" حَـسَـنْ الصّفـَدِي ... تَمَترَسْ بِجُوعِك ... فَأنتَ لَم تَنتخِبهم قـَطّ !"
في خضم الأحداث، وتزاحم الأفكار، وكثرة إنصاتنا لما يجري حولنا وتأملنا فيه... يشقّ حسن وصحبُه طريقاً ملؤها ثلاثية شريفةٌ خطّها أولوا السبق، ثلاثية الحرية والعزة والكرامة ... كرامة قلوبهم النابضة بالحياة وعزة نفوسهم الأبية، ويحدوهم في ذلك أملهم بثالِثِها ... الحرية ... تلك التي غابت عنهم بعيداً ...!!
في الأول من أيلول ... الذي طالما اعتدناه مضمخاً بعبق الدّم والشهادة... تواجدت في مدينة نابلس للمشاركة في اعتصام تضامنيّ مع الفرسان الأربعة المضربين عن الطعام وعلى رأسهم "حسن الصفدي" ابن نابلس ... وقفت من بعيد مترقباً بدء الحدث، لم أرّ حتى اللحظة الكثيرين ... قلت لعل موعد الإعتصام لم يقترب بعد، فالحشد قليل، بالكاد آحادٌ متفرقة من الناس، ورد في ذهني خاطرٌ يقول لي "سيأتي الناس والمتضامنون بعد قليل"، وأردف موحياً لي "بعد دقائق لن تجد مكاناً من كثرة الحضور، فلا بد وأن يتوافد الأهالي والمحررون والرسميون وغيرهم من المارة ..." .
في المشهد الأول ... حان وقت الإعتصام، هالني المشهد، بِتُّ أكذب عيني وأصدق خاطري تارةً، ثم أنظر إلى ساعتي، إنها الرابعة ودقائق، فأصدق عيني وأكذب خاطري تارةً أخرى ! ذوو حسن ووالدته الصابرة، عدد بضعٌ من الشباب المستقل، من الفتيات الناشطات، وقليل من رجال نابلس المتضامنين مع حسن، أمّا الحاضرون دوماً، والقادمون من بعيد، من المدينة التي تصحو عندما يغفل الجميع، إنهم الأسرى المحررون ... طارق قعدان، خضر عدنان، بلال ذياب، جعفر عز الدين، وبسام ذياب ! لم يتواجد ضمن المعتصمين واحدٌ من عشرات الأسرى المحررين المتواجدين في مدينة نابلس أصلاً، لم نرَ وزير الأسرى ولا غيره من الرسميين، أما نواب التشريعي فلم نرَ أياً منهم من الكتلتين المتناحرتين على "بقايا وطن" ... وخصوصاً نواب حماس المحترمين ... عذراً لكم نوابنا، وشيوخنا المبجلين، نخاف نحن أيضاً –كما تخافون- أن يُتلِفَ الغبار على الدوّار في مكان الإعتصام بدلاتكم الرسمية، او أن تغبرّ أحذيتكم اللامعة، او تهتز عمائمكم أثناء صراخكم تضامناً مع حسن ... !!
وفي ملاحظة لفتت انتباهي، رأيت فتاةً لم تتجاوز الخامسة والعشرين وهي تحمل صورةً لحسن، كانت تلك الفتاة ترقب الحضور الفاتر من خلف نظارتها السوداء وقد بدا عليها التأثر لحال والدته، ترتدي تلك المتضامنة (الجينز والتيشيرت)، وطالما سمعنا تعليقات الشيوخ في الجامعات على هذا النوع من الفتيات ... لكن في هذه المرة خاب ظنّ هؤلاء ... فقد غاب الشيوخ وظهرت الفتاة .. !!
في المشهد الثاني ... إغماء والدة حسن حزنا وكمداً على جوع حسن وآلامه، تمّ نقلها للمستشفى، وبرفقتها قعدان وعدنان وعز الدين وذياب ، "أين الناس من ابني حسن" تقول والدة حسن، ومن ثم تضيف "يا رب أموت قبل ما أذوق حسرة ابني حسن ..." ، في المشفى مشهدٌ كافٍ لتحريك بقايا ضمائرنا النائمة .. !! المشهد الأخير ... في مكان استقبال الأسير المحرر النائب "حسام خضر" ... جاء وفدُ الأسرى المحررين المشاركين في الإعتصام التضامني لتهنئة النائب حسام بالسلامة وحريته من سجون الإحتلال، جاء كل من قعدان وعدنان وعز الدين وذياب وقد كان العرق يتصبب من نواصيهم وقد لفحت وجوههم شمس أيلول الحارقة، وما هي إلا لحظات وإلا بوفدٍ من نواب حماس وشيوخها، تعدادهم لا يقل عن عشرة أشخاص، منهم د.ناصر الشاعر، د.مصطفى الشنار، د.خضر سوندك وغيرهم من "الأسماء والشخصيات الوازنة"، ومنهم أساتذة في جامعة النجاح كَ د.علاء مقبول. لحظات أو دقائق قليلة هي التي فصلت قدوم الوفد الحمساوي لبيت المحرر حسام خضر وبين حدوث الإعتصام على الدوار، أين كان هؤلاء، أين مؤيدوهم ومناصروهم في نابلس !!؟
ريما يعلق الكثيرون من أنصارهم هذا الفشل الذريع والتقصير الكبير في التضامن المقدم من قبل هؤلاء الشيوخ والنواب على شماعة الإحتلال والسلطة بالأخص، وهذا عذر أقبح من ذنب، فعندما تنزل الجماهير للشارع تضامناً مع حسن وغيره، وتُفتَحُ خيم الإعتصام مرّةً أخرى، عندها سيصبح الموضوع أكبر من مسألة تناحربين فصيل وسلطة أو غيرها، لكن يبدو أن قراراً كهذا لم يصدر بعد لدى الكثيرين ممن طلقوا قضية الأسرى !! أم أنّ نضالاً وكفاحاً بدأه فصيل آخر أو إعتصامٌ يأخذ زخمه قادة ورموز فصيل آخر من الصعب على الكثيرين حضوره ولا يروق لهم ذلك !!؟ في الختام ... عذراً نواب المجلس التشريعي المبجلين، فما زلت مقتنعاً بألا أُتلِفَ أناقتكم ورتابتكم بغبار الإعتصامات ... عذراً فقد نسينا إحضار جرعات التملق وقليلٍ من الكاميرات علّ شخوصكم "المصونة" تجد طريقها لاعتصاماتنا ...
عُذراً ... نسيتُ أن أُخبِرَكم يا سادة ... فـَ "حَـسَـنْ" لم ينتخبكم قـَـطّ !!