ماذا نريد من بوتين؟

بوتين

عاموس هرئيل

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيلتقي اليوم (أمس) في موسكو مع الرئيس الروسي بوتين في ظل ازدياد التدخل العسكري الروسي في سوريا. نشرت أمس صور القمر الصناعي الأولية من الموقع الجوي الذي تنشئه روسيا في منطقة الشاطيء العلوي في شمال سوريا بالقرب من اللاذقية، حيث وثقت ايضا طائرات قتالية متطورة من نوع سوخوي 30 (حسب رواية اخرى سوخوي 27).نتنياهو الذي ضم بشكل استثنائي رئيس شعبة الاستخبارات في هيئة الاركان، الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس الاركان في اللحظة الاخيرة، سيخصص جزء كبير من حديثه مع بوتين لمحاولة منع الاحتكاك المباشر بين إسرائيل وروسيا في الساحة الشمالية على ضوء الوضع الجديد.

وحسب اقوال خبراء في سلاح الجو الروسي فان المهمة الاساسية لطائرات سوخوي هي ضمان التفوق الجوي وليس الهجوم. هذه الحقيقة تؤكد فرضية أن روسيا لم ترسل قواتها إلى المنطقة لمحاربة تنظيم داعش فقط، بل يريد الروس تعزيز تواجدهم الحقيقي في سوريا. ومن اجل الدفاع عن المعسكر الذي يتم بناؤه سينشرون ايضا مضادات الطائرات والقوات البرية الصغيرة، الدبابات، والقاذفات والوحدات الخاصة، الامر الذي يُذكر بسلوك روسيا في الحرب في اوكرانيا.
اضافة إلى الرغبة في تقليص خطر الصدام بين الطائرات القتالية الإسرائيلية والروسية في سماء سوريا أو لبنان، فانه يمكن رؤية زيارة نتنياهو في السياق الاوسع على خلفية العلاقات المتوترة بين موسكو وواشنطن. ورغم أن نتنياهو قال في الاسبوع الماضي إن المحللين قد اخطأوا حينما حذروا من انهيار العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في أعقاب الخلاف على توقيع الاتفاق النووي الإيراني، فان زيارته الحالية في موسكو قد تُفسر على أنها لدغة إسرائيلية لواشنطن.
وتعكس الزيارة عدم ثقة نتنياهو بقدرة ونوايا الولايات المتحدة للحفاظ على مصالح إسرائيل الامنية. وإذا كان رئيس الحكومة يعتقد أن الرئيس أوباما لم يدافع عن إسرائيل بما يكفي في اتفاق فيينا، فانه يشك فيه فيما يتعلق بالملف السوري. في الوقت الذي تعلن فيه وسائل الإعلام في الولايات المتحدة أن أوباما متردد حول تصرفه في أعقاب الخطوة الروسية المفاجئة، ويفكر بالحديث مباشرة مع الرئيس بوتين، فان نتنياهو يسبقه ويسافر إلى موسكو بنفسه.
لا يمكن لهذه الزيارة أن تكون بشرى جيدة في واشنطن، لا سيما أنها قادت حملة تنديدات وعقوبات ضد موسكو بسبب تدخلها في الحرب في اوكرانيا في الصيف الماضي (إسرائيل امتنعت عن اتخاذ أي موقف بخصوص هذا الامر وروسيا قامت بمكافئتها برد معتدل على سلوكها في حرب غزة). نتنياهو يسارع للخروج إلى موسكو رغم أنه، خلافا لأوباما، لا توجد له رافعة حقيقية يضغط بواسطتها على المصالح الروسية في سوريا. ويبدو أن نتنياهو يعتقد أنه قادر على التأثير لأن كثير من قادة المنطقة ـ الرئيس المصري، الملك الاردني، أمراء الخليج، السعودية، أبو ظبي وممثل حرس الثورة الإيراني ـ يتوجهون إلى موسكو.
تحول السياسة الروسية في سوريا بدأ قبل شهر. وقد جاء الاعلان الاول عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية حيث كتبت «يديعوت احرونوت» أن هناك طائرات روسية في شمال سوريا. وبعد ذلك ببضعة ايام بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن هذا الامر. وسارعت إسرائيل إلى نشر هذه التطورات لدفع الولايات المتحدة للتدخل. وها هو نتنياهو يضيف إلى ذلك زيارته في روسيا.
مصادر أمنية إسرائيلية مطلعة على تحضيرات الزيارة قالت إن الجانب الامني لها سيركز على عدد من المواضيع الاساسية التي تتعلق بالوضع في الساحة الشمالية. فإسرائيل تريد ضمان أن مجيء الطائرات الروسية إلى المنطقة لن يقيد حركة طائرات سلاح الجو في الحدود الشمالية، ولن يؤدي إلى حوادث أو معارك جوية غير مرغوب فيها. لذلك ستكون هناك محاولة لوضع قوانين للحذر والتنسيق بين الاطراف. إسرائيل ستقول لروسيا إنها لن تتخذ أي موقف لصالح أحد الاطراف في الصراع بين نظام الاسد والمتمردين، وإن الحالات التي ستتدخل فيها فيما يجري في سوريا ستكون عند تجاوز الخطوط الحمراء ـ الإرهاب من سوريا ضدها، أو محاولة نقل السلاح المتطور من سوريا إلى حزب الله في لبنان.
هذان الخطان الاحمران يرتبطان بروسيا. فاغلبية السلاح المتطور الذي تحصل عليه سوريا هو سلاح روسي. وقد أعلن مكتب نتنياهو أنه سيحذر الروس من تأثير وجود وسائل قتالية متطورة في سوريا ستصل إلى أيدي حزب الله. وفيما يتعلق بالإرهاب فان إسرائيل قلقة من دور الشريكة الثالثة في المحور الذي يحافظ على نظام الاسد ـ إيران. فقد سجل في السنة الاخيرة عدد من العمليات من المناطق التي يسيطر عليها نظام الاسد في حدود إسرائيل الشمالية في الجولان. وقد أصيب عدد من خلايا حزب الله والجهاد الإسلامي والتنظيمات الدرزية المحلية، بسبب القصف الجوي الذي نُسب لإسرائيل. إسرائيل ستطلب من روسيا المساعدة على كبح الهجمات التي تقودها إيران في الحدود الشمالية.
موضوع آخر يهم إسرائيل يتعلق بمصير مئات آلاف الدروز في «جبل الدروز» في جنوب سوريا قريبا من حدودها مع الاردن. وقد بذل الدروز الجهود في الاشهر الاخيرة للابتعاد عن نظام الاسد، حيث يتعرضون للتهديد من الشرق والغرب من القوات السنية المتمردة. وقد توجهت إسرائيل في السابق للولايات المتحدة وطلبت مساعدة الدروز في إسرائيل وهضبة الجولان بسبب قلقهم على أبناء الطائفة في سوريا. ويمكن أن يتم تقديم طلب شبيه لبوتين.

اللعبة المركزية

إسرائيل في نهاية المطاف هي لاعبة ثانوية في الدراما السورية. والتدخل الروسي المتزايد هو استراتيجية أوسع. وفي مقال نشر هذا الاسبوع للباحث الإسرائيلي د. ديما ادامسكي في مجلة «فورين أفيرز»، وصف سياسة روسيا الحالية في المنطقة على اعتبار أنها تكرار موسع لعملية «القفقاص»، وهي التدخل السوفييتي لصالح مصر في حرب الاستنزاف قبل 45 سنة.
ادامسكي، الباحث في مركز الابحاث في هرتسليا، كتب أن العملية اعتبرت في حينه نجاحا كبيرا لأن ارسال القوات والمستشارين ساعد في انقاذ النظام المصري وعمل على ردع إسرائيل. أما التدخل الروسي في الشرق الاوسط فيهدف لخدمة الاهداف السامية: تحقيق مكانة اقليمية موازية لمكانة الولايات المتحدة، اضافة إلى اهداف ثانوية ـ انشاء منطقة عازلة ضد المجاهدين الذين قد يلحقون الضرر بالاراضي الروسية من الجنوب (الكرملين يعتبر داعش تهديدا فوريا على الأمن القومي الروسي)، واستعراض القوة في الجهة الشمالية الشرقية للبحر المتوسط وتوقيع اتفاقات اقتصادية كبيرة، بما فيها صفقات السلاح.
وكتب الباحث ادامسكي أن روسيا تعتقد أن «الربيع العربي» الذي اندلع قبل خمس سنوات هو نتيجة للسياسة الأمريكية الخاطئة في الشرق الاوسط. والاهتزاز الذي اصاب العالم العربي يضر المصالح الروسية في المنطقة، لا سيما عندما سقط نظام القذافي في ليبيا وتعريض نظام الاسد في سوريا للخطر. كل ذلك شجع روسيا على العمل سياسيا ـ وعسكريا في الآونة الاخيرة ـ في المنطقة. واضافة إلى المساعدة التي قدمتها موسكو للاسد، فهي تسعى مؤخرا إلى تحسين العلاقة مع الدول السنية ـ مصر، الاردن، السعودية ودول الخليج. ولم يكن لروسيا أي دور مركزي في تفكيك السلاح الكيميائي السوري قبل سنتين، في حين أنها ساعدت على بلورة الاتفاق النووي الإيراني في فيينا.
لقد عملت روسيا مؤخرا على تعزيز العلاقة بين مصر وسوريا، وهي تسعى إلى ترجمة تأثيرها من خلال صفقات السلاح والصفقات الاقتصادية مع دول المنطقة. نتنياهو وآيزنكوت سيلتقيان في موسكو مع لاعب اقليمي له تأثير كبير، توقف منذ زمن عن التسليم بمكانته الثانوية حيال الولايات المتحدة.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م