الحكومة الجديدة والبدائل والأسرى

 

كان من المفترض أن يتم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة وحلفها اليمين أمام الرئيس يوم الأربعاء أو الخميس الماضيين، حيث تم إبلاغ الوزراء بالاستعداد لحلف اليمين، لدرجة أن بعضهم قطع زيارته الخارجيّة وعاد من السفر.
أسباب التأخر في الإعلان عن الحكومة الجديدة لم تفسر بشكل رسمي، بل يتواصل الإعلان بأن الحكومة ستشكل خلال ساعات، وتنتشر أخبار بصورة غير رسميّة حول إجراء تغييرات على الأسماء المتداولة، وأن اسمًا جديدًا كان مقترحًا لوزارة الصحة قد اعتذر، وأن هناك عقدة حول حضور "فتح" في الحكومة، وأن مسألة تعيين نائب لرئيس الحكومة مطروحة بالرغم من النفي، وأن هناك مطالبة بتمثيل واضح لقطاع غزة حتى لا تتهم الحكومة بأنها انقساميّة بامتياز.
وأخيرًا يبدو أنّ أحد أسباب التأخير، وهو نقطة إيجابيّة، هو قيام الرئيس بإحالة الأسماء المتداولة إلى هيئة مكافحة الفساد، حتى لا يحدث مع الحكومة الجديدة ما حدث مع سابقتها من إحالة وزيرين إلى المحاكم بعد توجيه اتهامات بالفساد ضدهما، وبعد اللغط حول فساد عدد آخر من الوزراء أو قيام أحدهم بتحرش جنسي.
لاحظوا أنني لم أُدْرِج موضوع المصالحة ضمن الأسباب التي أخّرت التشكيلة الحكوميّة الجديدة، ليس لأنني مقتنع بما يقوله الناطق باسم الرئاسة وقادة فتحاويون آخرون بأن تشكيل الحكومة لن يؤثر على الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام وعلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني، بل لأنني صدقت الادعاءات السابقة التي ترددت خلال السنوات الماضية، خصوصًا منذ استقالة حكومة سلام فيّاض في شباط من العام الماضي بأن تأجيل التعديل أو التغيير الذي تكرر الإعلان عنه يعود إلى عدم التأثير سلبيًّا على الجهود المبذولة لإتمام المصالحة، خصوصًا بعد التوقيع على اتفاق القاهرة، والشروع في تطبيق تشكيل لجان المنظمة والحريات والمصالحة المجتمعيّة والانتخابات، وبعد التوقيع على "إعلان الدوحة" الذي نص على قيام الرئيس "أبو مازن" بترؤس حكومة الوفاق الوطني. 
إن تعديل أو تغيير أو إعادة تشكيل الحكومة دليل قاطع على فشل الجهود لتطبيق اتفاق المصالحة، وعلى عدم توفر الإرادة اللازمة لتحقيقها، وتوفير ما يلزم لذلك، فلا أحد يصدق في أعماقه، حتى الناطقين باسم "فتح" و"حماس"، بأن الأسباب المعلنة حول عدم تطبيق ما تم الاتفاق عليه تعود إلى عدم سماح سلطة "حماس" للجنة الانتخابات ببدء تسجيل الناخبين كما تدّعي "فتح"، أو عدم شروع "أبو مازن" في تشكيل حكومة الوفاق الوطني، لأن بمقدوره، كما تدّعي "حماس"، أن يصدر قرارًا بعد تشكيلها بالبدء في تسجيل الناخبين في قطاع غزة.
إن ما يمنع تطبيق الاتفاقات أسباب أعمق وأكبر من محاولة الطرفين المتنازعين بإلقاء كل واحد منهما المسؤوليّة عن عدم تطبيقها على الطرف الآخر. إن الطرفين يتحملان المسؤوليّة بدرجة متفاوتة بين مرحلة وأخرى، حيث تتحمل "فتح" أحيانًا المسؤوليّة الأولى، وتتحمل "حماس" كما يحصل منذ توقيع "إعلان الدوحة" المسؤوليّة الأولى.
كما يجب عدم إعفاء الأطراف الفلسطينيّة الأخرى من تحمل المسؤوليّة، وإن بشكل ثانوي، لأنها ترضى بالاكتفاء بلوم طرف أو كلا الطرفين دون أن تجسد على الأرض بديلا وحدويا ديمقراطيا، وتشكيل حالة ضاغطة متعاظمة تغادر موقف المباركة الدائمة لما يتفق عليه الطرفان المتنازعان بالرغم من الإدراك باستحالة ذلك لتجاهله عددًا من القضايا الجوهريّة، أهمها: البرنامج السياسيّ؛ وإعادة تشكيل المنظمة؛ وتوحيد المؤسسات والأجهزة الأمنية، إضافة إلى تركيزه على جوانب إجرائيّة وشكليّة.
إن النقطة المهمة جدًا الغائبة تمامًا عن الحوار عند الحديث عن تعديل أو تغير الحكومة هو البرنامج الذي ستسير عليه الحكومة الجديدة. فبعد فشل برنامج إثبات الجدارة وبناء المؤسسات كطريق لإقامة الدولة ووصوله إلى طريق مسدود، كما ظهر من خلال تجاوزه مدة السنتين اللتين نص عليهما بمرور شهر آب من العام الماضي دون أن تستجيب إسرائيل للمطالبة الفلسطينيّة بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، ودون أن تتحمل الولايات المتحدة الأميركيّة أو المجتمع الدولي مسؤولياتهما والقيام بالضغط على إسرائيل، أو حتى بالموافقة على التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دوليّ بالدولة الفلسطينيّة يمهد لقيامها فعلًا على الأرض. كان من المفترض بلورة برنامج جديد قادر على تحقيق ما عجز البرنامج السابق عن تحقيقه، وهذه ليست مهمة الحكومة أولًا، وإنما هي مهمة القيادة التي تتهرب من بلورة إستراتيجية قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر القديمة والجديدة في مرحلة الثورات العربية والمتغيرات الإقليمية والدولية. 
إن تشكيل الحكومة من دون برنامج ودون حسم الخيارات والبدائل "التي ستغير وجه الشرق الأوسط" كما هددت القيادة الفلسطينيّة أكثر من مرة، دليل جديد على فقدان الاتجاه والخيارات والبدائل، وعلى أن السياسة المعتمدة فعلا هي سياسة تعكس حالة العجز والضعف، وتعتمد الانتظار المفتوح إلى أجل غير مسمى، فلعلّ وعسى يحدث ما من شأنه أن يخرج الفلسطينيين من المأزق الشامل الذي تمر به قضيتهم وشعبهم.
الانتظار ليس سياسة بل سياسة قاتلة، لأن الفلسطينيين إذا لم يكونوا فاعلين ومبادرين وموحدين لا يمكن أن يستفيدوا من الفرص المتاحة في عصر التغيير والثورابت العربيّة، أو أن يقللوا من المخاطر والخسائر التي يمكن أن يدفعوها في المرحلة الانتقاليّة الحاليّة، مرحلة اندلاع الثورات دون أن تغير النظم القديمة بنظم جديدة تحفظ كرامة وحرية وحقوق المواطن والأوطان العربية.
وما يزيد الطين بلة، أن الرد الإسرائيلي على رسالة الرئيس جاء مساء يوم السبت الماضي، ولم تجد اللجنة التنفيذيّة ما تقوله بعد اجتماعها يوم الأحد سوى أنه لم يقدم أجوبة واضحة حول القضايا المركزيّة التي تعطل استئناف عملية السلام، وفي مقدمتها وقف الاستيطان، بالرغم من أنّ من المفترض أن أحدًا لم يكن يعول على جواب نتنياهو. لماذا لم تنبس اللجنة التنفيذيّة ببنت شفة عن الجواب المطلوب حول السؤال المطروح منذ سنوات ويتم تأجيله باستمرار، وصولا إلى جواب نتنياهو على رسالة "أبو مازن": ما العمل؟.
تشكيل الحكومة الجديدة أو تعديل القديمة لا يقدم إجابة على سؤال ما العمل، بل تهربًا منها، خصوصًا إذا ترافق مع استبعاد معظم الخيارات من خلال الإعلان عن رفض سحب الاعتراف بإسرائيل، وحل السلطة، وإعادة النظر في شكلها ووظائفها والتزاماتها، واعتبار الحديث عن وقف التنسيق الأمني مزايدة رخيصة، وعن رفض قيام انتفاضة ثالثة، وعدم دفع ثمن إتمام المصالحة الذي يتمثل في الاتفاق على برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة وفق شراكة حقيقية على أسس ديمقراطيّة، وعدم تجسيد المقاومة الشعبيّة عمليًّا التي تم تبنيها من الجميع، والتردد في التوجه إلى الأمم المتحدة.
من لا يملك بديلا أو عدة بدائل يفقد قدرته على التأثير. ومن يستمر في بديل يردد أنه وصل منذ زمن إلى طريق مسدود يضيع وقتًا ثمينًا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لبديل قادر على إفشال البدائل المفضّلة إسرائيليًّا وشق الطريق أمام البدائل المفضّلة فلسطينيًّا.
المسألة لم تكن تعديلا أو تغييرا حكوميا بل الجرأة على اختيار خيار قادر على الانتصار.

إضراب الأسرى
وفي أثناء الانشغال بتشكيل الحكومة، يواصل الأسرى الأبطال إضرابهم الأسطوري الذي يشكل بارقة الأمل الوحيدة التي تظهر كيف أن المقاومة توحد والصراع على السلطة يفرّق، خصوصًا بعد الأنباء عن إمكانية الاستجابة لمطالبهم أو جزء منها، وهذا إن تحقق فهو أمر مهم جدًا، لكنه لا يقلل من أهمية أن المطلوب هو إطلاق سراح الأسرى، وليس تحسين شروط أسرهم، وأن المقاومة التي من أشكالها الإضراب والتظاهرات وأشكال التضامن المتصاعدة معهم يمكن أن تقدم حلا نهائيًّا لمعاناتهم.
فحتى يتم إطلاق سراح الأسرى، لا يمكن انتظار عقد اتفاقية سلام أو تقديم عطايا من هذه الحكومة الإسرائيلية أو تلك، فإسرائيل علمتنا منذ تأسيسها أنها لا تفهم سوى لغة القوة أو لغة المصلحة، وعلينا أن نتقن استخدام هاتين القوتين.