النكبة لأضلاع المثلث الفلسطيني

فشلت المساعي الأسرائيلية في إيجاد فلسطيني من أبناء مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 ، من أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، كي يشارك في إضاءة " شمعة الأستقلال لدولة إسرائيل " وهي ظاهرة ملفتة للنظر وتحتاج للتوقف من أجل التدقيق وإستخلاص الدروس والعبر ، بعد أن كان التهافت من قبل هؤلاء ، من أعضاء كنيست أو قيادات محلية أو جنود متقاعدين أدوا الخدمة في إحدى مؤسسات جيش الأحتلال ، الأمنية أو العسكرية ، ولكن حماس كل هؤلاء تلاشى وتراجع بل وإندحر لأسباب جوهرية صنعتها عوامل التغيير والوضوح لدى الطرفين ، فقد تغير الوضع وتلاشى التهافت ، وكاد ينتهي ، وبات الأصرار على رفض المشاركة في مظاهر "عيد إستقلال إسرائيل " بائناً وعلناً ، لسببين :

أولاً : بسبب جموح اليمين الأسرائيلي ، وتطرفه ، ليس فقط من خلال شعارات إرتجالية ذات أبعاد إنتخابية إنتهازية ، بل أصبحت العنصرية والفاشية جزءاً من السياسة الرسمية لمؤسسات الدولة العبرية ، مجسدة في سياسات الحكومة الأئتلافية التي يقودها الليكود والأحزاب الأكثر يمينية وتطرفاً في المجتمع الأسرائيلي المتهالك ، وكذلك في مضامين قوانين البرلمان ، والتي تجاوزت 40 قانوناً طالبت لجنة مكافحة التمييز التابعة للأمم المتحدة بإلغائها طالما أن إسرائيل وقعت على إتفاقية مناهضة التمييز وعليها أن تلتزم بها ، وقوانين الكنيست الأربعين صارخة في مضامينها العنصرية ، وهي تمس المواطنين العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل وتستهدفهم ، وتمعن في التمييز ضدهم ، وتساويهم بالجزء الثاني من الشعب العربي الفلسطيني الواقع تحت الأحتلال العسكري ، أبناء الضفة والقدس والقطاع ، فالمساجد والكنائس تمس في المنطقتين ( في 48 و67 ) ، وهدم البيوت متواصل في النقب كما هو في القدس وسائر مدن وقرى الضفة الفلسطينية ، وعدم إستجابة تل أبيب لمطالب الشعب الفلسطيني سياسة موحدة ، سواء برفض تحقيق المساواة لأبناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة ، أو رفض تحقيق الأستقلال لأبناء الضفة والقدس والقطاع ، فالسياسة الرسمية الأسرائيلية واحدة في تعاملها وفي رفضها لمطالب وحقوق ضلعي المعادلة الفلسطينية للشعب الواحد في منطقتي 48 و 67 .

وثانياً : زيادة الوعي الوطني والقومي والديني ، للفلسطينيين داخل إسرائيل ، فالنضال الوطني والمطلبي لم يعد مقتصراً على أحزاب التيارات السياسية الثلاثة اليسارية والقومية والأسلامية ، بل بدأت تجتاح حتى قطاعات وسطية معتدلة كانت شريكاً في الأحزاب الصهيونية مثل العمل أو ميرتس ، وبعد تراجعها وإضمحلال نفوذها ، إنكفأت هذه القطاعات نحو النزوع الأستقلالي غير الحزبي أو العمل في إطار مؤسسات المجتمع الأهلي المدني معبرة عن إمتعاضها من دور وتأثير اليمين وسياسته العنصرية الفاقعة سواء من قبل الحكومة أو الكنيست ، وكذلك إمتعاضها من اليسار الصهيوني الذي وقف عاجزاً أمام قوة اليمين وعنصريته ، ووقف متردداً نحو التصدي للسياسة العنصرية التي تمس المواطنيين العرب الفلسطينيين ، بإستثناء قلة من الشخصيات العامة ، التي إنحسر تأثيرها ، مما يتطلب من أعضاء الكنيست العرب والقيادات الحزبية وقادة المجتمع المدني ، واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية ، ولجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني ، أن يشمروا عن سواعدهم معتمدين على المثل القائل " ما بيحك ظهرك سوى ظفرك " .

الإحساس بالظلم والتمييز وتدني الخدمات وغياب المساواة يجتاح إسرائيل ، وبسبب سياستها الرسمية المركزية بهذا الأتجاه ، دفعت سفراء المجموعة الأوروبية لصياغة مذكرة تتضمن مظاهر الأحجاج والتمييز الواقع على المواطنين العرب الأسرائيليين وهي مذكرة بالغة الأهمية تشكل إدانة من قبل مجموعة من الدول تعتبر صديقة لإسرائيل ، ولذلك تتعاظم مظاهر الأحتجاجات من طرف الفلسطينيين العرب وتتواصل في يوم الأرض ويوم النكبة ، بل وإتسعت هذا العام حتى شملت أولئك الذين سبق وأن شاركوا في " عيد الأستقلال " فرفضوا الأن بعد أن تبين لهم أن " إستقلال إسرائيل " هو نكبتهم وتدني حقوقهم وعيشهم في ظل التمييز والعنصرية المتفشية ، وأن النكبة هي لأضلاع المثلث الفلسطيني ، ولمكوناته الثلاثة : أبناء 48 وأبناء 67 وأبناء المنافي والشتات .