اغتيال عرفات: لا للتحقيق.. نعم لمحاكمة المجرم!
هاني حبيب-زمن برس
شهدت الأيام الأخيرة العديد من المقرات التمهيدية لاستئناف التحقيق في أسباب وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، مواقف متعددة، لكل منها مبرراتها، طرحت نفسها في سياق هذه الخطوات، إلا أن معظم هذه المواقف لم تتوقف عند جوهر هذه المسألة البالغة الأهمية وهي أن المسبب في الوفاة، من له مصلحة في إزالة عرفات من قيادة شعبه الفلسطيني معروف، وأن البحث عن القاتل، هو تشكيك في قيام
المجرم بجريمته، إذ لم يعد هناك أي شك في أن إسرائيل هي التي بذلت كل جهد منذ زمن ليس بالقصير من أجل نجاح مساعيها في اغتيال عرفات، والعودة إلى مجمل الكتب التي أصدرتها بعض القادة المتقاعدين في أجهزة استخباراتها، تفيد بذلك بوضع لا يقبل الشك
إذن المطلوب ليس البحث عن القاتل، ولكن إدانته وتجريمه ومحاكمته، وهذا يعني عدم الانسياق وراء نزعات واندفاعات، لبذل الجهد للتعرف كيف توفي عرفات، فإن ذلك، يضع القاتل في موضع الشك، وليس الإدانة، ومن ناحية ثانية، وبعد ثماني سنوات من استشهاد عرفات، فإن أمر التوصل إلى دلائل كافية وجازمة حول أسباب موته بات أمرا مستبعدا، والاستمرار في هذا الجهد في الوقت الحالي، يصب في صالح القاتل الذي يقبع داخل أروقة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
ومع أن الاهتمام بالتحقيق الذي أجرته قناة الجزيرة مؤخرا، له ما يبرره، والذي أشار إلى أن الفحوصات التي أجراها المعهد السويسري تشكل دليلا إضافيا على أن وراء الجريمة إسرائيل وليس غيرها من خلال إثبات وجود "مادة بولونيوم" وهي مادة سمية لا تمتلكها إلى الدول النووية، في أدوات الرئيس الراحل.
ولا ندري لماذا لم تعطى أهمية لما كشف عنه مدير قسم "طب الأعصاب والحركة" في مستشفى هداسا عين كارم في القدس المحتلة البروفيسور أفينوعم ريخس، الخبير في علم الأعصاب والذي قام بمعاينة عرفات وفحصه عام 1993 بموافقة وحضور أطباء الرئيس، وقام فعلا بتزويد عرفات بالأدوية الخاصة بحالته التي وصفت بأنها "الباركنسون" التي يبدو أن الرئيس أخذ يعاني منها بعد سقوط طائرته في الصحراء الليبية عام 1993.
لدى الطبيب الإسرائيلي المشار إليه، ملفا كاملا، حسب قوله حول الوضع الصحي لعرفات، إلا أنه لم يفصح عن مضمونه في إطار العمل بالسرية الطبية، لكنه يقول، أنه تلقى عام 2002 وأثناء احتجاز عرفات في المقاطعة، أمرا من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرئيس شارون بالتوقف عن إرسال الأدوية للرئيس. طبيعة هذه الأدوية التي كان يرسلها الطبيب الأخصائي، أنها يجب أن يتم تناولها مدى الحياة، والتوقف عن تناولها، يعني الوفاة، كونها تحتوي على نسبة من المواد المشعة ومركبات كيماوية لعلاج الأعصاب ويتم تناولها بشكل منتظم وتحت الإشراف الطبي.
وبصرف النظر عن مدى دقة شهادة هذا الطبيب، فإن ما أشار إليه يجب أن يؤخذ على محمل الجد، لما تشكله هذه الشهادة من إدانة للقاتل المتهرب من العدالة، وهي تضيف دليلا جديدا على إصرار إسرائيل على قتل عرفات إلى أن نجحت في ذلك.
والجهد يجب أن يتوجه إلى ملاحقة القاتل – إسرائيل – وليس البحث في تفاصيل الكيفية التي جرت بها عملية القتل، فرغم أهمية ذلك إلا أن الأهم من ذلك توحيد كل الجهود في مواجهة القاتل ومطالبة المجتمع الدولي بمحاسبته.