"الأطفال غير الشرعيين ومجهولي النسب"..أسماء وهمية وقصص طي الكتمان

أطفال غير شرعيين

سماح عرار

(خاص) زمن برس، فلسطين: "منذ ثلاثة عقود اضطررت للمكوث في المشفى لسوء وضعي الصحي، وفي أحد الأيام أتى إليّ الطبيب وبين ذراعيه طفل صغير جميل وأشقر ذو وجه مسطح.. اقترب الطبيب مني وقال:" ما رأيك يا خالة أن تأخذي هذا الطفل وتكسبي أجرًا في تربيته؟، فسألته أين والدته؟ قال: لا نعرفها لقد وجدناه بالقرب من حاوية المشفى، أجبت الطبيب:" والله يبني عندي 8 ولاد وبنت .. خلفتي يا دوب قايمة فيهم، الله يبعتله عيلة بحاجة إله".
هكذا روت لي جدتي قصة الطفل الجميل المجهول، أتذكر جيدًا كمّ الأسئلة التي طرحتها عليها حول السبب في تخلي الأم عن طفلها؟ وحول ماذا حصل معه؟ هل توفي أم عثرت عائلته عليه؟ أم أخذته امرأة كانت في المشفى وكانت بحاجة إليه ؟ لمت جدتي على فعلتها، وقلت في نفسي "ما أقسى قلبها، ما الذي سيفرق لو أخذته؟!" .. كنت صغيرةً لذلك كنت أعتقد أن الأمور بتلك السهولة!.

هذه حالة حصلت في الماضي وهناك حالات تسجل كل عام ضمن فئة الأطفال مجهولي النسب "اللقطاء" والأطفال غير الشرعيين، وهي حالات ليست بالقليلة، رغم أن الحديث عنها قليل، وربما لا نجد مرجعاً أو إحصاءً دقيقاً نُشر عن هذه الفئة في مجتمعنا، نظراً للاعتبارات الاجتماعية التي تتحكم بشكل كبير في كل ما يتعلق "بالأطفال غير الشرعيين"، سواء في أعدادهم أو آلية رعايتهم.

الشؤون الاجتماعية

قال محمد القِرم رئيس قسم الأسر الحاضنة في وزارة الشؤون الاجتماعية:" إن عدد الأطفال مجهولي النسب وغير الشرعيين بلغ 31 طفلًا منذ عام 2012 ولغاية إعداد هذا التقرير" مشيراً إلى أن البدء بتوثيق هذه الحالات، كان عام 1994 لكنها أصبحت دقيقة في السنوات الأخيرة فقط".

القرم نوه في حديثه مع زمن برس إلى وجود فرق ما بين الطفل "مجهول النسب" والطفل "غير الشرعي" قائلاً:" الطفل مجهول النسب غير معروف الوالدين، أما الطفل غير الشرعي هو المولود نتيجة علاقة غير شرعية ويكون الأب أو الأم أو كلاهما معروفين.

وأضاف قد تكون والدة الطفل :"عزباء، أو متزوجة، أو أرملة، أو مطلقة، تنجب هذا الطفل نتيجة علاقة غير شرعية إما مرغمة أو مجبرة".
وتابع  قد يكون الطفل نتيجة عن جريمة "سفاح القربى" وهي علاقة جنسية كاملة غير شرعية بين شخصين ينتج عنها الطفل واعتبرها القِرم من أصعب الحالات".

كيف تتابَع حالة "الطفل غير الشرعي أو مجهول النسب؟

وعن آلية متابعة الطفل من قبل الوزارة قال القرم: "عند العثور على الطفل تقوم الشرطة بإبلاغ النيابة العامة والتي تبلغ الشؤون الاجتماعية ويتم نقل الطفل إلى أقرب مركز صحي، وتقوم النيابة العامة بفتح تحقيق في القضية وإصدار قرار بتسليم الطفل للوزارة، وإبلاغ وسائل الإعلام بواقعة العثور على الطفل إن رغبت".

وأشار القرم إلى" أن وزارته تقوم بمتابعة الطفل في المركز الصحي ثم تفتح ملف للطفل باستلام قرار النيابة ونقله لمؤسسة رعاية ومتابعته داخل المؤسسات وتعبئة تبليغ الولادة الخاصة بالطفل وتحويل نسخة من الملف إلى وزارة الداخلية لتسجيل الطفل في السجل المدني".

وعلل القرم السبب في قيام وزارته بكل تلك الإجراءات بالحرص على عدم اختلاط الأنساب، فكل طفل أو طفلة يصدر لهما شهادة ميلاد ورقم هوية، كما قال.

الإجراءات التي تتم في حال العلم بوجود طفل غير شرعي أو مجهول النسب

قال القرم:"إذا كانت الأم عزباء أو مطلقة أو أرملة أو متزوجة والإنجاب من غير الزوج، وفي حال تبين للمستشفى بأن الحمل أو الولادة غير شرعية يتوجب عليها إبلاغ الشرطة أولاً ومن ثم الشؤون الاجتماعية، وفي حال علمت الشؤون بوجود حالة حمل أو ولادة لطفل غير شرعي يتوجب عليها ابلاع الشرطة من أجل توفير الحماية للأم والطفل وفتح ملف بالحالة".

ونوه القرم إلى أنه وفي حال وفاة الطفل غير الشرعي فإنه يتم استصدار شهادة ميلاد ووفاة له كأي شخص آخر.

وبخصوص مؤسسات الرعاية تحفظت وزارة الشؤون على ذكر أسمائهن معتبرة بأن ذلك قد يحدث بلبلة لما له من اعتبارات اجتماعية، واكتفت بالقول إن هناك 4 مؤسسات رسمية في فلسطين مؤهلة للاهتمام بهذه الحالات وتحت السرية التامة وتشرف عليها وزارة الشؤون باستمرار.

وفيما يتعلق بما توفره تلك المؤسسات قال رائد نزال مدير دائرة الطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية :"إن وجود المؤسسات لا يكفي، لأن الطفل مهما حاولت المربيات الاهتمام به، لن يحصل على ما يحتاجه من عطف وحنان، الأكل والملبس ومكان يسكنه الطفل ليس كافيًا، فكلما كبر الطفل في العمر أصبح يدرك بأنه مختلف عن الآخرين ويبدأ يكتشف نفسه وهويته ويبحث عن عائلته ويسأل عنهم، هنا تكون المهمة الأصعب".

محاولات استراداد

وعن التجارب الناجحة في محاولة الأهل استرداد أبنائهم قال نزال:" هناك حالات ولكن طبعا يكون ذلك وفق الأصول ووفق الإجراءات التي تطلب منهم لإثبات صحة ادعائهم.

وأضاف نزال خلال حديثه مع زمن برس:" نحن نتمنى أن يأتي أهالي كل الأطفال لأن المؤسسات مهما حاولت اعطاء الطفل كل ما يحتاج لن تكون كما العائلة الحقيقية وأقل ما فيها أن لا يكون مجهول النسب وهي أكبر معضلة".

اختلاط الأنساب يدفع لتحريم التبني

وجاء رأي رجال الدين الإسلامي والمسيحي من قضية تبني طفل "مجهول النسب أوغير شرعي" بالتحريم وذلك حفاظًا على الأنساب. 

وقال أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة الشيخ جمعة حمدان:" إن الدين الإسلامي يحرّم التبني بمعنى أن ينسب الطفل مجهول النسب أو غير الشرعي إلى هذا الرجل والمرأة، فالله سبحانه وتعالى قال:[ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ] فلا يجوز شرعًا أن ينسب هذا الطفل لهذا الرجل لأنه أجنبي".

وأضاف الشيخ حمدان في حديثِ لزمن برس: بأن الدين الإسلامي يجيز الـ"كفالة" وهي أن تقوم أسرة بالإنفاق على هذا الطفل ورعايته وتعليمه وعلاجه دون أن تنسبه إليها". 

وتابع أستاذ الشريعة :"الأصل أن تتبناه الدولة وتقوم برعايته والمحافظة عليه وتعليمه وتربيته التربيه الصالحة".

وقال الأب يوسف سعادة راعي كنيسة الروم الكاثوليك بنابلس في حديث مع زمن برس :"ما ينطبق على المسلم ينطبق علينا فالكنسية تُحرِّم ارتكاب الزنا بكل أشكاله والذي بدوره قد يؤدي إلى انجاب طفل بريء لا حول له ولا قوة، هذا الطفل الذي يحمل عقدة الذنب تجاه خطأ ارتكبه ذويه".

وأضاف:" الطفل لا يتحمل وِزر ما اقترفه والداه أو من قاما بالجريمة والتي نتاجها سيؤثر على عقلية الطفل ونفسيته، و كلما كبر الطفل فإن "عقدة الذنب" ستطارده مع أن لا علاقة له بها سوى أنه كان نتاج علاقة غير شرعية محرمة بين رجل وامرأة ربما تكون عزباء أو أرملة أو مطلقة أو ربما يكون نتاج "سفاح قربى".

وحول موضوع التبني قال الأب سعادة:" إن موضوع التبني في الكنسية غير مسموح نحن كما الإسلام ولكن يمكن لعائلة أن تربي الطفل لكن شريطة أن يكون العائلة على دين وخلق وتحفظ كرامة الطفل وتخبر الطفل مستقبلا بحقيقته ولكن بطريقة لا تؤثر على نفسيته ولا تنقص من كرامته".

ما بين الدين والقانون ..البحث عن اسم لتفادي "الصدمة"

وقالت مدير عام الشؤون القانونية في وزارة الشؤون الاجتماعية خلود عبد الخالق :" إننا في الدائرة القانونية نحاول بذل الجهد في العثور على ذوي الطفل غير الشرعي ومجهول النسب ويبقى الملف في إطار الشرطة والنيابة لحين إغلاقه".

وتابعت عبد الخالق:" هناك إجراءات قانونية يجب أن نركز عليها وهي مرور ثلاثة شهور على عمر الطفل في الشؤون الاجتماعية من أجل إثبات ديانته، فهناك أمهات حريصات على إثبات ديانة أطفالهن كوضع مصحف بجانبه أو وضع الطفل في كنيسة".

أما فيما يتعلق بإجراءات الاحتضان وفق نظام "الأسر الحاضنة" قالت مدير عام الشؤون القانونية:" هناك أسر تقدم طلب احتضان طفل مجهول النسب (غير معروف الأب والأم) أو طفل غير شرعي (معروف أحد أبويه نتيجة لعلاقة خارج إطار الزوجية أو سفاح القربى)، هنا يكون دورنا حفاظًا على مصلحة الأطفال الفضلى بأنهم لا يجب أن يبقوا في المؤسسات ويجب الحفاظ عليهم في أسر حاضنة؛ حتى يتم منحهم الحق الأدنى من الحياة".

وتابعت :"نقوم بعمل فحص للأسر المتقدمة للطلب، وندرجها على قائمة الانتظار للموافقة، يتم منحها الطفل فق اجراءات ترغيبية ما بين الأسرة والطفل الموجود على القائمة وتبدأ ما بينهم الزيارات والمودة والألفة".

وعن الخلافات التي يتم طرحها في وسط "الأسر الحاضنة" أضافت عبد الخالق:"يقال بأنها غير قانونية لكن هي شرعية بنفس الوقت تشكل إشكالية حقيقية في الإسم الذي يمنح للطفل، فقانون الأحوال المدنية أجاز استخدام اسم وهمي، أما الشريعة الإسلامية تقول إنه لا يجوز التبني.

ونوهت عبد الخالق إلى وجود إشكالية حول تفهُم المجتمع المحيط لهذا الطفل، فكلما يكبر الطفل ويذهب إلى المدرسة يبدأ بالانتباه إلى الاختلاف ما بين إسم الأب الموجود في شهادة ميلاده وبين إسم الأب المحتضن، والذي يعتبر شرعي ولكن يشكل مشكلة حقيقية للأسر الحاضنة والطفل".

وأشارت: "فتحنا في الشؤون الاجتماعية نقاشًا واسعًا مع دار الإفتاء؛ من أجل الحصول على فتوى شرعية بما لا يتعارض مع الدين، وفيها قد يمنح الطفل اسماً شبيهاً بهذه الأسرة الحاضنة مع قطع النسب من الإسم الثلاثي من خلال اللعب بإسم الجد أو اسم الأب".

وأضافت :"نحن مقتنعون بأن الهدف من"الإسم الوهمي" قطع النسب حسب سجل الأحوال المدنية...وقدمنا مذكرة قبل ما يقارب سنة إلى مجلس الوزراء من أجل إعطاء الطفل إسم عائلة المحتضن، ورد عليه مجلس الوزراء وأصدر قراراً بإعطاء الطفل اسم العائلة المحتضنة، ولكن حتى هذه اللحظة لم يتم تنفيذه، بسبب مخاوف بأن يتشابه اسم هذا الطفل مع اسم أحدٍ من العائلة".

وعن الحلول المقترحة من قبل الدائرة القانونية في وزارة الشؤون الاجتماعية قالت عبد الخالق:"حاليا نبحث عن حلول تنسجم مع المصلحة الفضلى للطفل كتغيير حروف من إسم المحتضن مثلا إذا كان إسم الأب المحتضن"محمود" يتم تسجيل الطفل بإسم قريب بتغيير حرف في الأسم كتسجيل والد الطفل "محمد"، وهنا عندما يقال للطفل لعمر معين بأنه خطأ مطبعي من الممكن أن يقتنع، وهذا لا يلغي دورنا في السعي إلى محاولة تبسيط شرح القصة الحقيقية للطفل ولكن بشكل غير صادم".

نحن كوزارة ملزمون بمتابعة الطفل حتى يكبر والمحاولة بافتعال القصص التي قد تؤجل معرفتهم بالحقيقة كي يكون أمر إعلامهم بالموضوع أقل حدّة وهذا ما اتبعته بعض العائلات ونجحت كأن تقول للطفل :"إمك وأبوك ناس محترمين وكانوا شهداء وإحنا أخدناك وربيناك، أو أهلك ماتوا بحادث سير واحنا أصدقاء أهلك وبنقربلهم" فهي قصص فيها منطق حتى نحاول أن نأقلم الطفل مع تلك الأسر، وكي نبعد أي حالة من الحالات في عمر معين عن الإقدام على ايذاء الذات كما فعل شاب من الخليل السنة الماضية، والذي انتحر بعد وفاة والده المحتضن، فقد قام "أعمامه" بصدمه بحقيقة أن العائلة التي يعيش بها ليست عائلته الحقيقية وكان سبب الصدمة هو محاولة العائلة حرمان الشاب من الميراث، والذي أوصل الشاب إلى الانتحار.

حالتان فقط سجلتا لدى الشرطة هذا العام

قال المتحدث باسم الشرطة المقدم لؤي ارزيقات:"إن الشرطة سجلت حالتين فقط هذا العام في كل من جنين ونابلس، ولم تسجل أية حالة في العام 2014".

وعن الاجراءات التي تتخذها الشرطة بخصوص أطفال مجهولي النسب وغير الشرعيين، فإن دورها يتركز في إحضاء الطفل وإبلاغ الشؤون الاجتماعي وبقية الجهات المختصة كوزارة الصحة والمحافظ وغيرها، إضافة إلى المهمة الرئيسية وهي البحث والتحري من أجل معرفة ذوي الطفل، كما أوضح ارزيقات في حديثٍ مع زمن برس.

الجانب النفسي للطفل "غير الشرعي أو مجهول النسب"

قال الخبير النفسي محمد براغيث إن الأطفال غير الشرعيين هم الأطفال الذين يأتون إلى الدنيا نتيجة علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة.

وأضاف براغيث" الحالة النفسية لهذه الفئة من الأطفال ليست كالحالة النفسية التي تكون لدى الطفل العادي الذي يعيش في جو دافئ وحنون بين والديه، وهم من الأطفال الذين يعانون من عقدة النقص، ويشعرون بأنهم أقل من غيرهم وخصوصًا عندما يعلمون بأن ليس لديهم أب أو أم وأنهم أتو بطريقة غير شرعية، ذلك يجعلهم أيضاً يعانون من العزلة والانطواء الاجتماعي والخجل".

وحول كيفية التخفيف من هذه الأعراض السلبية قال د. براغيث لـِ زمن برس:" إن ذلك يكمن في العمل على توعية المجتمع من خلال المؤسسات ذات الشأن بأن هذا الطفل لا ذنب له فهو ضحية ويجب أن نتعامل معه  في بعد تأهيلي شامل وليس بعد الهدم، ويأتي ذلك من خلال وضع الأطفال في مراكز خاصة للحصول على كل حقوقهم الكاملة، كي يذوبوا في المجتمع ولا يشعروا بالاختلاف، وهذه مسؤولية الدولة".

وفيما يتعلق بمدى تقبّل المجتمع لهؤلاء الأطفال كانت إجابات بعض من استطلعنا آراءهم حول مدى تقبلهم لفكرة ارتباط أحد أبنائهم بفتاة أو شاب "غي شرعي" منقسمة، حيث قال الشاب محمد غفري :" صعب الإنسان يقرر من بعيد بدون ما يصير الموقف حقيقي وواقعي، شخصيًا ما عندي مشكلة لأنه بهمني الشب أو البنت نفسو/ها وما بهمني إشي ثاني".

وأيدته في ذلك لورا صايج قائلةً :" نعم أقبل لأن الإنسان بأخلاقه وآدابه وتعامله مع الناس، مش بجيناته إللي هو ما إله أي خيار فيها".
وعلى الطرف الآخر، كانت اجابات رافضة، حيث قالت راية حمدان:" أنا لا أقبل، بالنسبة لي أهل الشب أهم من الشب نفسه"، ووافقتها الرأي سماح بشارات قائلة:" بكل شفافيه ومصداقيه .. لا" وعللّ عصام عطاطرة رفضه بقول :" العرق دسّاس مثل ما بيحكوا".

حرره: 
م.م