ليس لهذه الحكومة تطلع نتنياهو

بقلم: يوسي فيرتر

 

عقدت حكومة إسرائيل الـ 32 صباح يوم الأحد الفائت في القدس اجتماعها النهائي والأخير. من كان يصدق أنها عاشت أربع سنوات كاملة. جدول أعمالها تحدد سلفا. لا شيء عاصفا: مداولات حول يوم المرأة العالمي، استعراض من وزير الأمن الداخلي لنشاطات وزارته في الولاية العابرة، تسوية مكانة كبار المنشقين عن الخدمة العامة في عام التجميد. جدول أعمال تافه، كما يمكن لصحافية ساخرة أن تقول وهي ترمش بعينيها.

لقد قرر رئيس الحكومة، نتنياهو، بنوبة عفوية، أنه فضلا عن اسحق أهرونوفيتش من الأمن الداخلي، كل الوزراء الحضور سيجملون باختصار نشاطات وزارتهم. حينها بعد أن فصل الوزراء إنجازاتهم بيّن نتنياهو إنجازات حكومته العالمية. بل انه ذهب بعيدا وأشار إلى أنه لم يسبق في بلادنا أن تولت حكومة يمكنها التفاخر بهذا القدر من الإنجازات. في ختام حملة التفاخر بدأ نتنياهو في امتداح نشاطات الوزراء الغائبين وبينهم ممثلو شاس ويهدوت هتوراه الذين قاطعوا الاجتماع غاضبين، ووزير البيئة السابق، من الليكود، جلعاد أردان الذي تعذر عليه الحضور. لكن ربما سيغضب أردان لأن حقيبة العدل التي كان موعودا بها ذهبت لتسيبي ليفني وحاليا لا أحد يعلم ما تخفيه له الأقدار.

وعندما أنهى نتنياهو حملة المديح للغائبين والحاضرين شرع بالثناء على إخلاص ودأب موظفي ديوان رئيس الحكومة، رغم أنه لن ينفصل عنهم، كما هو معروف. والوزراء المنهكون نظروا إليه غير عابئين. فقد توصل عدد منهم إلى استنتاج بأن نتنياهو يستند إلى الحكومة المنصرفة ويتعذر عليه وداعها لأنه يعلم بأنه في الحكومة المقبلة، حكومته الثالثة، لن يشعر بالراحة.

وفعلا، ليس لهذه الحكومة تطلع من شكلها. لقد فعل جهد استطاعته للتهرب منها، كما لو أنها منطقة منكوبة. وليس هؤلاء من أمل بشراكتهم. لقد قام بالتفافات في الهواء آملا إبقاءهم خارج الائتلاف، وهم لقنوه دروسا.

ويجسد يائير لبيد ونفتالي بينت عنده كل الأخطار: هما شابان معاصران ويتمتعان بشعبية. وهو من الحرس القديم. هو من الماضي. هما سيبقيان في اللعبة بعد أن يطرد منها إلى بيته. وهما يرمزان لذلك الشيء المتملص وغير الواضح الذي تسميه الصحافة بالسياسة الجديدة. وهو غارز عميقا في تركيبة من العالم القديم للحريديم والشركاء الطبيعيين والمرشد الروحي وقضمة هنا وأخرى هناك ، يشك على طريقته بكل ما يتحرك ويتمسك يائسا بليبرمان.

وهؤلاء استحال عليه شراؤهم بالطريقة المثلى ـ المال، علاوات الأولاد، هبات للمدارس الدينية. في الشهور القريبة سيضطر للتكيف مع لغتهم، وليسوا هم مع لغته. كما أن قدرته العجيبة على التلاعب بشركائه والتفريق بينهم لن تنجح في ائتلاف الـ 86 عضو كنيست، وهو ائتلاف يطفح بالتناقضات الداخلية ومليء بالذاتيات الكبيرة والطموحات العارية. وكل واحد منهم ـ لبيد مع 19 مقعدا وبينت مع 12 مقعدا ـ قادر على إسقاطه. وليبرمان أيضا مع 11 مقعدا. هذا تجسيد الكابوس الذي قض مضجع الملك بيبي في الأسابيع السبعة التي مرت منذ الانتخابات ـ أن يجد نفسه معلقا بزوج الزعماء هذا من جهة وبليبرمان المشبوه الدائم من الجهة الأخرى. ببساطة الأمر فظيع. كابوس. لكن ثمة ما هو أشد فظاعة: ألا تكون رئيسا للحكومة وزوجة رئيس الحكومة.

 

عميقا في المجاري

 

ظهيرة يوم الثلاثاء الفائت جلس نفتالي بينت مع مستشاريه في بيته في رعنانا. كان يائسا. كل شيء بدا غارزا. نتنياهو لا يعطي إشارات باستعداده للتنازل عن حقيبة التعليم. وبالمقابل، يصر لبيد على التعليم والداخلية وعلى لجنة المالية. ولهذا الشاب عينان كبيرتان. ظن أن كل ما يريد سيتحقق. كما في الأساطير. خيار الـ 55، وهو حكومة ليكود مع الحريديم تنشأ في اللحظة الأخيرة وتضع بينت وحزبه في وضع مستحيل، بدا احتمالا معقولا.

والضغوط التي مورست على بينت في ذلك اليوم كانت كبيرة. كل الصهيونية الدينية هجمت عليه مطالبة بالانفصال عن لبيد، والحصول من نتنياهو على وزارة المالية التي لم يسبق لمتدين وطني أن نالها، ويحصل كذلك على حقيبة تنفيذية أخرى لحزبه، ويمنع الشرخ والانفصال التاريخي مع الحريديم وينضم لحكومة الشركاء الطبيعيين زائد ليفني.

فمن الذي لم يتصل؟ الحاخام أليكيم ليفانون من المجلس الإقليمي السامرة، رؤساء مدرسة هار هامور الدينية، الحاخام شموئيل إلياهو من صفد، أسلافه في زعامة الحزب، زفولون أورليف ودانييل هارشكوفيتس، ورجال مجلس المستوطنات، وداني ديان الذي ترأس المجلس وبنحاس فاليرشتاين، والمزيد المزيد. قطيع وراء قطيع جاءوا إليه.

وصك بينت أسنانه وعض شفتيه. صحيح، أنه أعطى كلمة. وهو لن يتراجع. هذا معلوم. ولكن كيف سيفسر ذلك لجمهوره وناخبيه ممن لا يعرفون أنفسهم من شدة سعادتهم لإنجازهم التاريخي، كيف سيوافق على ترك ذلك والذهاب للمعارضة، أو جر الدولة إلى انتخابات معادة، بسبب الخلاف حول من يكون وزيرا للتعليم، الحاخام شاي بيرون من هناك مستقبل أم جدعون ساعر من الليكود. والأدهى أن بينت يرى أن ساعر كان وزيرا جيدا. هل لهذا يفجرون حكومة؟

وحينها اتصل به لبيد. وللمرة الأولى يجريان حديثا مكثفا، حول أهمية حقيبة التعليم بالنسبة لهناك مستقبل. أوضح لبيد لأخيه، لحليفه، مدى أهمية حقيبة التعليم التي كانت في جوهر حملته الانتخابية. وكم هامة وزارة التعليم في تحقيق رغبته في قيادة الدولة، لجهة القيم ومساواة الأعباء. واقتنع بينت. فتح هاتفه واتصل بأحدهم في الليكود مبلغا إياه تأييده مطلب لبيد. بعد ذلك عاد للتشاور مع رجاله. ما العمل إذاً.

في هذه الأثناء، في الثانية بعد الظهر، خرجت عدة مواقع إخبارية بخبر أن الليكود وجه إنذارا للبيد: تراجع بسرعة وإلا فسنذهب مع الحريديم. بينت هاج غضبا. وكتب على صفحته على الفيسبوك موبخا الليكود على هذا الأسلوب غير المحترم. لكن تعزز لديه القرار. شعر كما لو أنه المسؤول عن إزالة الانسداد، حتى لو اضطر لإدخال يده في المجاري، حتى الكتف. وضم إليه مندوبه إلى المفاوضات، شالوم شلومو، ودخلا السيارة معا متجهين إلى بيت لبيد.

بضع جمل عن شالوم شلومو الغامض: طوال 5 سنوات خدم كمستشار سياسي لنتنياهو. في سنوات المعارضة وأيضا خدم عامين كرئيس للحكومة. وعندما كان بينت رئيس طاقم نتنياهو، تصادقا وبقيا كذلك حتى الآن. ويعتبر أحد الفاعلين السياسيين اللامعين والناجعين، حتى وهو يعمل في تجارته الخاصة. وشلومو قدم المشورة لبينت منذ بداية طريقه في السياسة، دوما من خلف الكواليس. وفي مرحلة المفاوضات صار صعبا إخفاؤه. فأرسل إلى الجبهة، إلى جانب هيليل كوبرينسكي واوري شني من هناك مستقبل. وبدرجة كبيرة كان هو من صاغ هذه الحكومة. ويصفه بينت بأنه مهندس الحكومة وأحد الأدمغة الأكثر حكمة. ويمكن تخيل ما دار بذهن نتنياهو عندما رأى شالوم شلومو يدخل أول مرة إلى ديوان رئيس الحكومة، كمستشار لبينت. بعد ذلك تعود. مثير للاهتمام ما خطر ببال رئيس الحكومة عن كيف تركه هذان الرجلان الناجحان جدا، كل واحد في مجاله، وذهبا يرعيان في حقول غريبة والآن عادا ليجدهما في الجانب الآخر من الطاولة بدلا من أن يكونا بجانبه.

وعودة لأحداث يوم الثلاثاء: بينت وشلومو وصلا لبيت لبيد مع حل وسط: حقيبة التعليم لهناك مستقبل، حقيبة الداخلية لليكود، لجنة المالية للبيت اليهودي. لبيد وافق. بينت توجه لبيت نتنياهو. هذا وافق أيضا. لكنه نسي الاتصال بوزير التعليم وإبلاغه. ساعر علم بالتنازل من وسائل الإعلام.

 

عون لصديق

قال بينت لمقربيه بعد حل الأزمة وتشكيل الائتلاف: «لم أكن لأنكث بكلمتي للبيد. ولو أنني آمنت بأن الليكود لا يتصرف بنزاهة ولبيد يتصرف بنزاهة، لصوتت أيضا ضد حكومة الـ 55. لقد تصرفت وفق مبدأين: الأول، كلمتي كلمة. والثانية التصرف بمنطق وعقلانية. وأنا لن أنكث أبدا بوعد لصديق مثل يائير لبيد، من دون أن يعني ذلك شيكا مفتوحا لارتكاب حماقات».

وبينت يقدر عاليا موافقة لبيد على أخذ حقيبة المالية. وهو ينوي قلب العالم من أجل مساعدته في إنجاز مهمته. وسيترأس وزارة اقتصادية مترابطة مع وزارة المالية وسيكون التنسيق بينهما مطلقا، وليس كما كان بين شتاينتس وسمحون. ولجنة المالية التي سيرأسها أحد رجاله، ليس انها لن تكون عقبة أمام وزير المالية المكلف في تجسيد سياسته، بل ستغدو الناطقة بلسانه، والمدفعية الأنجع تحت تصرفه. وليست فقط اللجنة: بينت أصدر تعليماته لكل أعضاء كتلته الأحد عشر، في كل منصب يحتلونه، في الحكومة والكنيست، بمساعدة لبيد. وهذه رسالة موجهة لنتنياهو أيضا: إذا كانت لديك نية لعرقلة مشاريع لبيد، أو التآمر عليه ووضعه أمام وقائع قائمة، عليك أن تعرف أنك ستصطدم بسور واحد من 31 نائبا.

ويقول بينت عن نفسه انه ليس زعيم حزب المستوطنين، وأن البيت اليهودي لبس حزب المستوطنين. هذا حزب عموم إسرائيل.

فبينت جاء ليعمل، وليس ليفجر. وإذا بدأت مفاوضات سياسية، فإنه لن يحرك ساكنا. وإذا أخليت مواقع استيطانية بقرار محكمة فإنه لن يثير ضجة. لكن إذا تقرر تجميد البناء في المستوطنات، فإن هذه أوبرا مختلفة. وفي أحاديث مغلقة يقدر بينت أنه لن يكون هناك تجميد آخر، بعد أن فشل التجميد الأخير في اثبات نفسه. وبحسب أقواله، ليس البيت اليهودي وحده من يعارض منح هدايا مجانية للفلسطينيين مقابل المفاوضات. فهناك مستقبل بقيادة لبيد تعارض أيضا.

في الأسبوع الفائت طرأ أيضا أمر رائع: العلاقات بين نتنياهو وبينت عولجت تماما. وبعد محيط الدم الذي فصل بينهما، أعيد بناء الثقة من جديد. وفي الأيام الثلاثة الأخيرة عقدا حوالي عشرين لقاء. بينت دخل وخرج ديوان رئيس الحكومة من دون حساب. وعندما تدهورت الأمور وضع نتنياهو بأيدي بينت مفتاح تشكيل الحكومة. بينت طلب فقط شيئا واحدا، الأصح ثلاثة: المعقولية، الجوهرية والمنطق. في المقابل وعد رئيسه السابق، بجلب لبيد لك.

يوم الاثنين سوف تؤدي الحكومة اليمين في الكنيست. عيون كثيرة ستراقب: هل سيحدث عناق؟ إلى أي حد ستكون المصافحة حارة؟ ماذا ستقول لغة الجسد؟ والكاميرات ستتركز على السيدة نتنياهو، على كرسيها في شرفة الضيوف. هل قلنا أوبرا؟ إنها فقاعة.

 

معسكر فارغ

كتب الكثير عن تحالف لبيد ـ بينت ويبدو لي أن كل كلمة أخرى تغدو نافلة. ورغم ذلك، عدا الصداقة الشخصية الشجاعة بينهما، وهي صداقة حطمت مسلمات وأثبتت نفسها تحت النار، نحن شهود على تطور استراتيجي يمكن أن تكون له آثار بعيدة المدى على كل ما يتصل بعلاقات الليكودى - المستوطنين.

فهذا التحالف يضع علامة استفهام على مفاهيم سياسية انتخابية أساسية تربينا عليها منذ الانقلاب الأول العام 1977، مثل معسكر اليمين والمعسكر القومي. فأي معسكر يمين وأي حذاء قومي. بعد ما جرى هنا في الأسابيع الستة الأخيرة، المفاهيم هذه يمكنها أن ترمى بعد تكريم في مزبلة التاريخ.

وفي استطلاعات الرأي التي ستجري أثناء الولاية المقبلة لن تكون جدوى من إجراء الربط الأساسي، الشرطي، الذي كان نصيب كل معلق وباحث: الليكود زائدا إسرائيل بيتنا زائدا البيت اليهودي - الاتحاد القومي زائدا الحريديم، تساوي معسكر اليمين، ولديه أغلبية شبه ثابتة في الكنيست.

إن ارتباط بينت ولبيد خرب تماما ما كان يسمى معسكر اليمين بطرده 18 نائبا حريديا عن الائتلاف وبذلك خلق سورا من العداء بين حزب المستوطنين والليكود. الحريديم سيذهبون من الآن يدا بيد مع اليسار وضد المستوطنين. وهم سيتذكرون هذه الصفعة لسنوات قادمة.

في الليكود الوضع أكثر تعقيدا: منذ الانتخابات، يعيش نتنياهو بإحساس أن المستوطنين تخلوا عنه وأداروا له ظهرهم بعد أن جلس لمصلحتهم على الجدار في معظم ولايته ورغم واقع أنه بنى لهم كالمجنون في الضفة. بالمقابل هم صوتوا للبيت اليهودي الذي ذهب زعيمه وأبرم ذلك التحالف مع لبيد. ولا عجب في أن الاتفاق الائتلافي الأول الذي وقعه الليكود، كان مع تسيبي ليفني من الحركة. ونظرا لشعوره بالمهانة الهائلة وجد نتنياهو لغة مشتركة حتى مع ليفني الخصم اللدود والحمامة السياسية التي تعهد بإبعادها عن أي تماس مع المفاوضات مع الفلسطينيين.

إن تشكيل حكومة نتنياهو - لبيد - بينت يمكن أن يرمز لبداية نهاية حكم المستوطنين، سادة الأرض، في دولة إسرائيل. وصحيح أن الجمهور الديني - الاستيطاني ممثل في الحكومة بقوة استثنائية، بفضل بينت، لكن السياسة الجديدة هي التي ستحدد من الآن قواعد اللعبة وليس عالم المصطلحات القديم لليمين واليسار، وسيكون صعبا على المستوطنين تجنيد القوات التي كانت حتى الآن تحرك جبالا من أجلهم. وعندما يعلن نفتالي بينت أنه أولا وقبل كل شيء اجتماعي - اقتصادي، وحينما لا يشعر نتنياهو بالتزام تجاه الرفاق في يهودا والسامرة، وحينما يكون التحالف بين الأشكناز من رمات أفيف ورعنانا صلبا كالخرسانة، فمن الذي سيقف متأهبا عندما يعوي الذئب زمبيش أو غرشون مسيكوت؟