حرب غزة كشفت فشل جهاز المخابرات الاسرائيلية

غزة

في الوقت الذي امتلأت فيه الكنيست برجال المخابرات السابقين، منتفخي الصدور وهزيلي العقول، قال عنهم احمد الطيبي الجملة الحكيمة التالية: «رجال المخابرات الذين يخرجون يشكلون خطرا على أمن اسرائيل. ما أن يفهم العرب مع من يتعاملون، سيكفون عن الخوف».

والله، انه محق. كان هذا صحيحا في حينه، ولشدة الاسف صحيح اليوم ايضا. ففي اثناء حملة الجرف الصامد وبعدها رأوا في المخابرات بعيون تعبة كيف تسجد وسائل الاعلام للجيش الاسرائيلي. فقد امتلأت البلاد بقصص البطولة: بطولة القادة وبطولة المقاتلين. بطولة الشهداء وبطولة الجرحى، بطولة العائلات وبطولة الاستخبارات. اما جهاز الأمن العام «الشاباك» – المخابرات فقد بقيت في الظل، والظل اتعبهم. أما الانكشاف، كما اقنع كبار مسؤولي المخابرات أنفسهم، فسينفع في رفع المعنويات في الجهاز ويكثف مخزون المجندين. وأخيرا سيكون لنا أيضا تقرير صحافي عن صورتنا؛ اخيرا سيتحقق العدل التاريخي. وتاج المجد سيوضع على الرؤوس الصحيحة، رؤوسنا.

لقد عولوا على الافضل – برنامج «عوفدا» (دليل) الذي تقدمه ايلانا دايان. وقد بث التقرير مساء يوم الاثنين. وانتهى هذا أمس بلقاء مهين لدى رئيس الوزراء، وببيان مهين اضطر رئيس المخابرات يورام كوهين على اصداره. ذهب المجد، وبقيت الفضيحة.

السؤال هو ما الذي حصل بالضبط في عملية الاعداد للتقرير لن يبحث فيه هنا. يكفي ان أقول أن كبار مسؤولي المخابرات تصرفوا هنا كالهواة، باهمال وفي بعض النقاط الاساسية بانعدام المصداقية وانعدام العقل. هذه الجماعة ممن يتباهون بانهم يعرفون كيف يخدعون كل حماسي في غزة، سقطوا تباعا امام الكاميرا. وهم يحملون المسؤولية لجهاز التحرير التلفزيوني، للمذيعة، للدراما، ويروون عجائب وروائع عن المقاطع التي قيلت ولم تبث. فهم لم يعرفوا، اولئك المساكين، الى ماذا يدخلون. شفقتنا عليهم.

لقد تبنى جهاز المخابرات شعاره من فقرة في كتاب القضاة: «يحمي ولا يرى «. وهذه القضية المحرجة تتلخص بشعار معاكس: «يرى ولا يحمي». ولست أنا وحدي أقول هذا. يقول هذا ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي؛ يقول هذا رجال مخابرات.

يدور الحديث عن مسألة ذات مغزى أكبر من تقرير صحافي. بين رئيس شعبة الاستخبارات «أمان» في فترة الحملة، أفيف كوخافي، ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» يورام كوهين ثار جدال عن اسباب المواجهة العسكرية في غزة. فقد ادعت «أمان» بان حماس لم ترغب في المناوشة: بل انها تدحرجت اليها. كما ان هذا كان هو تقدير «الشاباك» حتى نهاية 2013. وقد بدأ «الشاباك» بتغيير تقديره في كانون الثاني، بصوت خافت، وشدده بالتدريج في الاشهر التالية. في نيسان اتفق الجيش الاسرائيلي و»الشاباك» على وجود خطر بعملية «استراتيجية» في تموز، عبر الانفاق. واستعد الجيش، ولا سيما في جنوب غلاف غزة. الى هناك أدت الاخطارات.

عودة الى كانون الثاني. في ذات الشهر نشر «الشاباك» في اطار المعلومات الجارية لديه، اقتباسا جاء على لسان رجل من حماس في مستوى غير عالٍ، ادعى بانه يجب الاستعداد لهجوم تنفذه حماس في تموز. وضم «الشاباك» الى المعلومة تحفظات حول المصدر ومصداقيته. وقال لي مصدر في «الشاباك» هذا الاسبوع وكرر وقال، ان المؤشرات على التغيير في موقف حماس كانت «ضعيفة»، لم يعطوا لها في «الشاباك» وزنا كبيرا، وبالاساس لم يكن في كانون الثاني أي اخطار من جانب «الشاباك» بحرب، بمعركة، باشتعال كبير. فلماذا إذا كان كذلك زعم في البرنامج بانه كان هناك اخطار؟ سوء فهم. هذا هام، لان مفهوم «الاخطار» هو جزء من الـ»دي.ان.ايه» خاصتنا، جزء من صدماتنا الوطنية. عندما نسمع عن اخطار الحرب فاننا نفكر بقصور يوم الغفران. وعلى الفور يرتسم لنا رئيس «أمان» في صورة ايلي زعيرا الذي يمنع نبأ عن حرب مقتربة، وأنفاق في شكل اجتياز القناة، مع قرابة 3 الاف مقاتل سقطوا فيه.

غير أن ماذا؟ لم يكن اخطار، لم توقف معلومة، لم يكن اجتياز ولم تكن حرب، فقط حملة محدودة على طول خط الحدود. الانفاق كانت مشكلة مقلقة، لم تعالج على نحو سليم، وفي بعض الحالات تسببت بقتل جنود، ولكن من هنا وحتى يوم الغفران المسافة كبيرة.

 

يديعوت