تحقيق يكشف: محامص في رام الله تستخدم مادة الشيد المسرطنة

مادة الشيد

تحقيق: نادين جاد مسلم

زمن برس، فلسطين: كثيراً ما يلفت انتباهنا عند زيارة المحامص في رام الله، حجم ولون البزر الأبيض(بزر القرع)، فنجده أكبر حجما وأكثر بياضا من بزر القرع الخام، ولكن لو تساءلنا عن سبب هذا البياض والحجم الكبير لوجدنا أنه ناتج من مادة الشيد الابيض والذي يعتبر من المواد الكيماوية الخطرة، وقد يسبب على المدى البعيد التهابات وانسدادا في الأمعاء الدقيقة وأمراض الكبد والكلى وفقاً لدراساتٍ علمية.

بين المد والجزر 
الدكتور أسامة صلاح، أمين عام المجلس الطبي الفلسطيني سابقا والمختص بالتغذية العلاجية والصحة العامة قال، "إن الشيد مضر جداً بالصحة، فالمكسرات بشكل عام لها فوائد كبيرة، وعند اضافة مواد كهذه عليها فإنها تفقد قيمتها وتصبح ضارة، وان كانت تعطيها شكلا أجمل أو وزن أكبر، ومن ناحية طبية فهي ضارة، فأي شيء لم يخلق للأكل لا يؤكل ولا يجوز وضعه في الأكل".
وأضاف د.صلاح ان "الشيد كمادة كيميائية بيضاء تتكون من مركبات الكالسيوم التي تبيض بزر القرع، وفي ذات الوقت لها القدرة أيضا على تبييض الأمعاء، ويظهر ذلك لدى الأفراد الذين يتناولون هذا النوع من البزر أكثر من غيرهم، اضافة إلى تأثيره الكبير على الأطفال الذين يتناولون الحبة كاملة دون تقشير.
وفي نفس السياق تحدث صلاح عن قلة وعي المستهلك وثقافته الغذائية والصحية ومسؤوليته اتجاه صحته، بالاضافة الى مسؤولية المؤسسات الرسمية، سواء وزارة الصحة وما عليها من مسؤوليات الرقابة، ووزارة الاقتصاد وما تحمله من مسؤوليات الاستيراد والتصدير ووزارة التعليم ومهمتها في التوعية والتثقيف.

وأشار صلاح الى زيادة انتشار الأمراض السرطانية والأمراض المزمنة والذي يعد مصدرها الأساسي الأسمدة والمواد الكيميائية والصناعية التي يتم وضعها في الأغذية.
وتشير الاحصاءات الى أن مجمل استهلاك المكسرات في الضفة والقطاع تزيد عن 12 الف طن سنويا حسب جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني.
معلومات مفبركة
وخلال مواجهتنا لأحد أكبر محامص رام الله حول استخدامهم لمادة الشيد، أجاب أحد العاملين س.ع، "ان حبة البزر تكون خفيفة وذات لون أصفر قبل إضافة مادتي "النشا والملح" اليها أثناء عملية التحميص، وفي مقاطعة من زميل له في الحديث قال بأننا نضيف مادة الشيد وليس النشا أثناء عملية التحميص، فجأة قام س.ع بايقافه عن الكلام بسبب وجود مسجل الصوت؛  وطلب منا امهالهم بعض الوقت للتشاور فيما بينهم والاتفاق على اجابة لاعطائنا إياها.
لم نسمح لهم بالحديث الجانبي وأجبرنا العامل على إكمال حديثه دون الاكتراث لنظرات وكلمات س.ع ومحاولاته المتكررة لمنعه من الكلام، وعند سؤالنا عن كمية الشيد التي يتم وضعها، أجاب بسؤالنا ما إذا كان اسم المحمص سوف يذكر في التقرير، ثم أجاب:" البزر الأبيض هو النوع الوحيد الذي يأتينا جاهزاً من مدينة الخليل ونحن لا نقوم بتحميصه".
أثار ارتباك العمال حفيظة مدير الفرع ما دفعه للحضور والاستفسار عن موضوع تقريرنا ولأي جهة تابع موضحا بأنه لن يفيدنا بشيء، وطلب منا الذهاب الى المحمص الذي يحضرون منه (البزر الأبيض) في نفس المدينة(رام الله)، معارضا بذلك ما قاله العامل عن مصدر البزر.
الا أن العامل قاطعه مشككاً بمعلوماته وقال له" بأن هذا النوع فقط من البزر يتم احضاره من الخليل فكان رد رئيس الفرع بأن ليس لديه معلومات كافية يفيدنا بها". وأجمع العاملون ومدير الفرع بأن محمصهم لا يقوم بإضافة الشيد الى البزر لأنه مضر بالصحة ويسبب المشاكل مؤكدين عدم مسؤوليتهم حول إضافة الشيد الى البزر.

الشيد وأمراض الكلى
أحد أهم الأسباب التي تعيق الوصول الى حالات مرضية سببها مادة الشيد في المكسرات، هو الآثار السلبية التي تظهر على المدى البعيد.
الدكتور سعيد مصطفى المتخصص في جراحة المناظير وزراعة الكلى بين أن من أهم الاعراض السريعة الظهور هي الحصوة، والتي تنتشر بكثرة في مدينة الخليل بسبب استخدام الاهالي هناك لهذه المادة في صناعة الدبس.. وبالتالي تظهر الحصوة عند تشخيص المريض، الأمر الذي يؤكد وجود مضار لهذه المادة عند تناولها، فوجود الشيد الابيض في البزر سيؤدي الى مشاكل أكيدة في المستقبل .

1.66 % نسبة الشيد
تم أخذ العينات من أكبر المحامص في مدينة رام الله،  واللذين يشهدان اقبالا كبيرا من المستهلكين، ومعروفان بسمعتهما الجيدة بين المواطنين، وتم اجراء الفحوصات المخبرية في مختبرات جامعة بيرزيت وهي مختبرات مستقلة في عملها وتمويلها ومعترف بها من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس، وظهر في نتيجة العينة الأولى ان هناك استخداما واضحا لمادة الشيد وبكميات كبيرة وصلت الى 1.66% وهذه النتيجة صدمت العامل المخبري كدليل واضح على سلبيات استخدام الشيد، بينما ظهرت تحاليل العينة الثانية نسبة 0.112% من مادة الشيد وكانت هذه النتيجة تاكيداً على كذب أصحاب المحامص الذين قابلناهم، حيث أنكروا استخدام مادة الشيد المسرطنة على المدى البعيد.

تلاعب علني بالأوزان
تضاف مادة الشيد الى البزر عن طريق وضع كمية من الشيد في كوب ويتم اضافة الماء الى الكمية ثم توضع على البزر أثناء عملية التحميص ويتم ذلك في مناطق القدس ورام الله .
قال م.ش نجل أحد أصحاب المحامص، والذي يعمل في المحمص، بأنه يتم اضافة مادة الشيد الى البزر بنسبة معينة تتناسب مع كمية البزر، لأن هذا النوع من البزر لا يزن شيئا مهما كانت كميته، فيتم اضافة الشيد لاعطائه الوزن وليظهر بلون أبيض ناصع مؤكدا بأن هذا النوع من البزر (البزر الأبيض) أكثر أنواع المكسرات التي يضاف اليها الشيد.

الاستغلال حاضر.. والوعي غائب
التاجر هيثم كراجة الذي افتتح مؤخرا محمصا، لم يكن لديه معلومات كافية عن طريقة تحضير البزر الأبيض الذي اعتاد عليه الناس، فكان يقوم بوضع الماء والملح على البزر ومن ثم تحميصه وتسويقه، لكنه لم يجد أي اقبال على البضاعة لأنها ليس بالشكل الذي اعتاد عليه الأفراد في المحامص الاخرى فكان لونه أصفر وحبته صغيرة.
فعندما استفسر كراجة عن الموضوع اكتشف قيام المحامص بوضع مواد كيميائية كالجبص(الشيد) على البزر لزيادة حجم الحبة ووزنها واعطائها اللون الابيض الناصع فوجد أن الزبائن يركزون على الشكل والمظهر ويهملون القيمة الصحية.
وأكد كراجة على أن وزارة الصحة تقوم بدورها في منع العمل بهذه المادة وتقوم بمحاسبة أي محص يقوم باستخدامها، وأشار الى أن هذه القضايا تتم داخل المخازن والمحامص بأوقات خارج أوقات الدوام .

وزارة الصحة.. تلاعب في القرارات
علق نادر برهوش رئيس قسم الحرف والصناعات في وزارة الصحة على موضوع إضافة الشيد الى البزر الابيض بأن استخدام مادة الشيد ممنوع ليس فقط في المكسرات انما في جميع المواد الغذائية معلقا أن وزارة الصحة تقوم بدورها في عملية الرقابة على جميع المصانع خصوصا الغذائية منها والتي تعتبر المصانع من ضمنها على حد قوله، وأشار الى أن مصطلح رقابة لا يحدد نوعا أو صنفا معينا من الأغذية الا في حالة حدوث مشكلة، فيقوم مسؤولو الصحة بجولة على المصانع المدرجة أسماؤها لديهم، فتتم عملية الرقابة أولا على انشاء المصنع وعلى الشروط الصحية داخل المصنع قبل بدء الانتاج للتأكد من توافر الشروط الصحية للعمل.
ادعى برهوش بأن هناك نوعين من الشيد، نوعا يستخدم في البناء والنوع الاخر مسموح استخدامه في الغذاء بكميات ونسب معينة،  فهي تضاف للبزر الأبيض بهدف التبييض وزيادة الوزن وهذا يرجع الى النواحي التسويقية التي يقوم بها التجار، وأشار الى انه ليس هناك إثبات حتى الآن ما اذا كان هناك اضافة للشيد أم لا، لأنه لم يتم أخذ عينة لفحصها حتى الآن بسبب عدم وجود مراكز مختصة لذلك، وأضاف بأنهم غير قادرين على فحص جميع المصانع لأن المختبر لديهم مبتدئ على حد تعبيره، ولا يستطيع اجراء الفحوص اللازمة على المواد الغذائية،  وأوضح بأنه في حال اثبات استخدام هذه المادة في أحد المحامص فسوف يكون هناك عقوبة، اضافة الى إغلاق المحمص وعرضه على القضاء اذا كان الفحص فحصا مخبريا مرخصا. مطالبا ايانا تزويد الوزارة بنتائج التحليل كي تقوم باتخاذ الاجراءات اللازمة.

تنصّل من المسؤولية
أجاب مدير مؤسسة المواصفات حيدر حجة عن سؤال ما اذا كانت هناك وصفة خاصة ومعايير للاضافات التي يتم وضعها على المكسرات بشكل عام وبزر القرع خاصة بأن هناك وصفة لكل انواع البزر والمكسرات،  وهناك اكثر من 7 صفحات لهذه الوصفة التي تحدد بناء على عمر البزر وبأي فصل تم قطفه ولونه وحجمه ورائحته ووزنه... وتتحدث جميعها عما اذا كانت هناك اي مواد كيماوية او اي شيء تم اضافته للبذور، وحسب هذه القوانين والمواصفات يسمح اضافة مواد للبزر لكن يشترط ان تكون صحية (تؤكل) ومصرح باستخدامها في الاغذية اضافة الى اشتراط تأكد خولها من الشوائب.
ويتم اجراء الفحص عليها ( التحليل الميكروبي) للتأكد من خلوها من الميكروبات وأي نوع من التلوث.

وأشار حجة بأن مسؤولية متابعة المحامص والمحلات ومراقبتها تكون من مهام وزارة الصحة لأن المكسرات مادة غذائية والرقابة عليها تعود لوزارة الصحة.  لكن بشكل عام حسب المعايير الموجودة لدى مؤسسة المواصفات والمقاييس يشترط أن تكون مادة صحية.

بالفحوصات عادة يتم فحص درجة الحامضية والحموضة لهذه المكسرات، لضمان عدم استخدام مواد مضافة اكثر من الحد الذي يستحمله جسم الانسان حسب ما وضح حجة.

وعن مدى تطابق المكسرات الموجودة في الاسواق مع الوصفة الصحية قال حجة يتم كشف ذلك عن طريق الفحوصات التي تقوم بها وزارة الصحة وحمل مسؤولية ذلك لصحة البيئة في وزارة الصحة.

وأكد حجة أنه في حال وجود مادة مثل الشيد ويتم استخدامها في تحميص المكسرات فإن ذلك مخالف للقوانين، وبالنهاية قال بأن من مسؤولياتهم وضع المعايير والقوانين والمساعدة في تطبيقها.

من جهته، قال رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، إن القضية أثيرت منذ عام واختلفت وجهات النظر حول مدى الخطورة التي تشكلها على جسم الانسان، مضيفاً أنه تم اجراء فحوصات في مختبرات الجامعات، كما أكدت وزارة الاقتصاد الوطني انها تسبب اضرارا صحية في حالي تراكمها في جسم المستهلك، وأشار هنية الى أن غالبية المحامص لا تستخدمها فقلل من متابعة القضية.

وأوضح هنية أن بعض المحامص الصغيرة تستخدمها من أجل زيادة الوزن وزيادة صلابة البزر وزيادة جاذبيته للمستهلك من أجل تسويقه.

وقالت أمين سر جمعية المستهلك التي تابعت القضية رانية خيري، إن الجمعية تابعت القضية مع جمعية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني قبل عام بعد تلقيهم شكوى حول القضية، مضيفة أن المادة تسبب أمراض الكلى والكبد اذا ما تناولت بشكل مستمر لعدم قدرة الجسم على التخلص منها.

وأكدت انه لم يتم اتخاذ أي اجراء قانوني بحق المحامص التي تستخدم هذه المادة من قبل الجهات المختصة في وزارة الصحة أو وزارة الاقتصاد الوطني، وأشارت الى أن حماية المستهلك يقتصر دورها على الرقابة وحث الجهات المسؤولة على متابعة القضايا التي تشكل خطر على حياة المستهلك، وتوعية المواطنين.

حرره: 
م.م