القدس والقاهرة والمعايير الخاطئة

من خلال المتابعة لما يجري على المشهد المصري من تجاذبات واستقطابات بين التيارات المختلفة مع فوز الدكتور مرسي، وبعد عملية رفح (الماسورة) الارهابية، التي نفذها ارهابيون من بدو سيناء وقطاع غزة، وحتى قبل ذلك، لاحظ المرء، ان عدداً من ممثلي التيارات المصرية المتناقضة مع جماعة الاخوان المسلمين وحركة الانقلاب الاسود في غزة (حركة حماس) خلطوا الامور بطريقة غير موفقة فيما يتعلق بالفلسطينيين عموما وعاصمتهم القدس.

من بين هؤلاء النائب محمد ابو حامد، الذي اتفق معه تماما، في قراءته لجماعة الاخوان المسلمين والجماعات السلفية، ودورهم المعطل لتطور المجتمعات العربية والاسلامية، في حال تمكنوا من استلام مقاليد الامور، لانهم جماعات تكفيرية، واعتباراتها الاساسية المتاجرة بالدين الاسلامي.

الدكتور ابو حامد ، المستقيل من حزب الاحرار، الذي يقوده نجيب سويرس، في تصريحاته الاعلامية الاخيرة بقصد او دون قصد، في تعقيبه على العملية ، وجه الاتهام لكل الفلسطينيين، وعند الحديث عن موضوع تحرير القدس، اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، خلط بين اهمية ومركزية القضية الفلسطينية للعرب عموما ومصر خصوصا، وبين القاهرة، العاصمة المصرية؟! في هذه العجالة لا يملك المرء الفرصة لمناقشة كل نقاط الاختلاف مع الدكتور ابو حامد، الذي شكل إطارا حزبياً جديداً، بل سيتم التركيز على ماورد اعلاه.

فابو حامد، بتحميله الفلسطينيين المسؤولية عما حدث في رفح، أخطأ خطأً فادحا. لانه يعلم ان الجماعات الاصولية التكفيرية ومعها جماعة الاخوان المسلمين، لا يمثلون الشعب الفلسطيني لا في قطاع غزة ولا في الضفة ولا في القدس والشتات.

فكما الشعب المصري منقسم وموزع على التيارات الفكرية والسياسية والدينية المتتشرة في بلاد العرب والعالم، كما الشعب الفلسطيني او اي شعب عربي او اي شعب من شعوب الارض ارتباطا بخصائص وثقافة كل شعب. غير ان ابو حامد، ذكر المرء بما كان يقوم به بعض رؤساء تحرير الصحف في العهدين السابقين (السادات ومبارك) حين تبرز اي قضية خلافية بين القيادتين او في حال أخطأ احد الفلسطينيين لسبب ما، فتقوم الدنيا ولا تقعد لحين صدور قرار سياسي بوقف الحملة. مع الفارق بين اللحظتين السياسيتين، والاليات المتبعة، إلآ ان النتيجة واحدة، الاساءة للفلسطينيين، وللعلاقات الاخوية المشتركة بين الشعبين والقيادتين السياسيتين.

والمسألة الاخرى، التي اثارها، صديق سمير جعجع، وضع تحرير القدس والاراضي المحتلة في تناقض مع عاصمة المعز لدين الله، القاهرة. ومجرد خلط المسائل بهذه الطريقة الفجة، توضح ان النائب السابق، خلط عن سابق تصميم وإصرار. فالقدس لم تطرح قضيتها يوما في مواجهة اي عاصمة عربية او اسلامية. قضية القدس لم تدخل في سباق مفاضلة مع العواصم العربية والعالمية، وانما تطرح قضيتها، كقضية تحرر من ربق الاحتلال الاسرائيلي، وكونها عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة القادمة انشاء الله.

وكما يعلم الدكتور محمد، فان قضية فلسطين، هي قضية العرب المركزية. واولوية القدس، لانها مركز اساسي في الصراع العربي (الفلسطيني) – الاسرائيلي، فضلا عن مكانتها الدينية. ومع ذلك لم يطرح اي فلسطيني او عربي يوما قضية القدس، كقضية صراع في المكانة مع العواصم العربية. والقاهرة كانت ومازالت، عاصمة الشقيقة الكبرى، التي تحتل مكانة رئيسية في القلب والعقل الفلسطيني والعربي.لذا لم يكن مقبولا من الدكتور ابو حامد، الذي يدعي العلم والمعرفية المتخصصة بالجماعات الاسلامية ، والملم بالخارطة الحزبية والاجتماعية وعلم السياسة، ان يسقط في مستنقع دس السم في الدسم. ويقوم بشحن النزعات الوطنية اكثر مما هي مشحونة في زمن القطرية البغيض. لان في ذلك اساءة لشخصة، ومكانته. اضف الى ان مثل هذه المعارك الغبية لا تخدم معركته الوطنية.

والعلاقات الفلسطينية – المصرية متجذرة وعميقة عمق التاريخ والجغرافيا والثقافة القومية ، ولا يمكن لابو حامد واضرابه ان يؤثروا في العلاقات الراسخة بين الشعبين الشقيقين المصري والفلسطيني.

a.a.alrhman@gmail.com