ثلاث اتجاهات تتنازع حركة الشارع من الانتخابات
ثلاث إتجاهات سياسية، معبرة عن ثلاث مجموعات حزبية تختلف مواقفها من قانون الانتخاب ، ونحو إنتخابات الدورة المقبلة لمجلس النواب السابع عشر . المجموعة الأولى : تتمثل بمواقف الأحزاب الوطنية الوسطية التي تنحاز في موقفها المعلن للمشاركة في الانتخابات المقبلة بمستوياتها الثلاثة تسجيلاً وترشيحاً وإنتخاباً، وعلى الرغم من تحفظ بعضها على قانون الأنتخاب، فهي ترى أن المشاركة واجباً دستورياً، وحقاً من حقوق المواطنة يجب عدم التفريط به ، ومصلحة شخصية في فرض المشاركة الشخصية للمساهمة في صياغة وتشكيل مؤسسات صنع القرار، من خلال الأسهام بإختيار نواب يمثلون مصالح ورؤى الناخبين، وإنعكاس ذلك على حجب أو منح الثقة للحكومات، ولأشخاصها وبرامجها، وهي عملية تراكمية ، يزداد تأثيرها مع الزمن، ومع إزدياد رسوخ المؤسسة البرلمانية والاقتراب التدريجي من هدف الأصلاح وشعاره المعلن نحو " حكومات برلمانية حزبية " .
الأحزاب الوطنية الوسطية، ترى ضرورة المشاركة، والأذعان للمصالح الوطنية العليا، والتواصل التدريجي مع إستحقاقات الأصلاح السياسي والأقتصادي والأجتماعي والتي بدأت بالتعديلات الدستورية، ولم تنته بها، حيث أكد جلالة الملك بإفتتاحه مجلس النواب في 26/10/2011، أن" التعديلات ليست نهائية، بل هي خطوة نوعية على طريق الأصلاح " .
والمجموعة الثانية : ممثلة بالأحزاب القومية واليسارية الخمسة، التي لم تعلن موقفها بعد من عملية المشاركة أو المقاطعة، وهي لا تزال تراهن على تطورات محتملة داخلية أو إقليمية أو دولية، تُؤجل الأنتخابات ، أو إجراء تعديلات على القانون، بعد أن وصفه جلالة الملك على أنه قانون " ليس مثالي " ، وإقرار رئيس الوزراء على أنه " قانون خلافي " .
الأحزاب اليسارية والقومية أجرت إستفتاءات داخلية لقواعد ومؤيديها ، كان حصيلتها أن ثلاثة أحزاب قومية ويسارية رجحت قرار المشاركة وإثنان منهم رجحت قواعدها قرار المقاطعة، ولكن حصيلة مواقفها بالمشاركة أو بالمقاطعة سيكون جماعياً وموحداً ، لضمان وحدة موقفها كموقف ثالث يقع ما بين توجهات الحكومة وتوجهات الأخوان المسلمين، وترى نفسها أنها بمثابة مرجعية للطرف الثالث ، يجب الحفاظ على تماسكه ووحدة موقفه والقائم على ضرورة إجراء تعديل على القانون بما يلبي زيادة عدد أعضاء القائمة الوطنية من 27 مقعداً إلى 75 مقعداً أي أن تكون المناصفة ما بين مقاعد الدائرة الوطنية على مستوى المملكة ومقاعد الدائرة المحلية على مستوى المحافظة أو اللواء، وأن يكون للمواطن صوتان أحدهما للدائرة الوطنية والثاني للدائرة المحلية . الأحزاب القومية واليسارية، لا ترى ضرورة لأعطاء الدائرة المحلية أكثر من صوت واحد ، وهي تعارض حركة الأخوان المسلمين مطلبها بإعطاء الدائرة المحلية صوتان إلى جانب صوت القائمة الوطنية ، وتحبذ هذه الأحزاب توسيع الدائرة المحلية لتشمل المحافظة أو اللواء إعتماداً على عدد السكان ومدى كثافتهم .
المجموعة الثالثة : متمثلة بحركة الأخوان المسلمين ومن يتبعها، خاصة حزب الوحدة الشعبية، الذي يصفه البعض على أنه يغرد خارج سربه اليساري، خاصة وأنه طرف في التحالف القومي اليساري، وإتخذ موقفاً بالمشاركة بعملية التسجيل إنسجاماً مع باقي الأحزاب اليسارية والقومية، ولكنه إتخذ موقفاً مع الإخوان المسلمين بالمقاطعة لعملية الترشيح والانتخاب .
الأخوان المسلمون ، يرفعون سقف مطالبهم بإجراء تعديل على مواد الدستور 34 و 35 و 36 ، للوصول إلى هدف تعديل القانون، فالقرار الذي إتخذوه ثبت تطرفه وعدم توفر ظروف تحقيقه ، بدلالة رفض الأحزاب اليسارية والقومية مجاراتهم في قرار مقاطعة الأنتخابات ، وإتخاذهم موقفاً وسطاً وأكثر ليونة، بتعليق قرارهم في المشاركة أو المقاطعة مشترطين تعديل القانون وعدم ربط تعديل القانون بالتعديلات الدستورية ، على الرغم من أن الأحزاب الخمسة شركاء للأخوان المسلمين بالجبهة الوطنية للأصلاح التي يرأسها أحمد عبيدات، وحلفاء لهم في لجنة تنسيق أحزاب المعارضة، ولذلك فهم يحملون مسؤولية ضعف موقف المعارضة أمام موقف الحكومة، وخلق حالة من الأرتباك في الشارع بسبب الموقف المتطرف المتسرع للأخوان المسلمين بإتخاذ قرار المقاطعة منفردين، وبمعزل عن رؤية وتقدير الأحزاب القومية واليسارية، ممايعكس نفسه على حركة الشارع التي باتت موزعة بين ثلاثة مواقف بالمشاركة أو بالمقاطعة وما بينهما .
المجموعات الثلاثة ، تملك وجاهة التقدير ، كل من زاويتها لرؤية المشهد السياسي ، ونحو إجراءات العملية الأنتخابية : المجموعة الأولى : تنشط بإتجاه الأنتخابات ، وتدعو قواعدها للأسراع في عملية التسجيل ، لأنها ترى أن ثمة تطوراً مفيداً طرأ على القانون يتمثل بمظهرين لافتين للإهتمام والأستفادة أولهما أن للمواطن صوتان، فالصوت الأول يلبي حاجات المنطقة الجهوية، فيقدم المواطن صوته لأبن منطقته ودائرته الأنتخابية، وهو في نفس الوقت يملك صوتاً أخر يقدمه للقائمة الوطنية على مستوى المملكة ، وثانيهما وجود القائمة الوطنية التي تمنح الحزب والقائمة فرصة جمع الأصوات لصالح الحزب وقائمته من كافة مناطق المملكة مما يؤهله للإنتشار والتوسع والحضور الحزبي والجماهيري .
وترى مجموعة الأحزاب الوطنية الوسطية أن مسار عملية التسجيل تسير قدماً إلى الأمام، وتتسع حلقة التسجيل مع الوقت، ومع التسهيلات التي توفرها دائرة الأحوال المدنية والهيئة المستقلة للانتخابات وخاصة فتح مكاتب جديدة في مواقع مختلفة، كالأندية والبلديات مما خلق حالة من الأنتباه والتجاوب الجماهيري وإنعكس ذلك على معدلات التسجيل المتصاعدة .
بينما تجد المجموعة الثانية الأحزاب اليسارية والقومية ، أن في القائمة الوطنية رافعة مهمة على طريق التطور الوطني والديمقراطي التعددي، خاصة وأن ممثليها في لجنة الحوار الوطني هم الذين طالبوا وفرضوا الدائرة الوطنية وغدت واقعاً مسلماً به وأقرت به الحكومة عبر القانون ، ولكنها ترى تواضع مقاعد القائمة الوطنية بسبعة وعشرين مقعداً من أصل 150 مقعداً عدد أعضاء مجلس النواب المقبل المقترح أي لا يتجاوز نسبة 18 بالمائة، وهي نسبة متواضعة ، مقارنة مع مطلبهم أن يكون للدائرة الوطنية 75 مقعداً و للدوائر المحلية 75 مقعداً ، ولأن هذه النسبة المتواضعة للقائمة الوطنية على مستوى المملكة لا توفر الأرضية المناسبة لولادة حكومات برلمانية حزبية وفق عملية الأصلاح السياسية المرجوة .
كما تشارك الأحزاب القومية واليسارية المجموعة الأولى من الأحزاب الوسطية الوطنية ، أن الترشح عبر القائمة الوطنية على مستوى الأردن ، يمنح الفرصة للأحزاب كي تحصل على أصوات قواعدها ومؤيديها وإنتشارهم في المحافظات .
الأخوان المسلمون يدللوا على صواب خيارهم بضعف التسجيل وضعف نسبة الحصول على البطاقة الأنتخابية ، ولذلك قرروا العودة إلى الشارع لكسر إرادة الحكومة ، وهو توجه لا يتجاوب مع رغبة حلفاؤهم من الأحزاب اليسارية والقومية ويبدو أن الأمر سجال بينهم .