الحد الأدنى للأجور ...وتضارب المصالح!
تقرير: سجى نصرالله
كان عنوان المرحلة الحالية لدى المواطن الفلسطيني، الحد الادنى من العيش ،هو العيش كله واكتفى بذلك!
فتشهد الأراضي الفلسطينية أزمة اقتصادية خانقة، ولا يقتصر السبب في ذلك على الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة، بل تتجلى أيضا وبشكل واضح مع استمرار ارتفاع الاسعار وتأخر الرواتب و فرص العمل شبه المعدومة والاعداد الهائلة من العاطلين عن العمل والضرائب التي أرهقت كاهل المواطنين، والاهم من ذلك كله هو الاجور المنخفضة، والتي لا تؤمّن الاحتياجات الاساسية للمواطن.
فوفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،ارتفع مؤشر غلاء المعيشة (الرقم القياسي لأسعار المستهلك) في الأراضي الفلسطينية للعام 2012، بنسبة 2.88%، وزادت معدلات البطالة بين الشباب الى أكثر من 30% وهذا المعدل يفوق المعدل العام للبطالة في الأراضي الفلسطينية البالغ 24%، وأما مستوى الفقر، فقد بلغ حوالي 26%.
ولعلنا اوردنا قصدا في بداية الحديث كل الاسباب التي أفرزت هذه الحالة المأساوية التي يعيشها الفلسطيني، والتي تدفع بشكل ملّح و قوي للمطالبة بتحديد الحد الادنى من الاجور للعمال، وهذا لتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
ولكن على أرض الواقع نرى الحديث عن ذلك والتعاطي معه مختلف تماما ومتباين، فالنقابات العمالية تطالب بإقرار القانون، والجمعيات تطالب، والحكومة تعقد الاجتماعات، كل هذا ولا شيء ملموس على ارض الواقع، لا اقرار للقانون، ولا الزام لأرباب العمل، فما السبب وراء ذلك ؟ ومن المسؤول ؟ وهل فعلا لا يوجد توافق بين الاطراف المعنية بهذا الامر؟!
وفي عرض لموقف الحكومة، يقول وزير العمل " أحمد مجدلاني" بان الحكومة تقف على بعد مسافة واحدة من جميع الاطراف اي: اصحاب العمل والعمال، وانه حسب قانون العمل الفلسطيني، فان الحكومة شكلت لجنة سياسة الاجور والتي تتكون من جميع الاطراف بالتساوي، وهذه اللجنة يوجد لها سقف زمني لاقرار الحد الادنى للاجور والذي هو في نهاية العام الحالي. وأشار مجدلاني الى ان اللجنة قطعت شوطا طويلا في هذا الامر، وحاليا يتم التفاوض على حديّن للاجور ما بين (1200-1600) شيقل.
أما بالنسبة لموقف النقابات العمالية فيقول "حسين الفقها"، أمين سر الاتحاد العام لنقابات العمال، انه في ظل الغلاء الفاحش فإن تحديد الحد الادنى للأجور هو مطلب ضروري، فهو يساعد على تحقيق وضمان السلم الأهلي وتوفير نوع من العدالة لإنصاف فئات مظلومة من العمال، خاصة من يعملون بالمياومة.
وقال ان النقابة طالبت بتحديد الحد الانى بما يتلائم مع خط الفقر، والذي تم تقديره من قبل جهاز الاحصاء المركزي بـ 1750 شيقل، واضاف ان النقابة لن تقف متفرجة امام هذا الاجحاف بحق العمال.
ويؤكد أن الحكومة الفلسطينية تقف موقف الحياد السلبي في قضية تحديد الحد الادني للأجور، والى الان لا توجد رؤية جدية في ذلك، مع انه لا يوجد اي تبعات مالية تترتب على الحكومة.
وردا على ذلك يقول مجدلاني، أنه لا يمكن إنكار دور الحكومة، فهي التي تدير الحوار بين الاطراف ،وتشرف عليه، وتعمل على جسر الهوّة ما بين الطرفين.
ويشير مجدلاني الى أن: "الفريق العمالي لم يكن على قدر من النضج والمسؤولية، بخلاف فريق اصحاب العمل الذي كان دائما على استعداد لتقديم الحلول في التعاطي مع هذا الامر" حسب قوله.
ومن جهته أرجع الدكتور محمد نصر، عميد كلية التجارة والاقتصاد في جامعة بيرزيت، أن السبب وراء عدم اقرار قانون الحد الادنى للاجور الى الان، هو تضارب المصالح بين االنقابات العمالية واصحاب العمل، فاصحاب العمل غير معنيين بإقراره لأن ذلك سيلزمهم بحد أعلى من الذي يدفعونه للعمال.
وأضاف " أن الحكومة تدرك ان تحديد الحد الادنى سيكون له تأثيراته السلبية، وسيؤدي الى ارتفاع معدلات البطالة، لان اقرار حد ادنى مرتفع سيقلل معدلات النمو، وسيزيد البطالة بالتالي سيقلل الايرادات المالية للحكومة، ولكن في المقابل الحكومة غير معنية بان تظهر في موقف الداعم لأصحاب العمل مقابل العمال" على حد قوله.
في ذات السياق، يجب ان نقف عند أمر مهم، وهو ان الاقتصاد الفلسطيني مربوط بشكل وثيق بالاقتصاد الاسرائيلي، فارتفاع الاسعار في اسرائيل يتبعه ارتفاع في الاراضي الفلسطيني، ولكن عند أكمال هذه المقارنة، نجد ان الحد الادنى للأجور في اسرائيل هو 4500، بينما في الاراضي الفلسطينية لا يوجد حد أدنى، وبعض العمال يتقاضون 500 شيقل!
وتعليقا على ذلك ، يقول مجدلاني: ان هذا يعتمد على الناتج القومي، فهو في اسرائيل 200 مليار دولار، بينما لا يتعدى 10 مليار دولار للسلطة، بالتالي لا يمكن انصاف العمال على حساب انتاجية السوق.
وفي أشارة مهمة يقول الفقها: "ان الفقر الذي تعيشه فئة العمال يؤدي الى خلل كبير في البنية المجتمعية، فالثروة يتمتع بها 1% من الشعب الفلسطيني، وهذا الظلم يؤدي الى هذا الخلل، ونتيجة ذلك القهر والظلم ستكون حتما الثورة، وهذا ما شاهدناه جليا في الربيع العربي، فكان المحرك لهذه الثورات هي الطبقات العمالية.
ويرى الفقها ان هذه الأوضاع التي يرزح تحت وطأتها أغلب الشعب الفلسطيني، ستشكل أنحراف لبوصلة النضال الفلسطيني، فالعامل الذي يجري وراء لقمة العيش ليؤمن رغيف الخبز لاطفاله، حتما سيهمل الجانب النضالي، وسيتخلى عن موقعه في هذه المعركة.
وختاما، يرى نصر ان المشكلة ليست بالحد الادنى للأجور ولكن في مستوى إنتاجية العامل الفلسطيني، و أن الحل الأمثل لهذه المعضلة يكمن في تحسين مستوى إنتاجية العامل الفلسطيني، وبالتالي زيادة الطلب على هذا العامل، ما يدفع بالأجور إلى الزيادة، ويزيد في نفس الوقت، من عدد العاملين في السوق.
وأشار نصر أن هذا يتطلب من الحكومة التركيز على البرامج التي يمكن أن تسهم في زيادة إنتاجية العمل، و اكد ان ذلك سيعمل تباعا على تحسين الظروف الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأجور، وفي نفس الوقت زيادة الإنتاج وارتفاع معدلات النمو.
زمن برس