واشنطن وتابعاتها ضد "المهد"

وإن جاء الأمر متأخراً، فقد قرر ممثلو الدول في "اليونسكو" المجتمعون في بيترزبورغ الروسية، تثبيت كنيسة "المهد" مقصد وطريق الحج المسيحي، على قائمتها المعتمدة، للمواقع ذات التراث العالمي، أي في مكانها الطبيعي وهي إيقونة ثقافية وروحية بـمنظمة "اليونسكو" وبدونها. وكان شائناً ومخزياً، أن يصوّت مندوبا أمريكا وإسرائيل، ضد هذا الإدراج الطبيعي للموقع الأهم على خارطة الإيمان المسيحي، في لائحة مواقع أخرى، أقل تراثاً وعالمية، بذريعة أن الإدراج سوف يُستغل سياسياً، من قبل الشعب الذي كان "المهد" على أرضه! * * * في موازاة إدراج "المهد" على قائمة التراث الإنساني العالمي، كان هناك قرار إدراج آخر يمنح إسرائيل صفة احتضان مواقع تراثية عالمية أخرى، هي مجموعة الكهوف الكنعانية، في النقطة الشمالية من مثلث جبل الكرمل، التي سكنها البشر في العصر الباليوثي (الحجري القديم) وهي المواقع التي تحمل أسماءً عربية كالطابون والواد وجمال، الشاهدة على انتقال الإنسان من مرحلة الصيد البدائي والتوحش، الى مرحلة الزراعة وتربية الحيوانات الداجنة. كان من الظلم والتدليس ذي الإيحاء السياسي، أن يُصار تجيير تاريخ في الكرمل لإسرائيل. وهو تاريخ أسهمت مدافن الجبل الفلسطيني، في ترتيب مراحله ووضع مواقيته! في بيت لحم، لم يتعرض "المهد" منذ أن بات كنيسة بناها الإمبراطور قسطنطين (في العام 335م)؛ لأي أذى من العرب أو من الفلسطينيين، أو من المسلمين بعدئذٍ. ولم تستخدم أهمية الكنيسة لتعزيز موقفنا في حلبة السياسة. وتعمد الفلسطينيون تنـزيهها دائماً. وتروي الوقائع التاريخية، أن "المهد" تعرضت للتدمير مرات عدة. في المرة الأولى، دمرها اليهود السامريون الأقدمون، بعد نحو قرنين من بنائها. ثم تعاقب الروم والفرس على تدمير معظمها، مرة على يد هرقل عندما طرد الرومان، ومرة على يد الفرس الذين هدموها جزئياً، وأبقوا على بعضها لأنه يحمل بعض الرسوم والفنون الفارسية الساسانية. أما في العصر الإسلامي، فلم تواجه "المهد" خطراً، إلا من الصليبيين أنفسهم، الذين اتخذوا منها في بعض الأوقات مركزاً لإدارة عملياتهم الحربية. لكن المسلمين، حافظوا على "المهد" وفي سياق ديبلوماسيتهم على مر القرون، أتاحوا لكل الرهبان من كل المذاهب المسيحية، إقامة تمثيل لهم في داخل الكنيسة وفي أديرة القدس. وتعددت الزوايا في "المهد" واحتضن المجتمع الفلسطيني ممثلي الأمم المسيحية وكنتها وقساوستها، من أرمن وأقباط وسريان وسواهم من ممثلي الأمم الكاثوليكية والبروتستانتية. ولم تتأثر الحميمية الفلسطينية، في أية مرحلة، سلباً بمواقف الدول الاستعمارية المتوطئة مع الصهيونية. اليوم، تتذرع واشنطن وإسرائيل، بالتوظيف السياسي الفلسطيني المفترض، لإدارج "المهد" في لائحة مواقع التراث العالمي، علماً بأن إدراج كهوف الكرمل، في اليوم نفسه، ضمن اللائحة، وتجييرها للتراث الإسرائيلي؛ هو الذي يمثل توظيفاً سياسياً بامتياز. لكن جوهر الموقف الأمريكي، مثلما هو في كل شأن، يعكس عداءً قبيحاً للسلام، وللتحقق الوطني الفلسطيني، مثلما ينم عن جفاء حيال "المهد" وإنكاراً للحقائق على الأرض، ومروقاً على القيم المسيحية وتراثها، وعناداً حيال السياق الطبيعي للتاريخ وللحق والعدالة! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com .