الحل سياسي وليس اقتصادي
قامت الحكومة الإسرائيلية وإدارتها المدنية بإصدار مليون تصريح خلال شهر رمضان وعشية عيد الفطر السعيد للمواطنين الفلسطينيين من سكان الضفة، وذلك بهدف التخفيف من الاحتقان والتوتر الناجم عن انتهاكات سلطات الاحتلال الاسرائيلية وقطعان المستوطنين، إضافة لهدف اقتصادي إسرائيلي، عنوانه إنعاش الاقتصاد الاسرائيلي، الذي يعاني من حالة ركود نسبي، كما أنها (الادارة المدنية) زادت عدد التصاريح الممنوحة لليد العاملة الفلسطينية بمعايير ما كان خلال الفترة الماضية. وفي السياق، قامت قوات الجيش الاسرائيلي بإزالة بعض الحواجز، وذلك لتسهيل حركة المواطنين الفلسطينيين، كما حاجز الحمرا في محافظة نابلس، وحاجز آخر في محافظة أريحا..
هذه الإجراءات وغيرها محدودة الإيجابية، لا تشكل أساسًا صالحًا لفتح أفق للتسوية السياسية. لأن ما يريده الفلسطينيون، هو السلام السياسي المستند لخيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 1967. كما أشار لذلك روبرت سيري، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في المنطقة.
التسهيلات خطوة صغيرة في الاتجاه الإيجابي. لكن المطلوب خطوات جدية وأساسية في اتجاه التسوية، مثل : أولًا: وقف كامل للبناء في المستوطنات الاستعمارية في الاراضي المحتلة عام 1967. ثانيًا: وقف الانتهاكات الإسرائيلية من جانب واحد. ثالثًا: وقف التحريض على الكراهية والقتل للأغيار الفلسطينيين وخاصة للقيادة السياسية وفي مقدمتها الرئيس محمود عباس. رابعًا: رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، والعمل على فتح الممر الآمن بين جناحي الوطن الفلسطيني. خامسًا: فتح المؤسسات الوطنية في القدس الشرقية وعلى رأسها بيت الشرق ومسرح القصبة. سادسًا: ازالة كل الحواجز المنتشرة كالفطر بين المدن والقرى الفلسطينية. سابعًا: إزالة كل المستوطنات العشوائية كمقدمة لإزالة كل المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة عام 67. ثامنًا: إعادة الأمور بسرعة لما كانت عليه الأمور عشية الانتفاضة الثانية سبتمبر 2000. تاسعًا: وقبل كل شيء قبول واستعداد إسرائيل الواضح والصريح لتنفيذ خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 1967 وفق جدول زمني لا يتجاوز عام من الجلوس على طاولة المفاوضات. عاشرًا: تحرير الاقتصاد الفلسطيني من اتفاقية باريس وتعقيداتها، وبالتالي فتح الأفق جديًا للتحرر الاقتصادي بكل ما يعنيه ذلك على الصعد المختلفة.
أما استعمال قادة اسرائيل سياسة الضحك على الدقون من خلال بعض التسهيلات السطحية، والتي لا تعني شيئا لا للاقتصاد الوطني ولا للمواطن ولا للحل السياسي، فإنها تضحك على نفسها، وليس على الفلسطينيين. لأنهم كفروا بكل عمليات العبث، والتلهي، التي يستخدمها الإسرائيليون لذر الرماد في العيون. ولأن العيون الفلسطينية ، أسقطت الغشاوة عنها منذ زمن بعيد، زمن سقوط التواريخ غير المقدسة، وما تلاها من انتهاكات خطيرة مست، وتمس المصالح الوطنية العليا.
أمام حكومة نتنياهو خيار واحد، إن شاءت السلام والأمن والتعايش، الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وحقهم في إقامة دولتهم جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل على الأراضي المحتلة عام 1967 وفي مقدمتها القدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194. دون ذلك، تكون حكومة أقصى اليمين ومن لف لفها في أميركا تعبث بمصير المنطقة عموما وشعب إسرائيل خصوصًا، وهي وحدها من سيدفع الثمن غاليًا، لأن الشعب الفلسطيني اكتوى بالأثمان الباهظة، التي دفعها على مدار عقود الصراع، ومازال يدفعها حتى الآن، ولم يعد يأبه باية أثمان، لأنه لن يخسر شيئا سوى قيود الاحتلال الإسرائيلي، الاحتلال الأخير في العالم.