استراتيجية تفاوض طهران في اثناء محادثات تمت في حينه مع البريطانيين والفرنسيين والالمان. وحينما تحدث في القناة الثانية في التلفاز الايراني اعترف بصدق قائلا: "بفضل التفاوض مع اوروبا كسبنا سنة اخرى، أنهينا فيها بناء منشأة تحويل اليورانيوم في اصفهان".

فرض خبراء كثيرون بالشأن الذري الايراني الى اليوم ان طهران ستتبنى استراتيجية كوريا الشمالية التي تسمى "الاندفاع قدما"، وأنها ترفض رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعمل على ان تُتم سريعا تخصيب اليورانيوم لدرجة عسكرية. اذا كانت هذه خطة ايران فان نقطة البدء باليورانيوم بدرجة 20 في المائة تُقصر الوقت الى الدرجة العسكرية بمقدار النصف. وهذا هو الذي جعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحدد الخط الاحمر الاسرائيلي متعلقا بكمية اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المائة وهي كمية تتيح انتاج قنبلة واحدة فقط (نحو من 225 كغم).

بدأت ايران في رد على الخط الاحمر الذي رسمته اسرائيل وفي مقابل الاستمرار في التخصيب بدرجة 20 في المائة، تحول جزءا من اليورانيوم المخصب بهذه الدرجة الى اهداف اخرى ليست عسكرية. وأفضت هذه الخطوة الى ان أصبح لديها اليوم 167 كغم فقط بدل 280 كغم يورانيوم مخصب. وهذا الشيء منعها في واقع الامر من اجتياز الخط الاحمر في الخريف الاخير.

يبدو ان ايران تتبنى بدل ذلك استراتيجية جديدة وهي الزيادة الكثيفة للبنى التحتية لتخصيب اليورانيوم بزيادة عدد آلات الطرد المركزي على منشأة نتنز بعدد لم يسبق له مثيل. والى ذلك اعلنت ايران بعد انتهاء المحادثات في كازاخستان انها تبنى 3 آلاف آلة طرد مركزي من نوع أكثر تقدما وسرعة على نحو قوي. وهكذا اذا استقر رأي ايران على استراتيجية الانطلاق الذري قدما فسيشتمل ذلك على استخلاص اليورانيوم المخصب الذي سيكون كافيا لأكثر من قنبلة واحدة.

ان مصلحة ايران في هذه النقطة ان تدق إسفينا بين الولايات المتحدة والاوروبيين للحصول على تنازلات اخرى من حلقة الخمس + 1. لكن نظرة لايران من الشرق الاوسط تدل على ان كل تنازل من الغرب سيزيد فقط في سلوك ايران العدواني