تطهير عرقي

نساء فوق ركام

بقلم  ب. ميخائيل

يد تمسك الصحيفة، والثانية تحمل القهوة، وتنصب العينان على الصفحة الاولى فتتجمدان رافضتين التصديق لما ترياه في احد العناوين الرئيسة: «وزير الزراعة: يجب فحص امكانية معالجة تعدد الزوجات في اوساط البدو من أجل تقليص الولادة». العينان تحترقان دهشة. وزير في دولة تسمي نفسها «ديمقراطية»، يقترح بجدية تقليص ولادة فيها عرقية معينة. ومن المهم التدقيق: الوزير يئير شمير لم يقترح اقرار انظمة تنطبق على كل المواطنين، ولا على عموم كثيري الاولاد في المجتمع الاسرائيلي. فقط «تقليص الولادة» في مجموعة عرقية واحدة يهمه. «بعد قليل سيصبحون نصف مليون»، يقول الوزير القلق، ويقترح «معالجة تعدد الزوجات» من أجل تقليص عدد الولادات. ويخيل انه منذ عهد فرعون لم يصدر خطاب عنصري كهذا من فم حكم سوي العقل مهما كان.

وبينما واصلت الاصابع تتصفح حتى الصفحة الاخيرة ولقراءة العنوان الذي ظهر هناك اعتمل البطن المتقلب على حديث اسحق مرير. إذ ان هذين العنوانين، معا، خلقا حقنة لاذعة من المفارقة المبطنة، بالطريقة التي تعرف الصحف كيف تخلقها دون آثار: «مبادرة في سويسرا: تقييد عدد القطط. في سويسرا 1.4 مليون قط، مقابل 8.1 مليون نسمة. وفي الاشهر الاخيرة طرحت عدة افكار تستهدف تقييد حرية حركة الحيوان الاليف وكميته».

بمعنى اننا لسنا وحدنا. سويسرا هي الاخرى، مثل اسرائيل تعاني من الحيوانات المتكاثرة بوتيرة سريعة للغاية. هناك القطط، هنا البدو. اساس رائع لتوثيق العلاقات بين الدولتين، ولتبادل المعلومات والافكار؛ فلاسرائيل يمكن استيراد الاساليب المتبعة في سويسرا (الخصي والعقم) ويمكن ان يقترح على سويسرا افكار الوزير شمير: لكل قط – زوجة واحدة فقط. كما يمكن أن نضيف فنقترح عليهم ابتكارا اسرائيليا ثابتا آخر: الامتناع عن اقامة غرف أمنية للقطط، في حالة تعرض سويسرا الى قصف من قذائف الهاون.

ولكن في هذه النقطة يجدر بنا أن نكف عن السخرية. إذ ان حقيقة أن وزير اسرائيلي يعلن بان في نيته العمل على تقليص الولادة في اوساط مجموعة عرقية معينة، ولا يجد نفسه في ذات اليوم تماما ملقى به في بيته، او في المعتقل حتى انتهاء الاجراءات القانونية، هي درك جديد من التعفن والعار.

لعل المعلومات التي ستطرح أدناه ستساعد في فهم خطورة الموضوع. فللافكار التي يقترحها الوزير شمير يوجد اسم في القانون الدولي. وفي واقع الحال في القانون الاسرائيلي ايضا. وهي تسمى «جينوسايد» (قتل شعب). ليس بشكل غير مباشر، ليس بالاعمال الذكية بل من خلال تفسير يساري كريه. ولكن بالدقة، بالصراحة وبالتفصيل. ميثاق الامم المتحدة لمنع الجينوسايد والعقاب عليه، والذي وقع واقر ايضا من دولة اسرائيل يقرر تعريفا لاصطلاح «جينوسايد». كما ان في اسرائيل سن قانون مواز في 1951، تبنى هذا التعريف نصا (مع خطأ صغير في الترجمة وبرأيي بلا نية مبيتة). ويقضي الميثاق بان بين الافعال التي تعتبر «جينوسايد» تجاه مجموعة عرقية، قومية، اثنية أو دينية، (او الترويج لتنفيذها) يوجد ايضا ما ورد في المادة دي 2: «تحديد وسائل نيتها منع الولادة في داخل المجموعة».

وفي سوابق المحكمة الجنائية الدولية تقرر أيضا بان فرض القيود على الزواج، على سبيل تقليص الولادة، هو احد تلك الاساليب المرفوضة. هكذا بكل وضوح. وكأن الوزير شمير قرأ الميثاق وبنوده وقرر العمل حسب كل ما هو محظور فيه (ومن المجدي جدا لبنيامين نتنياهو ايضا أن يراجع بكامله تعريف اصطلاح «جينوسايد» في ذاك الميثاق. ومضمون له أن يبدأ بحركة غير مرتاحة في كرسيه.)

وشيء آخر: حسب القانون الاسرائيلي، فان المدان بالفعلة التي تقع ضمن تعريف «الجينوسايد»، حكمه – الموت. ولكن السيد شمير لا حاجة له لان يقلق. ففي اسرائيل، والحمدلله، لم يعد حكم الموت في المحاكم. ولا يوجد الا خارج اسوارها فقط.

هآرتس 

حرره: 
س.ع