العام الدراسي المبتسم ونوعية التعليم

في صغري كنت أتساءل لماذا لا يبدأ العام الدراسي من شهر كانون الثاني أي في شهر 1؟ لماذا شهر أيلول 9؟ لماذا من شهر 9 هذا العام إلى 6 العام القادم؟

عودة الطلاب للمدارس تعيدنا إلى طفولتنا وإلى براءتنا وأشواقنا ومتعنا ولعبنا وتعلمنا وحكاياتنا ومغامراتنا الصغيرة وخوفنا ورغبتنا في أن يغيب معلم حتى نلعب في حصته أو نبكر في عودتنا قبل الطلاب..

مع البداية يكون الشوق، ويكون المجال مفتوحا للبدء من جديد..بداية الطالب مع الطلبة والمعلمين، وبداية المعلمين والمديرين، وبداية للأهل.. فرصة للتعلم الجيد، وفرصة لمراكمة النجاح، والعلاقات الحسنة وعدم الانجرار لأي عنف مهما كان حتى ولو كان بالإشارة!

ففي المدارس يقع أكبر تجمع مجتمعي يستمر على الأقل 6 ساعات يوميا، يقضي فيها الطلبة فيها وقتا مع بعضهم بعضا ومع المعلمين أكثر من أي وقت آخر مع آخرين حتى ولو كانوا أسرهم..لذلك فإن مصطلح الأسرة المدرسية والأسرة التربوية هو معبر حقيقي عن هذا الاجتماع الفريد..

إنه اجتماع للتعلم، للأطفال، أي اجتماع العلم والطفولة، اجتماع التنشئة الفكرية والثقافية والاجتماعية والنفسية..

وهو اجتماع دائم يومي متفاعل وإنساني، يتبادل فيه المجتمعون أفكارهم ومشاعرهم وحيرتهم وأسئلتهم..وفيه يتعرض الأطفال لأهم عملية تعليم ممنهجة وعامة، يتشارك بها طلاب الوطن الواحد، فتصير ليس مكونا علميا فقط، بل مكونا نفسيا لهم خلال سنوات التعليم وما بعدها؛ فما زالت صورة المعلم وهو يعلمنا كيف كان المعتصم يصرع الأسد، وعبقرية الصديق وصورة دكتور بومبارد في مياه المحيط، وروبنسون كروزو والطيور المهاجرة وراس روس ودار دور السكاكيني ..باقية في نفوسنا..(خريجو 1985).

فما دامت المدرسة كذلك، فكيف أصبحت مكانا منفّرا!

ومن الذي ينفّر الأطفال من المدارس؟

ومن الذي يسلب الأطفال فرحتهم بالعام الدراسي؟

ولماذا بعد مرور بضعة أيام فقط تتحول الملامح المبتسمة إلى ملامح حزينة مهمومة...!

لماذا لا تدوم الابتسامة في أروقة المدارس والمجتمع أيضا؟

ومن الذي يخشى الابتسامة؟

هل نظم الحكم التقليدية ونظم التعليم تخاف من تحول الابتسامة إلى نوع من الجرأة والتمرد؟ لن ننتهي من طرح الأسئلة إن بقينا نبحث عن الأسباب، فلعنا نبحث عما يعيد الابتسامة...

في أحد التدريبات مع الطلبة والمعلمين كل على حده، سألت عن المعلم؛ أما المعلمون فسألتهم عن أي المعلم تأثرت به، ولماذا؟ وكذلك مع الطلبة...

لقد كان من السهل وبطريق غير مباشر أن يتعرف المعلمون/ات على صورة المعلم المحبوبة وأسباب حب الطلبة له..أكان ذلك له علاقة بالمضمون وأسلوب التعليم أو العلاقة مع الطلبة أو حتى الشكل.. كذلك نتعلم من الطلبة الآن أي المعلمين يفضلون ولماذا؟ المعلم اليوم كان طالبا في يوم من الأيام وربما ما زال يكمل تعليمه العالي..

وطالب اليوم هو مواطن الغد، معلما يكون أو مهنيا أو عاملا...

لنضع أنفسنا مكان الطلبة، فقد كنا مثلهم قبل سنوات..

سنجد أن العلاقة الجيدة مع الطلبة، بوجود تعليم جاد وإنساني، سيجعلهم مقبلين على المدرسة وعلى الحياة أيضا..

من كل قلبي أرغب أن أرى الطلبة يحيون بأريحية وبهدوء أعصاب وسرور، دون خوف أو توتر..فالجو المحبب يسهّل التعلم والتعليم..

وجو التوتر يصعب ما هو سهل.. في فلسطين، رغم ما يقال فإن الخدمة التعليمية جيدة، يمكن أن تتطور، ويمكن أنها دون ذلك في مدارس أو صفوف معينة..

فالمنهاج الذي ما زال ينتقده الكثيرون بدون وضع بدائل، هو ما يوصل الطلبة للجامعات ويجعلهم يندمجون فيها أفضل منا حين كنا في مثل عمرهم كخريجي التعليم العام-التوجيهي. ربما يحتاج المنهاج إلى تمكين أكثر، حذف ودمج، لكنه يمثّل نواة جيدة للانطلاق منه..

المدارس أفضل حالا في المباني والتجهيزات..لكن إذا لم ينتم المجتمعون فيها طلبة ومعلمين وإدارات مدرسية، فستشيخ ويعلوها الغبار وهي ما زالت جديدة..

بقي المعلم، وهو أساس كل هذه العملية، فبدونه لا يوجد تعليم.. المعلم جيد، يحمل معلومات جيدة وخبرات تمكنه من التعليم الجيد..وهو يحتاج من الأهالي والسلطة التربوية بدءا من الإدارة المدرسية إلى تحفيزه وتشجيعه ومعاونته، وإدخال السرور إلى قلبه حتى يدخل هو السرور إلى قلوب طلبته..

فالمجتمع التربوي داخل المدارس حين يكون مسرورا فإن جزءا من مشاكل التعليم تجد طريقها إلى الحل..

من نجاحات التعليم الفلسطيني المعاصر، والذي يعود الفضل فيه لكل من يبادر للتعليم النوعي، أن طلبة فلسطين الملتحقين في الجامعات خارج فلسطين هم أفضل حالا من غيرهم من بلدان أخرى..

ففي ألمانيا على حدّ معلومة الصديق د. بسام الديسي خريج الجامعات الألمانية، والد طالبين يتلقيان التعليم العالي في ألمانيا، لم تعد الجامعات تطلب من الطلبة الفلسطينيين قضاء عام تمهيدي..

كذلك بالنسبة لامتحان "البجروت"..فإن خريجي المدارس الفلسطينية حالهم جيد..

أي هناك فرصة لزيادة النوعية، في عالم يطلبها، والمعلمون يدركون أكثر من أي طرف آخر أن التعليم الفعال يتجاوز التعليم التقليدي الذي يجعل التفوق والنجاح مرتبطا باسترجاع المعلومات..

البحث اليوم هو عن توظيف المعلومات حتى لا تضيع، واستثمارها بدل مجرد التخزين الذي مهما كانت ظروف تخزينه فإنها عرضة للتآكل والتلف والنسيان..

ومفتاح ذلك هو توظيف ما هو إيجابي في النظام التعليمي السائد، عبر تشجيع الطلبة واحترامهم، والبحث عن كيفية وجود المعلم/ة القدوة في الإقبال على الدرس التعلمي والتشوق لليوم الدراسي ولقاء طلبته: أخوته وأخواته وأبناءه وبناته..

هناك نواقص لا يجب أن تكون حجارة نتعثر بها، بل يمكن تجنبها، وهناك مساحات من الحرية والحركة، والتي يمكن للتعاون والمحبة بين الطلبة والمعلمين ملأها بما هو أخضر.. ت

أهيل المعلمين وتطوير المناهج والبحث عن نظم اختبارات،..وغيرها يمكن الاستمرار فيها وتطويرها، ولكن بنظري يظل جوّ الصف والمدرسة والعلاقات الداخلية بين المعلمين والطلبة والإدارات المدرسية مفتاحا سحريا للنهوض بالتعليم. تعليم يقوم على كرامة المجتمعين، وسرورهم، فليس هناك سبب واحد أن نحزن طالبا أو نزعجه بمبرر التحصيل..

الابتسامة بداية يتلوها الجدية في تعليم المفاهيم المتدرجة في المستوى، والابتسامة مدخل للانتباه والتشوق والإقبال على الحياة..

وربما نحتاج في العملية التربوية إلى البحث في الفرح والسرور والابتسام والتعليم..عن البحث فيهما من أجل سرور الطفل وتعليمه.."تبسمك في وجه أخيك صدقة"...ووجوه أبنائك وطلبتك أيضا...

لنبدأ بأنفسنا في البيت والمدرسة، في غرف الصف وغرفة المعلمين، في الشارع، والميادين، لنكن مجتمعا مبدعا في الابتسام لنبدع في الحياة..

في كوريا الجنوبية، التي نهضت في العلم والتكنولوجيا حتى وصلت مستوى الدول الصناعية، ارتبطت الابتسامة بالعمل والإبداع..ا

لأطفال باسمون في الشوارع والكبار أيضا..وربما في بلاد أخرى كاليابان والصين وماليزيا .. إن فلسفة التعليم والنهوض بالمجتمعات تحتج منا فهم الأثر النفسي للسرور والتعليم، ففي الفرح فلسفة إنسانية عميقة تشكل دينامو الإبداع..

لنبدأ مبتسمين.. ولنظل كذلك.. ولنشجع بعضنا بعضا في رحلتنا في هذه الحياة.. في صغري تساءلت عن العام الدراسي الذي يبدأ من شهر أيلول..

الآن أتساءل عن العام الدراسي الذي يبدأ بالابتسامات..التي تدوم عام دراسي في عامين، وثلاثة فصول خريف وشتاء وربيع..وابتسامة..

Ytahseen2001@yahoo.com