الى عباس وفياض

عقد الرئيس محمود عباس بالامس مؤتمرا صحافيا، صارح به الشعب عن واقع الحال السياسي والاقتصادي ، وأكد على عمق الازمات الماثلة والمحيطة بالمؤسسة القيادية ومستوياتها المختلفة، لكنه لم يقدم اجوبة على اسئلة التحدي، او انه بالاحرى أشار إلى ضيق اليد في إشتقاق حلول للعديد من الازمات. مع ذلك، لوح بما تختزنة الذات الوطنية من امكانيات غير محدود في حال إستمرار إنسداد الافق. كما هي عادته دافع الرئيس ابو مازن عن رئيس حكومته والوزراء.

واكد للصحفيين، ان قرارات الحكومة، هي قراراته، وهو المسؤول عنها. محاولا بذلك، ان يخفف من الحمل الثقيل، الذي تلقيه بعض القوى والشارع على شخص سلام فياض، رغم ان ابو خالد في كل حملته الاعلامية الاكثف منذ تسلمه مقاليد الوزارة بعد الانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية اواسط 2007، لم يبرىء نفسه ولا حكومته من المسؤولية فيما آلت اليه الامور، وان كان رئيس الوزراء والرئيس وكل مكونات الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تؤكد ان الاحتلال الايرائيلي يتحمل المسؤولية الاساسية عن الواقع البائس، الذي تعيشه الساحة الفلسطينية.

كل ما تقدم توصيف للواقع، ونقل لما طرحه زعيم الشعب ووزيره الاول. وهو ليس بيت القصيد من الموضوع الذي يفترض إثارته هنا. الرئيس ابو مازن للخروج من ازماته المتعددة، بحاجة الى خطاب سياسي جديد. لان الخطاب السياسي الممتد منذ عام 1974، اثبتت التطورات السياسية وصوله لطريق مسدود.

وتعمق إنسداد الافق بعد إقامة السلطة الوطنية مطلع العام 1994، ويوما تلو الآخر تكشف الايام عن حقيقة بيضاء كالثلج او صادمة كبركان يغلي نارا، ان القيادة الاسرائيلية ، اي كانت طبيعتها وخلفيتها السياسية (يمين او وسط او يسار صهيوني بما في ذلك اولمرت وليفني) ليست مستعدة لدفع استحقاق السلام طالما العالم وخاصة الولايات المتحدة تقف خلف سياساتها وتغطي انتهاكاتها. وكلما تقدمت القيادة الفلسطينية خطوة للامام باتجاه تحفيز القيادة الاسرائيلية للجلوس على طاولة المفاوضات، كلما تعنتت القيادة الاسرائيلية، وأوغلت في جنوحها نحو الاستيطان الاستعماري. لذا على الرئيس محمود عباس واركان قيادته والعقل الجمعي السياسي البحث عن رؤية جديدة، وعدم المراوحة في ذات المكان. ولا ينفع إحتساب الامور بالطريقة الكلاسيكية القائمة منذ عام 1994، بقاء او عدم بقاء السلطة والمسؤولية عن المواطنين، فهذه المسؤولية كانت وستبقى على اي قيادة وطنية إن كانت السلطة او غابت السلطة، ولا يعني ما تقدم دعوة لحل السلطة، ولكنها دعوة لعدم الخشية من اي خطوة دراماتيكية ستلجأ لها القيادة الشرعية لحماية الذات والمشروع والاهداف الوطنية، التي تقزمت الى الحد الذي لم يعد مقبولا، ولا مسموحا به. وبالعودة للعلاقة التبادلية بين الرئيس عباس ورئيس وزرائه فياض، فإن المراقب يعتقد ان العلاقة مرت باكثر من مستوى، المرحلة الاولى التكامل العميق بين الرجلين.

وشهدت دفاعا غير محدود من الرئيس ابو مازن عن رئيس حكومته امام هجمات القيادات الفتحاوية والوطنية المختلفة. ثم دخلت العلاقة مرحلة الدفاع المحسوب لاعتبارات مختلفة، لها علاقة بالتطورات الداخلية وعلاقات القوى الدولية والاقليمية مع الدكتور سلام. ومرحلة مرتبطة بالمصالحة، حيث تم التوافق بين حركتي فتح وحماس ، ترغبان برئيس وزراء توافق بديل للدكتور ابو خالد. وللاسف سلام فياض، رغم براعته، وتفوقه على ذاته في رئاسة الحكومة، لم يدرك إلآ مؤخرا، أن عليه ترك رئاسة الحكومة، والبدء ببناء إطاره الخاص "الطريق الثالث" او غيره.

كان الاجدر بالدكتور فياض ترك المؤسسة الحكومية في ايار \ مايو 2011 بعد لقاء المصالحة في القاهرة. لكنه ومن معه ومن يؤيده من قوى داخلية وخارجية، أخطأوا حساب الربح والخسارة في البقاء او عدم البقاء في الحكومة. وتشير المعطيات ان سلام فياض كلما بقي يوما اضافيا في الحكومة، كلما خسر أكثر. فيعد ان كان رصيده عاليا في اوساط الشارع عند توقيع ورقة المصالحة المصرية من قبل حركة حماس العام الماضي، تراجع هذا الرصيد بعد ازمة رفع الضرائب الى 30% ثم التراجع عنها. وتلا ذلك عدم التزام رئيس الحكومة بتسليم رسالة الرئيس ابو مازن لنتنياهو، والان هبط الرصيد الى ادنى مستوياته. والمسألة هنا ليس لها علاقة بوجود دور للدكتور فياض بالازمة الاقتصادية او عدم وجود مثل هذا الدور. الدكتور فياض لو "اضاء اصابعه كلها فإنه لم يعد محل قبول!" وبغض النظر عن دعم الرئيس عباس له او عدم الدعم له.

وبالتالي الافضل للدكتور ابو خالد (وهو بالمناسبة لديه قرار داخلي حاسم بترك الموقع الحكومي والتفرغ لمسؤلياته الاخرى) رحمة بشخصه وبالحال الوطني العام الاتفاق مع رئيس السلطة الوطنية على مغادرة الموقع باسرع وقت ممكن. وهذا لا يعني انه من يتحمل مسؤولية الازمة الاقتصادية، لان الازمة لها ابعادها الاسرائيلية اولا وثانيا ... وعاشرا ثم ابعاد اممية وعربية تتعلق بالدول المانحة قبل ان تطال اي مستوى قيادي فلسطيني.

حركة فتح ولا اقول الرئيس محمود عباس، لم تعد في معظم قطاعاتها القيادية والكادرية مع بقاء رئيس الوزراء ابو خالد، وهناك قوى سياسية اخرى ، وان اعلنت بعضها عكس ما تبطن، فإنها تميل للتغيير وخاصة تغيير شخص الدكتور فياض. وايضا ابو خالد لم يعد مع البقاء في موقعه، وبالتالي طالما رئيس الوزراء يريد المغادرة والقوى والشارع مع هذا الاتجاه، لذا من الضروري ايجاد الاليات المناسبة، التي تحفظ الكرامة الوطنية والخروج من الدوامة باقل الخسائر. كان يمكن لما جاء في هذه المكاشفة، ان يكون داخل الغرف المغلقة، ولكن نتيجة تواتر الاحداث، لم يعد الامر يحتاج الى هكذا اسلوب، واصبح من الضروري مشاركة المواطنين في الهم المشترك.