أزمة العمل الوطني-إبراهيم أبراش-الجزء الأول

مقدمة

الحديث عن أزمة العمل الوطني الفلسطيني ليس جديداً، وليست جديدة محاولات الاجابة على الأسئلة التي تطرحها الأزمة ومعالجتها. لكن كل المحاولات للوصول الى حلول لأزمة العمل الوطني قد باءت بالفشل على مدى تاريخ تجربة العمل الوطني الفلسطيني.

من الطبيعي في تجربة بتداخلات وتعقيدات الوضع الفلسطيني وانتشاره وتنقل مركزه وثقله الرئيسي من جغرافيا سياسية الى أخرى، ان يكون هناك خلاف في تشخيص هذه الأزمة. حيث تختلف الفصائل في تشخيص هذه الأزمة وسبل الخروج منها، كما يختلف الباحثون في تشخص أسباب الأزمة وعمقها وآليات الخروج منها.

نحن في «زمن برس» نسعى لفتح ملف أو ملفات أزمة العمل الوطني، محاولة لتشخيص الأزمة في اللحظة الراهنة، ومحاولة معرفة وجهات نظر القوى الفاعلة في ساحة العمل السياسي الفلسطيني، ومساهمات المثقفين في التشخيص والبحث عن حلول. لعل العمل على فتح هذا الملف وطرحه للنقاش يفتح نافذة للوصول الى اقتراحات قد تساهم في الخروج من الأزمة لفتح آفاق جديدة أمام العمل الوطني الفلسطيني. ويتشرف الموقع بنشر المساهمات في الموضوع، سواء كانت مساهمات من قوى سياسية، أو شخصيات عامة، أو كتاب ومثقفين، أو أي من يعتقد أن لديه ما يقوله في هذا الملف الشائك. كما نستقبل الردود والمناقشات للمساهمات المنشورة.

ونطرح بعض الأسئلة التي تحاول مقاربة أزمة العمل الوطني طرحها للنقاش، ونتمنى أن تكون فاتحة لنقاش وطني يستعيد الأساسيات، ويعيد تعريف المشروع الوطني الفلسطيني أو يساهم في اعادة تشكيله.

 

ونورد لكم الجزء الأول وهو مشاركة الكاتب والمحلل السياسي د. إبراهيم أبراش .

 

 

1ـ هل تعتقد أن أزمة العمل الوطني أزمة في البرامج أو بالأهداف أو بالأدوات أو أنها أزمة بنيوية ملازمة للعمل الوطني الفلسطيني؟

-         أزمة العمل الوطني ليست جديدة حيث المشروع الوطني الفلسطيني ولد مأزوما منذ بدايته، فبسبب الشتات ووجود أكثر من نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين وبسبب التداخل بين الوطني والقومي الذي أتاح لأنظمة عربية التدخل في الشأن الفلسطيني. ثم جاء التدخل باسم البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية، وبسبب طبيعة إسرائيل وتحالفاتها الدولية، كل ذلك لم يسمح للفلسطينيين أن يكونوا أصحاب القرار فيما يخص قضيتهم الوطنية. كل ذلك جعل الأزمة حالة ملازمة للمشروع الوطني منذ بداياته، وهي أزمة  انعكست على الأهداف التي كانت تتغير من فترة إلى أخرى، وكذا الوسائل والبرامج. وفي هذا السياق نعتقد أن حالة من اللايقين تهيمن على النخبة الفلسطينية فيما يتعلق بالحقوق الوطنية أو الثوابت، فلا يوجد يقين إن كانت ثوابتنا أو حقوقنا تمتد لتشمل كل فلسطين التاريخية، ولا يوجد يقين إن كانت الدولة في غزة والضفة حق لنا، وإن كان حق فمن أين يستمد؟ من التاريخ؟ أم من الشرعية الدولية؟ حالة اللايقين هذه تنعكس على الأدوات والوسائل المناسبة للوصول للهدف.

أيضا، فإن أزمة العمل الوطني لا تنفصل عن أزمة الحلفاء الذين راهن عليهم الفلسطينيون منذ الستينيات، فانهيار النظام الإقليمي العربي بعد حرب الخليج الثانية – وإن كانت جذور الانهيار تعود لحرب يونيو 1967- وانهيار المعسكر الاشتراكي فاقما من أزمة النظام السياسي الفلسطيني أو كشفا هشاشته في مواجهة إسرائيل. ولكننا نعتقد انه كان وما زال من الممكن تجاوز كل الأزمات السابقة لو كانت النخب التي تقود العمل الوطني منسجمة وموحدة وحريصة على المصلحة الوطنية. إن تشخيص أزمة العمل الوطني وخصوصا في السنوات الأخيرة لا بد وإن يُحمل المسؤولية للنخب الفلسطينية التي ثبت أنها لا ترتقي لعظمة الشعب ولعدالة القضية. وبالتالي فالمعالجة يجب أن تكون من خلال مراجعة إستراتيجية للأهداف والبرامج والوسائل ولشبكة التحالفات وللنخب السياسية والاجتماعية.

 

2ـ هل تعتقد  أن  أزمة العمل الوطني أزمة أفول لبعض القوى الفلسطينية التي انتهى دورها التاريخي وصعود لقوى أخرى، أم أن الأزمة شاملة لكل طيف القوى الفلسطينية؟

-  إن كان المقصود قوى اليسار بسبب انهيار المعسكر الاشتراكي، فهذه لم تكن المحدد الرئيس للنظام السياسي حيث كانت حركة فتح تقود العمل الوطني، لا شك أن تراجعها أثر على العمل الوطني الفلسطيني، إلا أن هذا التراجع يعود لأسباب تنظيمية وبرامجية داخلية عند أحزاب اليسار  وليس فقط لانهيار المعسكر الاشتراكي. أما إن كان المقصود حركة فتح فلا شك أن غياب القيادات التاريخية لعب دورا في تراجع الحركة حيث أن  الفكرة الوطنية التي مثلتها حركة فتح تاريخيا باتت بعيدة عن واقع تنظيم حركة فتح، فالتنظيم وخصوصا بعد أوسلو فقد روحه الوطنية النضالية وبات الانتساب إليه لا يقوم على أساس الانتماء والعقيدة بل سعيا لراتب أو وظيفة، وغالبية قيادة التنظيم اليوم همها الحفاظ على مواقعها ومكاسبها. ومع ذلك فإن الفكرة الوطنية التي تحتكر تمثيلها حركة فتح ما زالت موضع مراهنة غالبية الشعب ألفلسطينيي وهذا ما لاحظناه في مهرجان انطلاقة الثورة الفلسطينية في ساحة السرايا بغزة يوم 4 يناير الماضي، وهو المهرجان الذي أبان عن قوة التيار الوطني ولكنه كشف أيضا عن هزال وضعف قيادة تنظيم فتح الذي لم يستطع توظيف هذه الظاهرة.

لأن الأزمة بنيوية لكل مكونات العمل الوطني وأزمة نخب فإن القوى الصاعدة - حركتي حماس والجهاد - لم تُخرجا العمل الوطني من مأزقه بل فاقمتا من أزمته، وهذا ما نلاحظه في أزمة خيار المقاومة المسلحة عند حركة حماس حيث آلت الأمور إلى هدنة مذلة مع إسرائيل، وانتقلت الحركة من حركة جهادية تطالب بتحرير كل فلسطين إلى حكومة وسلطة في قطاع غزة التي لا تزيد مساحتها عن 1.5% من مساحة فلسطين، كما أن حركة حماس تعيش اليوم أزمة في الأهداف والبرنامج والأدوات.

 

3ـ هل تعتقد  أن أزمة العمل الوطني هي أزمة ذاتية تتعلق بالقوى السياسية أم أزمة موضوعية تتعلق بعدم إمكانية الوصول إلى الأهداف الوطنية بالقوى الذاتية الفلسطينية؟

-   كما سبق الإشارة هي أزمة مركبة، أزمة نخب وقيادة وأزمة موضوعية تتعلق بغياب الاتفاق على الأهداف الوطنية. إن حالة اللايقين في تحديد الأهداف تخلق حالة إرباك في أداء النخب السياسية، فهذه غير قادرة ولا راغبة بمصارحة الناس بصعوبة تحقيق هدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وإن كانت قيادة منظمة التحرير وحركة فتح حسما أمرهما منذ 1988 بالقبول بدولة على حدود 1967، إلا أن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي لم تقدما على هذه الخطوة وما  زال خطاب حركة حماس يناور ما بين الحديث عن تحرير كل فلسطين والحديث عن دولة في الضفة وغزة دون الاعتراف بإسرائيل فيما الواقع يقول بأن حركة حماس تتعايش مع إسرائيل وتقبل بدولة في حدود قطاع غزة وتأجيل البحث في كل القضايا الأخرى.

لو كانت لدينا نخبة وطنية على مستوى المسؤولية – توفر العنصر الذاتي - لكان من الممكن التعامل مع الأهداف بعقلانية من خلال سياسة المرحلية أو خذ وطالب. إن أزمة  النخبة تعطل تحقيق أية منجزات سواء كانت سياسية أو قتالية، وبسبب عجز النخب وفشلها فإنه لم يتم تثمير أو الاستفادة من الآلاف من الشهداء الذين سقطوا منذ انطلاق الثورة الفلسطينية حتى اليوم.

4ـ هل تعتقد أن المشروع الوطني الفلسطيني ما زال جامعاً لكل للفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم؟ وهل ما زال المشروع الوطني الفلسطيني قائماً أصلا؟

-  المشروع الوطني بالنسبة لشعب تحت الاحتلال هو مشروع التحرر من الاحتلال، وهذا المشروع يحتاج لقيادة واحدة وهدف وأدوات لتحقيقه محل توافق وطني. حسب هذه الرؤية لمفهوم المشروع الوطني يمكن القول ما دام الاحتلال موجودا فيجب أن يكون هناك مشروع وطني، وبالفعل كان هذا المشروع متجسد بشكل ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو، ولكن بعد أوسلو واعتراف قيادة المنظمة بإسرائيل ثم تأسيس سلطة حكم ذاتي على حساب مرحلة التحرر الوطني، فإن المشروع الوطني بات ملتبسا. ثم جاءت حركة حماس من خارج المشروع الوطني لتوجه ضربة للمشروع الوطني من خلال طرحها لمشروعها الإسلامي كما عبر عنه ميثاق حركة حماس. ونعتقد أن وجود حوالي عشرين حزبا وفصيلا لكل منهم برنامجه ورؤيته السياسية ولكل منهم شبكة تحالفاته لا يعني وجود مشروع وطني، المشروع الوطني لا يكون إلا مشروع الكل الوطني داخل فلسطين وخارجها، وعليه فالسلطة الوطنية ليست المشروع الوطني، وحركة حماس لا تعترف بالمشروع الوطني، ومنظمة التحرير لم تعد بواقعها الراهن تعبر عن المشروع الوطني، وعليه هناك أزمة في المشروع الوطني، الأمر الذي يتطلب إعادة بناءه من جديد بما يستوعب كل الشعب الفلسطيني و كل القوى السياسية.

5ـ هل تعتقد  أن اتفاق أوسلو وضع حدا للمشروع الوطني الفلسطيني كما استقر في تجربة منظمة التحرير السابقة على أوسلو؟

- نعم أوسلو قطع الطريق على المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني، ومع أن القيادة الفلسطينية التي وقعت اتفاقية أوسلو كانت تراهن على أن التسوية السياسية من خلال اتفاقية أوسلو والسلطة الوطنية يمكن أن يشكل منعطفا لتأسيس مرتكزات الدولة الفلسطينية، إلا أن الواقع يقول بأن هذه المراهنات فشلت حيث أنه في ظل اتفاقية أوسلو تزايد الاستيطان وتفسخ المجتمع ثم حدث الانقسام وتحول المناضلون والفدائيون لموظفين يتلقون رواتب من جهات مانحة كانت وما تزال في صف العداء للمشروع الوطني التحرري. وقد اعترفت قيادة منظمة التحرير بأن مسلسل التسوية وصل لطرق مسدود ومن هنا توجهت إلى الأمم المتحدة، إلا أنه للأسف ما زال البعض في القيادة الفلسطينية راغب بالعودة للمفاوضات على قاعدة أوسلو لان مصالحهم باتت مرتبطة بالسلطة وبالوضع القائم، فأوسلو ليس مجرد اتفاق على ورق ولكنه أوضاع وترتيبات أنتجت نخب مستفيدة تتحكم بالقرار الوطني.

6ـ ما هي مسؤولية الفصائل الفلسطينية عن الأزمة التي يعاني منها العمل الوطني الفلسطيني؟

-         أزمة العمل الوطني أزمة نخب وفصائل بالدرجة الأولى، لأنه لا يمكن أن نحمل الشعب الفلسطيني المسؤولية، فالشعب قدم تضحيات لم يقدمها شعب آخر، كما لا يجوز أن نحمل المسؤولية لإسرائيل وواشنطن، فهؤلاء أعداء ولا يمكن أن يتصرفوا إلا كأعداء، كما لا يمكن أن نحمل المسؤولية للعرب والمسلمين لأن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، كل هؤلاء يتحملون نسبة من المسؤولية ولكن المسؤولية الأعظم تتحملها القوى والنخب السياسية الفلسطينية. المسؤولية تقع على النخب المتجسدة في فصائل وأحزاب، فما وُجِدت هذه الفصائل إلا لتحقيق أهداف الشعب الحرية والاستقلال  وليس إخفاء عجزها برمي المسؤولية على أطراف خارجية، باتت الأحزاب والنخب اليوم تتعيش على القضية وعلى معاناة الشعب. فشل الفصائل في تحقيق الأهداف الوطنية  - سواء كانت فصائل تتبنى خيار المقاومة والجهاد أو الفصائل التي تتبنى خيار السلام والتسوية – وفشلها في توحيد صفها في إطار هيئة قيادة واحدة وحركة تحرر واحدة، يؤدي لنتيجة أن هذه الأحزاب غير مؤهلة لقيادة الشعب الفلسطيني بل باتت عبئا على الشعب والقضية, وفي حالة المراهنة فقط على الأحزاب والحركات القائمة  لإخراج العمل الوطني من أزمته فإن الأمر لن يتعدى إدارة الانقسام والمحاصصة وإدارة أزمة المشروع الوطني وأزمة الصراع مع العدو دون القدرة على حل الصراع.

7ـ هل الانقسام الفلسطيني الحالي هو التجسيد والعنوان لأزمة العمل الوطني في اللحظة الراهنة؟ وهل هو إعلان تشظي نهائي للمشروع الوطني الفلسطيني وفقدان وحدته الجامعة؟

-  لا شك أن أزمة المشروع الوطني سابقة على الانقلاب الذي أقدمت عليه حركة حماس وأدى لقيام سلطتين وحكومتين، إلا أن الأزمة الناتجة عن الانقسام أخطر من كل الأزمات السابقة، بل تشكل مقتلا للمشروع الوطني، وكثير من الوثائق والشواهد تدل على أن تأسيس حركة حماس كان هدفه مواجهة المشروع الوطني والحلول محله، وبالتالي لا يمكن معالجة أزمة المشروع الوطني إلا من خلال بوابه إنهاء الانقسام وذلك بتوطين جماعات الإسلام السياسي وخصوصا حركة حماس والجهاد الإسلامي بأن يصبحا جزءا من المشروع الوطني التحرري، وليس أن يُلحق المشروع الوطني بمشروع الإسلام السياسي المبهم والمغامر والذي لا يضع قضية تحرير فلسطين ضمن أولوياته كما لاحظنا من خلال موقف مصر وتونس وليبيا بعد ما يسمى بالربيع العربي.

أزمة العمل الوطني قبل الانقسام كانت سياسية وداخل البيت الفلسطيني وداخل منظمة التحرير ولم يؤثر على الصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني، ولكن الانقسام الراهن أمتد للمجتمع والثقافة والهوية والجغرافيا، كما أمتد للخارج حيث باتت الدول والشعوب العربية والإسلامية منقسمة ما بين مؤيد لحركة حماس ومؤيد لمنظمة التحرير. في ظل الانقسام يصعُب الحديث عن مشروع وطني جامع، وفي ظل الانقسام لن تنجح إستراتيجية سلام فلسطينية ولا إستراتيجية مقاومة وجهاد.

8ـ كيف يمكن تشخيص واقع وجود سلطتين فلسطينيتين في كل من الضفة الغربية وقطاع، وأين يمكن وضع هذا الواقع في تشخيص أزمة العمل الوطني؟

-إن كان تشكيل سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال خروجا عن منطق وأبجديات حركات التحرر، فإن وجود سلطتين وحكومتين في ظل الاحتلال يشكل أزمة وخطأ مركبا  ومؤشرا على أن هدف الأحزاب والفصائل لم يعد تحرير فلسطين بل الوصول للسلطة حتى في ظل الاحتلال، بما تعنيه السلطة  من مناصب ومغانم. وجود سلطة لحركة حماس في قطاع غزة تقوم بدور وظيفي وثمنها وقف المقاومة ضد إسرائيل من خلال اتفاق الهدنة الأخير  يعد خللا كبيرا في العمل الوطني بل جريمة وطنية. ونعتقد أنه لا يمكن تفسير وجود سلطتين إلا ضمن معادلات دولية، لأن السلطتين ليستا محصلة النضال الوطني فلا منظمة التحرير حررت الضفة والقطاع عام 1994 ولا حركة حماس حررت قطاع غزة عام 2007 فشارون خرج من غزة ضمن خطة إسرائيلية للانسحاب من طرف واحد عام 2005. سلطة أوسلو جاءت بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وبعد تحرير واشنطن الكويت من يد صدام حسين وفي إطار سياسة أمريكية تريد إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، وسلطة حماس جاءت بعد طرح واشنطن مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد 2004 وسياسة (الفوضى الخلاقة ) التي  تتضمن تمكين جماعات الإسلام السياسي من السلطة لإخراجها من مربع الجهاد والمقاومة. وعليه فالسلطتان لا تقوما بأدوار وطنية بل بدور وظيفي يخدم أطراف خارجية.

9ـ هل يمكن الخروج من هذه الأزمة وما هي الوسائل والأدوات التي تساعد في وضع حد لتردي واقع العمل السياسي الفلسطيني، هل يحتاج الوضع الفلسطيني الى انتفاضة جديدة؟

-  لاحظنا أن كل اتفاقات وتفاهمات المصالحة وصلت لطريق مسدود بالرغم من انه كان يُعلن بعد كل اتفاق انه تم الاتفاق وحل كل القضايا الخلافية. والسبب في اعتقادنا يعود للنخب المستفيدة من واقع الانقسام ولان أزمة العمل الوطني دخلت عليه أطراف خارجية تجعل مجرد مصالحة فتح وحماس لا يحل أزمة النظام السياسي. مصالحة توحيد غزة والضفة في سلطة واحدة وحكومة واحدة لا يمكن إنجازه إلا بطريقتين: الأولى، في إطار عملية تسوية سياسية تعترف بها كل الأطراف بما فيها حركة حماس، وفي إطار هذه العملية يمكن توحيد غزة والضفة في إطار التسوية سواء كانت تسوية أوسلو أو أي مشروع تسوية جديد، والطريقة الثانية، توحيد الشعب الفلسطيني من خلال الانتفاضة وفي هذه الحالة يسقط الشرط الإسرائيلي والخارجي على المصالحة. ونعتقد ان تاريخ الشعب الفلسطيني والتجارب التاريخية لحركات التحرير تؤكد أن الصدام مع العدو هو ما يوحد الشعب ويجبر العدو على الاعتراف بالحقوق المشروع للشعب الخاضع للاحتلال.

10ـ هل من الممكن إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني بصيغة جامعة لكل الطيف السياسي الفلسطيني؟

- نعتقد أن هذا أمر ممكن ما دام هناك شعب فلسطيني تعداده حوالي 12 مليون وتاريخه يعود لأكثر من أربعة آلاف سنة، شعب نصفه متمسك بأرضه ومتجذر فيها ونصفه الآخر في الشتات وما زال متمسكا بوطنيته ومستعد للتضحية من أجلها وينتظر العودة لأرضه، قوة الشعب الفلسطيني تتجسد في تمسكه بأرضه وحقه وعدم تنازله عن حقوقه المشروعة، وإسرائيل وبالرغم مما تملك من قوة عسكرية وتحالفات دولية إلا أنها مأزومة أيضا وأزمتها تكمن في وجود الشعب الفلسطيني وفي استمرار القضية الفلسطينية حية. ما دامت المشكلة تكمن في النخب السياسية وليس في الشعب أو في عدالة القضية فإن إعادة صياغة المشروع أمر ممكن وضروري سواء من خلال إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لتستوعب الكل الفلسطيني أو من خلال أية صيغة أخرى يتم التوصل إليها بالتراضي والتوافق. قد يحتاج الأمر لحين من الوقت وقد يحتاج للمرور من عنق الزجاجة بصدامات ومواجهات مسلحة داخلية – نأمل ألا يحدث ذلك – ولكن الشعب الفلسطيني قادر على النهوض مجددا تحت راية الوطنية الفلسطينية المتحررة من مصادرة الأحزاب الراهنة لها وخصوصا تنظيم حركة فتح المصادر بدوره من السلطة ومن حكومة الدكتور سلام فياض.

11ـ هل يحتاج الخروج من أزمة العمل الوطني إلى انتفاضة داخلية قد تصل إلى الإطاحة بالسلطتين، وهل هناك إمكانية لربيع فلسطيني يساهم في إخراج الواقع الفلسطيني من أزمته؟

مع أن خطاب الانتفاضة راج في السنتين الأخيرتين بل وتمت الدعوة إلى المقاومة الشعبية، إلا أن شيئا من هذا لم يتحقق، لأن السؤال الذي يفرض نفسه: ضد من ستكون الانتفاضة؟ هل في مواجهة السلطتين في غزة والضفة أم في مواجهة إسرائيل؟ وإن كانت ضد إسرائيل فما موقف الحكومتين والسلطتين؟ فالسلطة في رام الله ملتزمة باتفاقية أوسلو وبينها وبين إسرائيل تنسيق أمني واتفاقيات اقتصادية، والسلطة في غزة وقعت اتفاقية هدنة مع إسرائيل، وهي لا تملك قرارها فإستراتيجيتها مرتبطة بل وتابعة لإستراتيجية الإخوان المسلمين، هذا بالإضافة إلى غياب التواصل الجغرافي ما بين غزة والضفة. لا يعني ذلك استحالة قيام انتفاضة بل ومقاومة مسلحة في مواجهة إسرائيل، بل المقصود الحاجة لإبداع نضالي تشارك فيه كل أطياف العمل السياسي والاجتماعي. فإذا كانت قوى معارضة عربية – ليبيا وسوريا - حملت السلاح في مواجهة أنظمة دكتاتورية وفاسدة، وساندتها دول عربية وأجنبية بل والأمم المتحدة، فالأجدر والأحق بأن يحمل الفلسطينيون السلاح لمواجهة الاحتلال، ولكن الأمر يحتاج إلى إستراتيجية مقاومة وليس أفعال مقاومة ارتجالية وفصائلية.

ما جرى في قطاع غزة منتصف يوليو 2007 كان باكورة الربيع العربي الذي يندرج في إطار معادلة الشرق الأوسط الجديد وسياسة الفوضى الخلاقة الأمريكية، وحركة حماس تعتبر نفسها وما أقدمت عليه جزءا من الربيع العربي المزعوم وهذا ما يمنحها القوة في مواجهة خصومها الوطنيين. الفلسطينيون يحتاجون إلى ربيع مختلف عن الربيع العربي، يحتاجون إلى استنهاض الوطنية الفلسطينية بعيدا عن الأجندة غير الوطنية، الربيع الفلسطيني لن يكون إلا بثورة ضد الاحتلال ومن يتعايش مع الاحتلال تحت أي مسميات وتبريرات.

 

 

 

حرره: 
م.م