مصر في مواجهة اللحظة العسيرة

أغلب الظن، أن ما يجري الآن في مصر، هو محاولات فاقدة للمنطق، هدفها إضعاف المجلس العسكري للقوات المسلحة، وانتزاع قدرته على ضمان تسليم السلطة، وفق الشروط الديموقراطية الصحيحة، التي تحمي البلاد من زلازل مستقبلية محتمة، إن لم يكن هناك دستور لا يكرّس مبدأ التداول، على نحو مُحكم، ولا يمكن التحايل عليه بذرائع الدين والبيعة.

أعضاء المجلس العسكري، الذين تحدثوا أمس في مؤتمر صحفي، عرضوا موقفاً قوياً، ممانعاً في وجه كل الراغبين في إسقاط الدولة. توقفوا عند المفردات الفاقدة للدلالة والمغالية في توصيف الأمور، وهي تلك التي بدأت بالحديث الموتور عن "حكم العسكر" وكأن هناك طغمة عسكرية أمسكت بالحكم وبالمجتمع وفرضت نفسها بديلاً، مثلما كان يحدث في أمريكا اللاتينية في الخمسينيات والستينيات. فعندما أخذت الحركة الشعبية مداها، لإسقاط الرئيس، في سياق الثورة؛ اختار الجيش أهون السُبل، وبدأ بالتماشي مع حركة الجماهير حتى سقط الرئيس. وبدل العمل بأسلوب الانقلابات، وجمع رجال العهد السابق في السجون بالجملة، أتيح لمؤسسات الدولة المعنية، معالجة حالات الانحراف والفساد، بالإجراءات القانونية، وأعلن منذ اليوم الأول، أن المجلس العسكري سيأخذ البلاد الى عملية تغيير شامل في إعادة تشكيل وعمل المؤسسات الدستورية، تمكيناً للإرادة الشعبية. وتفهمت القوى السياسية والاجتماعية طبيعة تلك الوُجهة، لكنها بعد أن أحست بأن الدولة تتجه الى حياة سياسة تحتكم الى دستور لبلاد محكومة بالتنوع، ولمجتمع يتعطش الى الحرية والعدالة والاطمئنان الى مستقبله الديموقراطي؛ انقلبت هذه القوى على المجلس العسكري دون أن تُحسن اختيار تنظيرات الانقلاب. فمرة تقول إن التزوير متوقع، دون أن تشفع للمجلس العسكري تجربة الانتخابات النيابية النـزيهة، ودون أدنى اعتبار لكل القوانين التي جرى إعمالها وصولاً الى الإعلان عن ثلاثة عشر مرشحاً للرئاسة، تتوافر لهم فرص متساوية!

حازم صلاح أبو اسماعيل، ترشح للرئاسة وفق الإعلان الدستوري الذي جرى الاستفتاء عليه. ولما استبعدته اللجنة المختصة، لدواعٍ قانونية، استرسلت بكائياته، وكأنه صاحب مظلمة وليس صاحب أكذوبة حررها بيديه في مسوّغات الترشح. ذلك علماً بأن المجلس العسكري لم يشترط شيئاً على أي مرشح، باستثناء الشروط القانونية المرعية. فلم يطلب العسكر من المرشحين، ولا من الأحزاب، الالتزام بخيارات استراتيجية محددة، كالعلاقة مع إسرائيل وفق الاتفاقات ولا أية خيارات اجتماعية وسياسية أخرى، تتعلق بالأمن القومي للبلاد وبالفهم الحضاري والإنساني لقيمة المواطنة وحقوقها، وتُركت البرامج ليصبح أمر المفاضلة بينها، متروكاً للإرادة الشعبية. وبدا الطرح الآخر كاريكاتورياً، كأن تطالب بعض القوى الحزبية، بتغيير حكومي فوري، ما يعني أن هذه القوى التي تحملت حكم مبارك عقوداً من الزمن، لن تحتمل أسابيع، وكلما طالبها المجلس العسكري بقليل من الصبر، تواجهه باتهامات وفرضيات، وصلت الى حد تطيير التوقعات بوقوع انقلاب عسكري وبالتباطؤ لسبب في نفس يعقوب!

إن ما يجري في مصر، يدل على أن هناك قوى باتت طافيه على سطح الحياة السياسية الراهنة، لا تكترث بمصير البلاد، ولا يهمها الاستقرار، ولا استعادة الحياة الطبيعية للناس، وتأخذها أوهام التمكين، الى مسالك وعرة. وكلما همّ الجيش بالدفاع عن موقفه وعن مواقعه وعن مقر وزارته، ينطلق الحديث عن حمامات دم. وممن ينطلق الحديث؟ من قوى معروفة بغلاظتها في التعامل مع الجماهير، بقدر ما هي بارعة في خداع البسطاء باسم الدين، بل هي قوى تتغالظ فيما بينها، ولا يحترم واحدها إسلام الآخر أصلاً!

يقيني لو أن الحكم قد استتب بالمطلق لجماعة "الإخوان" أو خصومهم من ذات المرجعيات الأصولية، ثم وجد أهل هذا الحكم أنفسهم في الموقف الذي يوُضع فيه الجيش الآن؛ فإن التصرف لن يكون بنعومة الجيش ولا بإحساسه العالي بالمسؤولية التاريخية، وسيكون القتل محققاً وبالجملة، بذريعة أن الضحايا "عُصاة" يخالفون شرع الله!

لقد أحسن اللواء محمد العصار، التعبير عندما قال إن هدف المجلس العسكري هو تأمين السلَّم الذي يصعد عليه من يرتقي الى سدة الحكم، شرط أن لا يُرفع هذا السلَّم بعد الصعود، أي أن لا يركله الصاعد بقدمه المتوضئة، لكي لا يأتي آخرون!

وأحسن كذلك اللواء مختار الملا، في التأكيد على رباطة جاش القوات المسلحة، وصلابة موقفها حيال العابثين الذين يعملون ضد أنفسهم وضد بلادهم وهم ـ ربما ـ لا يعلمون!