اهمية قمة عدم الانحياز
إنعقاد قمة عدم الانحياز في جمهورية إيران الاسلامية يشكل بكل معايير السياسة نجاحا للدولة المضيفة. حيث تمثل القمة ضربة قوية لسياسة الحصار السياسي والاقتصادي ، التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي.
رغم مقاطعة وغياب حوالي اربعون دولة عن القمة ، وحضور ثمانون دولة فقط ،فإن عقد القمة في طهران تعتبر انتصارا لدولة الملالي. مع ان الولايات المتحدة ودولة الابرتهايد الاسرائيلية مارستا الضغوط على العديد من قادة دول العالم الثالث والامين العام للامم المتحدة، لثنيهم عن حضور القمة.
كما ان تراجع القيادة الايرانية عن السياسة الصبيانية، التي انتهجتها في توجيه الدعوة للقائد الحمساوي اسماعيل هنية، انقذها من تعثر القمة، لاسيما وان القيادة الشرعية الفلسطينية هددت بالمقاطعة للقمة، فضلا عن الموقف الحازم لمكتب التنسيق لمنظمة عدم الانحياز، الذي هدد بتعطيل اعمال القمة وبالتالي شكلت القمة انتصارا ايضا للشرعية الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس. أضف الى ان القمة ستكون منبرا دوليا مهما للاعب الفلسطيني لانتزاع اهداف سياسية لخدمة التوجهات الوطنية لجهة دعم الموقف الفلسطيني في التوجه للامم المتحدة للحصول على العضوية غير الكاملة لدولة فلسطين، وكذا القرارات الداعمة للحقوق الوطنية الثابتة ، وادانة سياسات دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية.
كما ان القمة تشكل منبرا للقيادة الفلسطينية لاجراء اللقاءات الثنائية والثلاثية مع قيادات الدول المشاركة في القمة بهدف تعزيز العلاقات المشتركة مع اولئك القادة ودولهم. من المؤكد ان قادة إيران سيحاولوا دعم مواقف نظام بشار الاسد، من خلال إصدار قرارات لصالح شرعيته، غير ان المؤشرات الاولية تشي بعدم إمكانية تحقيق هكذا خطوة، خاصة وان التصويت، الذي جرى قبل فترة في الجمعية العامة للامم المتحدة ضد النظام السوري، يعتبر عامل مهم في قراءة المناخ السياسي العام لدول عدم الانحياز. فضلا عن ان حدود المناورة الايرانية – السورية، سيكون محدودا جدا، بسبب المجازر والمذابح، التي نفذها النظام الاستبدادي في سوريا، والتي ازكمت رائحتها انوف العالم كله.
وفي حال تقرر إتخاذ قرارات بشأن الوضع في سوريا، فلن تكون لصالح النظام، انما لصالح الشعب السوري وثورته الشجاعة. وفي اسوأ الاحوال ستؤكد القمة على مبادرة سياسية عنوانها الابرز رحيل الاسد الابن عن الحكم، والانتقال السلمي للسلطة مرورا بمرحلة انتقالية، واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة لحماية الدولة السورية من التفتيت، وقطع الطريق على اميركا واسرائيل ومن لف لفهم، الذين يسعون لتمزيق وحدة الارض والشعب العربي السوري.
قمة عدم الانحياز المنعقدة الان في طهران، تعتبر نجاحا لدول المنظمة، التي حافظت على مكانة ودور المنظمة، رغم كل التحولات الدراماتيكية في الخارطة السياسية الدولية، وما رافقها من ضعف وتداعي لخيار عدم الانحياز بعد انتصار العولمة الاميركية قبل اكثر من عقدين خلت. وبالضرورة فإن استمرار ومواصلة منظمة دول عدم الانحياز، قد يمنحها دورا اكثر اهمية في المستقبل، لاسيما وان العالم يتجه نحو حقبة جديدة، مازالت ملامحها في طور التبلور. وكون دول العالم الثالث على ما تعانيه من ضعف وتبعية للغرب الرأسمالي عموما والاميركي خصوصا، ضاقت ضرعا من وحشية العولمة الاميركية، وكفرت بالانتهاكات الخطيرة لسياداتها القومية، وامتهان رمزها القومية مع ما يرافق ذلك من نهب لثرواتها، وتذويب لثقافاتها القومية، وتعميق لتناقضاتها الداخلية. الامر الذي سيدفعها بالحفاظ على مبدأ التضامن بين دولها وشعوبها رغم التباينات والاختلافات الموضوعية بين انظمتها السياسية كحد ادنى للتكافل فيما بينها ضد القوى الامبريالية، التي تستهدفها راهنا وفي المستقبل الواعد بعالم اكثر إنصافا لشعوب العالم.
مع ذلك لا يعني انعقاد القمة، ان إيران تجاوت حدود التهيد بالحرب عليها من قبل الولايات المتحدة ودولة الابرتهايد الاسرائيلية. بل قد تعاظم من عمليات التحريض على الحرب عليها، لتصفية حساب إسرائيلية – اميركية من إيران ودول عدم الانحياز على حد سواء، لان التحالف الاميركي – الاسرائيلي لا يقبل التمرد على سياساته وخاصة من دول العالم الثالث، لا سيما وان عقد القمة بحد ذاته يشكل تحديا للتوجهات الاميركية – الاسرائيلية.