فلسطين تنتصر

حاول الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في آذار 2010 ان يفرض على القمة العربية المنعقدة في سرت الليبية، في ذلك العام، ولمناسبة توليه رئاسة القمة، حضور إسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس" المقالة رسمياً وشرعياً وشعبياً في غزة، من خلال توجيه دعوة له للمشاركة في القمة، جنباً الى جنب الدعوة الموجهة للرئيس محمود عباس، الأمر الذي أثار حفيظة الجانب الفلسطيني لما تنطوي عليه مثل تلك الدعوة من تكريس للانقسام الفلسطيني بترسيخ "كيانين"، ورغم أن العقيد الليبي حاول مع "حماس" اظهار الأمر على أنه محاولة لجمع المتخاصمين، أي لإنجاز المصالحة، إلا أن تهديد القيادة الفلسطينية، التي كانت قد ابتلعت على مضض إهانة العقيد الليبي للرئيس أبو مازن، حيث لم يستقبله كرئيس دولة، بعدم المشاركة، أجبر الليبيين على سحب دعوتهم لهنية في ذلك العام.

تكرر الأمر ذاته عشية انعقاد قمة دول عدم الانحياز في طهران آخر الشهر الحالي، حيث أشيع أن الرئيس الإيراني احمدي نجاد، وجه دعوة لهنية للمشاركة في القمة، الى جانب الدعوة الطبيعية الموجهة للرئاسة الفلسطينية، ما أحدث جدلاً داخل الأوساط الفلسطينية، التي بالكاد نسيت ما فعلته طهران من تشجيع للانقسام الفلسطيني الداخلي، ورغم اعلان من وزير الخارجية رياض المالكي عدم توجيه ايران دعوة لهنية، الا أن الأمر الحقيقي يبدو أن نجاد قد وجه دعوة لهنية من مكتبه، اي خارج إطار البروتوكول او التقليد المتبع، حيث يتم ترتيب كل شيء من خلال وزارة خارجية الدولة المضيفة، وكذلك تحديد جدول أعمال القمة من خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء الذي يسبق القمة عادة. هناك اكثر من دافع لنجاد حتى يفكر في مثل هذا الأمر، لعلّ في مقدمة الدوافع محاولته اعادة "حماس"، او جزء منها لدائرة التحالف الممانع الذي تقوده طهران بعد ان اتضح نية "حماس" الخروج منه، بعد انطلاق الربيع العربي، خاصة بعد ما يجري في سورية، هنا لابد لنا أن نستذكر استجابة هنية لدعوة سابقة لنجاد لزيارة إيران بعد توقيع اتفاق الدوحة مباشرة، وبعد ان اظهر قائد "حماس" خالد مشعل رغبته في الابتعاد عن محور طهران/ دمشق، هنا لابد ان نشير الى ان تقريب طهران هنية لها ما هو الا لعبة تحاول من خلالها الضغط على مشعل الذي كان حليفها الرئيسي في "حماس"، فيما كان هنية يسعى الى أنقرة ليبقي على شخصه نداً او منافساً لمشعل، ثم من الدوافع محاولة طهران الرد على دول الاعتدال العربي التي تدعم الثورة السورية، وطبعاً اظهار كل ذلك على انه استمرار لإستراتيجية إيران في دعم طرف فلسطيني (مقاوم وممانع) في وجه طرف معتدل او مساوم! الرغبة الإيرانية والموقف الإيراني واضحان منذ وقت، لكن المشكلة تكمن في موقف "حماس" أو بعض "حماس"، ذلك ان رد فعل المقربين من هنية كان واضحاً في سياق الاستجابة للدعوة، لكن مناشدة رئيس الحكومة د.سلام فياض والتي تفاعلت عبر "الفيسبوك" وفي المواقع الإلكترونية، كذلك موقف "م.ت.ف" والقيادة الفلسطينية، خاصة بعد الإعلان رسمياً عن ان فلسطين ممثلة بالوفد الرئاسي ستقاطع القمة في حال شارك فيها هنية، كانت سبباً مباشراً لاجتماع قيادة "حماس"، حيث يبدو ان بعض هذه القيادة الذي يدرك محاولة نجاد المس بزعامة مشعل داخل "حماس"، من خلال هذه الدعوة، وليس فقط المس بأبو مازن، وقف ضد الاستجابة للدعوة.

لابد من القول اذاً، شكراً لقيادة "حماس" على ذلك الموقف، وقد كانت واضحة حين قالت إن رفضها الاستجابة للدعوة يعود لسببين: الأول يعود الى تجنيب ان تساهم في تكريس الانقسام، والثاني، ارتباطاً لما يحدث في سورية، حيث ان "حماس" اقتربت كثيراً من موقف الإخوان في المنطقة، والذين هم مكون رئيسي الآن للثورة السورية، تقدر ان القمة في طهران ستكون مناسبة لشد أزر النظام السوري في قمعه ثورة شعبه.

رغم مضي تلك السحابة السياسية على خير، الا انها ذكرت مجدداً بالحالة الخطرة القائمة في الواقع الفلسطيني، حيث ان الانقسام ما زال قائماً، ويضع الفلسطينيين امام خيارات سياسية صعبة، فإما استمرار حصار غزة او تكريس الانقسام، وإما استمرار مواجهة الرئيس عباس منفرداً الصلف الإسرائيلي، بما في ذلك الذهاب مجدداً للامم المتحدة للمطالبة بسقف أدنى مما طالب به العام الماضي، مكانة دولة غير عضو لفلسطين في الأمم المتحدة، مع ان الوحدة الداخلية تقوي الحالة الفلسطينية ميدانياً وسياسياً، وبنظرنا، انه بات على الرئيس أبو مازن ان يراجع حساباته تجاه "حماس" في غزة، وان يقدم لها "تنازلات" حقيقية، من شأنها ان تكون شريكاً حقيقياً في السلطة، فالإخوان يحكمون مصر الآن، ويمكن للرئيس محمد مرسي ان يحسم قصة المصالحة، لو سلمه ابو مازن هذا الملف ومنحه الصلاحيات اللازمة، وبرأينا ما عاد مجدياً أبداء الخوف او التحفظ على حكومة وحدة وطنية فيها "حماس" او حتى برئاسة "حماس"، على ان يتكفل المصريون بالدفاع عنها امام الأميركيين والغرب مع قطر، وانه يمكن لأبو مازن ان يشرع فوراً بتشكيل حكومة إعلان الدوحة، لو وافق فوراً على الإبقاء على معظم مكتسبات "حماس" في غزة، والإبقاء على هنية رئيساً للحكومة أو نائباً للرئيس، وكل طاقمه الحكومي في غزة ـ بالمناسبة وزراء "حماس" في غزة أقل من نصف عدد وزراء الحكومة الفلسطينية. من اجل الوحدة الوطنية، لابد من التراجع عن التمسك بالبرنامج السياسي الذي قاده أبو مازن منذ أوسلو، و"حماس" جزء من الإخوان الذين يتقدمون لقيادة المنطقة الآن، ولابد ان تجد فلسطين مكانها للحل، والاهتمام للنظام الإقليمي الجديد، الذي يقود اعادة تشكيله الإسلاميون، شئنا أم لم نشأ، وفلسطين تخسر ان هي وقفت في وجه "التيار الجديد" او بالضد منه، فيما مصلحتها تكمن في ان تعيد تأقلم برنامجها السياسي وفق المتغير الإقليمي، المهم ان نسير جميعاً على طريق: فلسطين تنتصر، هنا وهناك، وحتى لو كانت كل فلسطين في عهدة "حماس"، فإن ذلك لا يعني انها قد ضاعت، فها هي مصر في عهدة الإخوان، ولن يذهب ريحها، وقد كان مثل هذا الاعتقاد قائماً حين تولى الفدائيون قيادة الشأن الوطني، وفق تقدير الزعامات التقليدية الفلسطينية والعربية !