حكومة غزة..وهل تبقى شرعية لأحد!

خاص لزمن برس- من يذكر يوم الرابع والعشرين من يناير لعام 2009 ؟ وهو اليوم الذي أتم فيه الرئيس عباس أربع سنوات من الحكم، يومها كان كل الناطقين باسم حركة حماس يلحقون اسمه بالمصطلح القانوني "المنتهية ولايته" وأنا من الذين تفاءلوا بحرص حركة حماس على القانون، واعتقدت يومها أنها لن تقبل على نفسها ما لن تقبله لغيرها ولن تنتظر الحركة حتى توصف بالمنتهية ولايتها وتصبح في عداد مغتصبي السلطة.

انتظرت أن تنتهي المدة القانونية لأعضاء المجلس التشريعي وتصورت أن ممثلي حركة حماس سيعقدون مؤتمرا صحفيا في الخامس والعشرين من يناير 2010 يقدمون للشعب استقالات جماعية التزاما بالقانون الذي أبدت الحركة خوفا كبيرا من تجاوزه حين تعلق الأمر بالرئيس عباس.

وطوال ذلك العام ظل يتردد ذلك المصطلح ،والذي بدأ يحفت حتى سحب من التداول قبيل أن يتمم المجلس التشريعي ولايته القانونية لأنه التحق بالرئيس "المنتهية ولايته" وتبخر الحرص الزائد لحركة حماس على الالتزام بالنصوص القانونية.... إنه التواطؤ والتآمر غير المتفق عليه لمصادرة حق الشعب باختيار ممثليه والذي كفله له القانون.

هذا النموذج يصلح للقياس وإصدار الأحكام على الفصائل الفلسطينية وكيفية ممارستها للحكم والسلطة فهي تتنقل بين الدهاء الشديد والسذاجة المثيرة للشفقة، الدهاء حين يتعلق الأمر بمصالحها ولكنها ساذجة لدرجة الانكشاف في التعبير عن تلك المصالح، وتبلغ السذاجة ذروتها حين تعتقد الفصائل أن الشعب على هذه الدرجة من الجهل ليبتلع كل ما تقول.

الفساد اسمه الفساد حين يتعلق الأمر بالآخرين ولكن حين نصبح جزء منه نبدأ بالبحث عن مبرراته, والدين يعني الالتزام النصي الصارم بكل مكوناته وحين يتعلق الأمر بنا نبحث في تخوم الآيات والأحاديث لانتزاع فتوى تبيح التملص من صرامة النص, والقانون يعني القانون حين يتعلق الأمر بالخصوم ولكن حين يتعلق بنا نبحث عن القواسم المشتركة للتواطؤ مع من داسوا عليه بأقدامهم، هذا هو حالنا للأسف ومن لا يصدق عليه مراجعة كل تاريخ المعارك الصغيرة بين الفصائل ليرى كيف تستدعي الوطنية والدين والقانون فجأة ،ثم يتم إلقاؤها جانبا في معارك أخرى، وكيف يتحول من استدعى ذلك الثالوث المقدس أحيانا والمداس أحيانا من النقيض إلى النقيض.

استحضرني كل ذلك التاريخ من الملهاة الوطنية وأنا أتابع إعادة تشكيل حكومة السيد إسماعيل هنية في قطاع غزة وسط اجتماع لأعضاء المجلس التشريعي من حركة حماس والذين لن يصفهم أحد في الحركة ب"المنتهية ولايتهم" وكذلك حركة فتح التي يخضع أعضاؤها لنفس التجاوز القانوني في أحد أهم عمليات التآمر على الشعب الحالم بالقانون, فالحكومة المذكورة تبحث عن شرعية في وسط غير شرعي ومؤسسات فقدت صفتها التمثيلية وهي تبدأ بإشكاليتين: الأولى قانونية فقد جرت العادة أن يكلف ووفقا للنصوص القانونية الرئيس من يرى أنه مناسب بتشكيل حكومة بكتاب تكليف وأن يقسم الوزراء ورئيسهم المكلف اليمين القانونية أمام الرئيس, فرئيس الوزراء غير مكلف ووزرائها لن يؤدوا ذلك الطقس البروتوكولي القانوني هذا بعد مصادقة المجلس التشريعي أثناء ولايته طبعا ،وقد غاب كل ذلك عن هذه الحكومة وبدل أن يتسلم رئيسها كتاب تكليف تسلم قبل أكثر من خمس سنوات كتاب إقالة هذا عندما كانت هناك صلاحيات للجميع للعمل والتمثيل ، فكيف سيكون الأمر حين تنتهي ولايته وولاية الرئيس من قبله وكذلك المجلس التشريعي يصبح الأمر أقرب لفرض الأمر الواقع من قبل قوة سياسية.

الإشكالية الثانية هي إشكالية سياسية تطرح تساؤلات كثيرة حول هذه الحكومة الخاصة بغزة أثناء الحديث الإسرائيلي "الخفي المعلن "عن دولة غزة والرغبة الإسرائيلية بالتخلص منها ودفعها باتجاه مصر، فالقرار المتخذ مبكرا نتاج دراسات معمقة عن حالة هذه المنطقة الفقيرة والمزدحمة والتي قالت منذ سنوات ما أكده تقرير الأمم المتحدة بأن غزة في العام 2020 لن تكون قابلة للحياة ،وقد أبدت إسرائيل مبكرا خشيتها من انفجارها في وجهها لتبدأ بالتحلل مبكرا منذ انسحاب شارون وصولا لإغلاق المعابر والتحرر من غزة وهنا تبدو الخشية من بساطة وبراءة سياسيونا وإلا ماذا يعني حكومة غزة وبرلمان غزة ألا يشكل ذلك خوفا من ملامح دولة غزة الآخذة بالتبلور؟

وعلى الجانب المقابل ستجري الشهر القادم في الضفة الغربية انتخابات المجالس البلدية بمعزل عن غزة، وبما يعزز هذا الانفصال الذي أصبح مصلحة ليس فقط إسرائيلية بل وإقليمية أيضا فانتخابات الضفة دون غزة هي تعزيز للانقسام والأهم أن كل ذلك يجري وسط مؤسسات فقدت دستوريتها منذ زمن وفصائل تنتقل من الموقف لنقيضه بكل سلالة وفهلوة سياسية وقانونية وسط غياب ضغط شعبي فاعل أو قادر على أن يشكل حالة تحسب لها الفصائل أية حسابات ومن الواضح أن الأمر سيستمر إلى حين أن يتمكن الشعب من استعادة سلطته المستلبة ويبدو أنه لن يستطيع لأن التواطؤ بين المستفيدين من ثبات وتأبيد الوضع في الداخل كبير, والمؤامرة الخارجية بفصل الضفة عن غزة أكبر, فلو جرت انتخابات ستعيد بناء النظام السياسي الموحد وحكومة واحدة للضفة وغزة, وإسرائيل لن تقبل بذلك!

Atallah.akram@hotmail.com