إجتماعات القيادة نحو آفاق جديدة

عقدت القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس ابو مازن إجتماعا موسعا، ضم اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية وعدد من المستشارين لتدارس الواقع الفلسطيني. في اليوم الاول من الاجتماع استمع الحضور لموقف الرئيس عباس، تلا ذلك الاستماع لوجهات النظر المختلفة.

غير ان الاجتماع لم يخلص لنتائج محددة، وترك محمود عباس للقيادات بلورة رؤية خلال اربعة وعشرين ساعة ردا على بعض الاسئلة. وفعلا في اليوم الثاني بلور الاجتماع وجهة نظر محددة بشأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، تتمثل بالتوقف عن طرح الموضوع مالم تتم المصالحة الوطنية لقطع الطريق على حركة الانقلاب الحمساوية وجماعة الاخوان المسلمين عموما، الهادفة لترسيخ الانقسام.

اما الموضوع الثاني، كان يتعلق بصلب الموضوع السياسي، اي موضوع اوسلو ومستقبل عملية السلام، حيث تبلور اتجاه عام في القيادة مفاده، ان اسرائيل دفنت بسياساتها اتفاقيات اوسلو وباريس، ولم تبقِ منها شيئا إلآ ما تريده هي والمتعلق بالاستحقاقات المترتبة على الشعب والقيادة الفلسطينية. والمترافق مع عملية القتل الاسرائيلية لاوسلو وباريس، التخندق في الاستيطان الاستعماري وعمليات التهويد والمصادرة وتغيير معالم القدس الديمغرافية والجغرافية والدينية والتراثية ... الخ من الاجراءات والانتهاكات الارهابية والعنصرية المعادية للسلام. النتيجة أن إسرائيل قامت بتقطيع اوصال الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967الى ثلاثة اقاليم (ثلاثة دويلات إن جاز التعبير) الاول القدس الشرقية تخضع كليا للقيادة الاسرائيلية سياسيا وقانونيا واداريا وحتى تربويا .

والثاني اقليم الضفة ، الذي فصلت منه القدس الشرقية، ويخضع لعملية تقاسم نفوذ غير متكافئة بين دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية وقطعان المستوطنين من جهة والسلطة الوطنية من جهة اخرى، حتى حولت حكومات إسرائيل السلطة الفلسطينية إلى أداة تابعة للادارة المدنية الاسرائيلية.

والاقليم الثالث ، هو قطاع غزة، الذي اختطفتة قيادة حركة حماس عبر انقلابها على الشرعية في اواسط حزيران\ يونيو 2007 وبدعم واسناد من إسرائيل، لان تقسيم الاراضي المحتلة عام 67،وتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي الفلسطيني كان ومازال مصلحة استراتيجية إسرائيلية.

دون استطراد في قراءة ما تهدف اليه كل من إسرائيل وقيادة الاخوان المسلمين في فلسطين من عملية الانقلاب على الشرعية الوطنية في القطاع، كل من موقعه ورؤيته الخاصة، لتحقيق اهدافه، لكن القاسم المشترك بينهما تدمير وتصفية الوطنية الفلسطينية، وهذا ما بدأت في تكريسه انظمة الاخوان المسلمين في مصر وقطر وغيرهما من خلال استقبال قيادة الانقلاب دون التقيد بقرارات القمم العربية بشأن منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني. امام هذا الواقع المؤلم ، فإن القيادة السياسية إرتأت ابلاغ الجهات المختلفة وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، أن القيادة ليست مستعدة القبول بالسياسات الاسرائيلية، ولن تكون "مطية" لتمرير مشاريع الحكومة الاسرائيلية المعادية للسلام.

وبالتالي استمرار الحديث عن بقاء اتفاقيات اوسلو وباريس ليس سوى كذبة كبيرة. وعلى العالم وخاصة اقطاب الرباعية الدولية وتحديدا الولايات المتحدة تحمل مسؤولياته تجاه عملية السلام، التي قتلتها دولة الابرتهايد الاسرائيلية.

كما ان القيادة الفلسطينية تبنت التوجه للامم المتحدة للحصول على عضوية غير كاملة للدولة الفلسطينية في الوقت المناسب ودون الدخول في حروب وتحديات لا طائل ولا فائدة منهاللشعب الفلسطيني. مع ذلك، يمكن للمرء ان يؤكد بوضوح ، على اهمية ما تناولته اجتماعات القيادة، إلآ ان الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة الى رؤية وطنية اشمل واعمق مما تناولته الاجتماعات المذكورة، وهذا يفرض على الجهات المختصة الدعوة لاجتماعات اوسع وبحيث تضم الكفاءات السياسية والاعلامية والثقافية والاكاديمية من كل تجمعات الشعب في داخل الداخل والاراضي المحتلة عام 67 ومن الشتات بمختلف تجمعاته، بحيث يجري المجتمعون مراجعة وطنية شاملة، تناقش فيها كل المحطات والمراحل يتعمق ، وتشخيص السلبيات والايجابيات إن وجدت، ومن ثم استخلاص رؤية برنامجية نوعية تتواءم مع التطورات والواقع الجديد لمواجهة التحديات المنتصبة امام الفلسطينيين، ولاعادة الاعتبار للقضية والهوية الوطنية. وعلى ان يتم عقد اجتماع للمجلس الوطني لاحقا للمصادقة على الرؤية المشتقة من مجمل عمليات الحوار العميقة بين مكونات واطياف الشعب الفلسطيني.

الحاجة ملحة وضرورية لتبادر القيادة الفلسطينية لاستعادة زمام الامور بهدوء ودون افتعال معارك وهمية مع قوى ، لكن دون تراخي او تلكؤ ، لان الوقت يمضي سريعا ، والشعب الفلسطيني، هو ، وليس احد غيره من يدفع الثمن السياسي والاقتصادي ، ومن دمه ولحمه الحي.. وكون العالم عموما وإسرائيل خصوصا لا يسمعون من الصامتين والخائفين. وايضا لان الشعب لم يعد مستعدا للخشية من تكميم الافواه، ومن سياسة وضع الرؤوس في الرمال، كما لم يعد يخشى اسرائيل وارهابها ، ولكنه ايضا بات يعي ان معركته بحاجة الى حنكة وبراعة ومناورة مسؤولة، وليس معارك ارتجالية.