الحياة تدبّ في المبادرة العربية ... مجدداً

بقلم: اليكس فيشمان
حين دخل وزير الدفاع الجديد، موشيه بوغي (يعلون)، مكتبه، أول من أمس، انتظره على الطاولة ملفان للعناية الفورية: الاول معقد والثاني مستحيل. المستحيل يُعنى بمسألة ميزانية الدفاع. المعقد هو زيارة أوباما.
في الفصل الفلسطيني من الملف أطل أمام ناظر يعلون عائق يُعد بالنسبة لوزير الدفاع الجديد "على جثتي": المبادرة العربية (السعودية)، تلك التي عرفناها، العام 2002، تجتاز عملية شد وجه. وهي تهدد (أو تعِد، وهذا منوط بعيني الناظر) بالعودة إلى هنا. ليس من الباب الخلفي عبر الأوروبيين أو الجامعة العربية – بل من الباب الأمامي. فهي تصل هنا مع الرئيس اوباما، أو للدقة، في جعبة وزير الخارجية المتحمس، جون كيري.

ضوء أخضر لكيري
ومع أن الادارة الاميركية تحاول تخفيض مستوى التوقعات في كل ما يتعلق باستئناف المفاوضات، إلا أن زيارة اوباما ترمز بالذات الى العكس، وتجلب تحت جناحيها خطة أولية مُحدّثة على أساس مبادرة الجامعة العربية.
من المحظور الوقوع في الخطأ: الرئيس الأميركي يبقى متشائماً بالنسبة لخيار اختراق دراماتيكي في الملعب الاسرائيلي – الفلسطيني في السنتين القادمتين. ولكن وزير الخارجية الجديد نجح في اقناعه باعطاء هذا فرصة. الزمن ضيق، قال كيري لأوباما، والحوار الاسرائيلي – الفلسطيني سيُحسن مكانة الولايات المتحدة في العالم الاسلامي ويفتح الطريق لاتخاذ قرارات في المسألة الايرانية وفي المسألة السورية على حد سواء. اقتنع الرئيس وأعطى الوزير المفعم بالحوافز ضوءاً أخضر.
وهكذا سيتم الأمر: يهبط الرئيس الأميركي هنا بصفته "مُليّن". فهو سيتحدث عن الامكانيات الرائعة الكامنة في المسيرة السلمية لكل شعوب المنطقة، فيما سيضع جون كيري الخطة على الطاولة. وكان كيري هبط، أول من أمس، في البلاد كي يمهّد لزيارة الرئيس. في منتهى السبت، حين سيرفع الرئيس المرساة ويعود الى الديار، سيعود كيري إلى هنا، مرة اخرى، كي يواصل تسويق الخطة. فقد أعطاه اوباما تفويضاً باقناع الأوروبيين، دول المنطقة، والشريكين – الإسرائيليين والفلسطينيين – للدخول إلى المسيرة والبدء بتحقيقها. إذا ما وعندما يحصل هذا، سيضيف أوباما توقيعه الاعتباري على المسيرة ويجعلها "مبادرة رئاسية". الزمن زمنه.

إعلان نوايا
قبل بضعة أسابيع انطلق كيري على الدرب، وبدأ يتحدث عن المبادرة مع ممثلي الطرفين، الذين وصلوا واشنطن في اطار الاعداد لزيارة الرئيس إلى إسرائيل. لكيري أكثر من نصف سنة بقليل ليعرق في سبيل إحياء المبادرة العربية. واذا كان هذا منوطاً بيعلون، فخسارة على الوقت. 
مبادرة الملك السعودي، العام 2002، ليست خطة مغلقة وجاهزة، بل هي أكثر من ذلك تصريح نوايا: كيف يمكن الوصول الى سلام شامل في رزمة واحدة. في السطر الاخير تقول هذه المبادرة لاسرائيل: سلموا بالمطالب الاقليمية للسوريين وللفلسطينيين وللبنانيين وستكون لكم علاقات معنا جميعاً. ليس فقط مع دول الجامعة العربية بل مع كل الدول الاسلامية: 57 دولة، إلا ايران. هذه الصيغة تشجع الدخول الى المفاوضات في مواضيع مثل العودة الى خطوط 67، ايجاد حل للاجئين على أساس قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة 194، مكانة القدس القديمة كعاصمة الدولة الفلسطينية، ومسائل اخرى. وبالمقابل تتعهد كل الدول الاسلامية والدول العربية بالاعتراف بإسرائيل. 
مرونة الفلسطينيين 
هذه المبادرة ليست إملاءً. عندما عرضها الملك السعودي في حينه تحدث عن أن كل شيء مفتوح للمفاوضات. وفي الاسابيع الاخيرة ايضا، عندما بدأ كيري يسوق المبادرة، عاد وأعلن بأن الخطة ستجتاز تكييفات في ضوء التطورات في العالم العربي وعلى خلفية الواقع المتغير في "المناطق". وأوضح الوزير للفلسطينيين انه خلافا للوثيقة الاصلية، التي تحدثت عن حدود 67 كأساس للمفاوضات، سيتعين عليهم ان يقبلوا مثلا مبدأ تبادل الاراضي – بمعنى، الاعتراف بالكتل الاستيطانية، وستكون ثمة حاجة الى البحث أيضا في حلول بديلة لمسألة اللاجئين، وفي موضوع السيادة في القدس القديمة وفي مسائل عديدة أخرى.
وتشير مصادر في وزارة الخارجية الأميركية إلى أن نتنياهو أيضا لا يستبعد تماما بعض أجزاء الصيغة. وبزعمهم أعرب على مسمعهم غير مرة عن رغبته في الوصول الى تفاهم مع السعودية ومع دول الخليج كعنصر في الترتيبات الأمنية الإقليمية لإسرائيل. وحسب الفهم الامني لنتنياهو، فان دول الخليج هي الدائرة الثالثة في حزام أمان اسرائيل حيال إيران. وعليه، على الاقل حسب الأميركيين، حين يدور الحديث عن المبادرة السعودية فان نتنياهو مرن أكثر من وزير دفاعه. 

تنقيط العطايا
مبادرة الجامعة العربية المتجددة تجد سلطة فلسطينية ضعيفة أكثر مما كانت في الماضي، وبحاجة الى دعم كامل من العالم العربي على كل خطوة وشبر. وفي الأسبوع الماضي زار جون كيري السعودية، التقى هناك أبو مازن، وعرض عليه الخطة مع التعديلات التي ادخلت عليها حتى الآن. ولكن أهم من ذلك: طلب من السعوديين جعل مبادرة السلام العربية خطة عمل. فقد ناشدهم تعزيز السلطة وخلق ائتلاف عربي – مع المصريين والأردنيين – يمنحها الإسناد. وفقط مع مثل هذا الاسناد يمكن للفلسطينيين أن يقدموا تنازلات سواء في مسألة حق العودة أو في موضوع الكتل الاستيطانية أو في مسألة القدس. كما طلب كيري من السعوديين تمويل البنى التحتية للدولة الفلسطينية التي ستقوم، لأن الولايات المتحدة ليست في وضع اقتصادي يسمح لها بعمل ذلك.
طلب آخر يوجد لدى كيري: أن يساعده السعوديون في تسويق الخطة لإسرائيل. في نهاية المبادرة ينتظر إسرائيل، كما اسلفنا، اعتراف من كل الدول الاسلامية، ولكن حتى ذلك الحين يطلب كيري من السعوديين أن ينقطوا على اسرائيل بالتدريج بعض العطايا. فمثلا اذا وافقت اسرائيل على قبول المبادرة والدخول في المفاوضات – برعاية الملك الأردني أو برعاية أخرى – أن توافق الدول العربية على فتح السماء أمام الطيران التجاري لشركة ال عال. 
كما أنهم في وزارة الخارجية الأميركية لا يستبعدون دعوة الرئيس شمعون بيريس لالقاء خطاب أمام الجامعة العربية أو إيماءة أخرى في الأسلوب. وأعرب بيريس عن تأييده للمبادرة في الخطاب الذي ألقاه في الامم المتحدة في العام 2007. 
الأميركيون على علم بان نتنياهو غير مستعد للحديث عن تسوية دائمة فورية. كما أنه غير قادر على قبول الخطة السعودية، حتى مع التعديلات، بكاملها. ولا يزالون في وزارة الخارجية الأميركية يؤمنون بانه يمكن ايجاد صيغة يمكن لنتنياهو أن يتعايش معها حتى دون أن يحطم الائتلاف الجديد الذي بناه. يوجد في هذه الخطة، يقولون هناك، ما يكفي من الافكار المهمة لأمن اسرائيل، كي لا ترفضها رفضاً تاماً. وفضلاً عن ذلك، فان الرئيس أوباما سيحاول تليين الإسرائيليين. 

  يديعوت أحرنوت