ممثل شرعي وحيد لفلسطين

لا أحد من الشعب العربي الفلسطيني يتنكر أو يتجاهل أو يدير الظهر لمكانة ودور مصر العربية، الشقيقة الكبرى بغض النظر عمن يقودها، وأي كان مستوى التوافق الفكري والسياسي مع قيادتها. ولكن ليس مسموحا لا للشقيقة الكبرى ولا للشقيقة القزم المتكبرة ولا لأي شقيقة من بلاد العرب تجاوز الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية، التي دفع الشعب الفلسطيني أنهاراً من الدماء لتعميدها في الأوساط العربية والإقليمية والدولية والإسرائيلية، عنوانا وحيدا للفلسطينيين بتياراتهم ومشاربهم المختلفة.

الموقف آنف التأكيد، مرتبط بزيارات وفدي حركة حماس بقيادة السيد خالد مشعل ، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وإسماعيل هنية، عضو مكتبها السياسي للقاهرة، واستقبال رئيس وزراء مصر هشام قنديل للسيد هنية، فضلا عن ما تناقلته المنابر الإعلامية الحمساوية والمصرية وغيرها عن لقاءات تجمع الرئيس محمد مرسي للشخصيتين الحمساويتين.

المؤكد أن الرئيس المصري مرسي، لم يستقبل أي قيادي من حركة حماس، وهذا ما كان قد أكده الدكتور ياسر علي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية ، عندما أعلن ، أنه لا يوجد على جدول أعمال الرئيس لقاءات مع أي شخصية فلسطينية من حماس أو السلطة الشرعية. غير أن عدم لقاء الرئيس محمد مرسي، وتصريح وزير خارجية مصر محمد كامل عمرو، أن لقاءات المسؤولين المصريين للشخصيات القيادية من حركة حماس، لا تتعدى طابع الزيارات الشخصية، وليس لها صفة اللقاءات التمثيلية ، لا تبرر لقاء السيد هشام قنديل ، رئيس وزراء مصر لاسماعيل هنية. لأن السيد اسماعيل هنية ليس له صفة سياسية، بل صفة حزبية، فضلا عن أنه يقود الإنقلاب الأسود على الشرعية الوطنية في محافظات القطاع،  كما أن القائد الحمساوي ومن لف لفه في قيادة حركة حماس، أعلنوا في أكثر من مناسبة عن توجههم لسحب البساط من تحت أقدام الشرعية الوطنية بقيادة محمود عباس. وأشار (هنية) عشية زيارته لمصر عن بحث العديد من الملفات مع الحكومة والرئاسة المصرية، التي تتعلق بمصالح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وكل ما تقدم ، يكشف أن الإجتماعات واللقاءات المصرية الحمساوية، لا تحمل طابع الزيارات الشخصية.

يعلم الجميع أن ملف المصالحة الفلسطينية مازال في اليد المصرية، وهذه رغبة الشرعية الوطنية، رغبة الممثل الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، والملف موجود بيد المخابرات المصرية وليس رئيس الحكومة هشام قنديل أو غيره من المسؤولين المصريين، الأمر الذي يضع علامة سؤال كبيرة على استقبال رئيس وزراء جمهورية مصر العربية للسيد أبو العبد، ومجرد اللقاء بين الإثنين لا يبرأ ساحة الحكومة المصرية من الاساءة للتمثيل الفلسطيني، لا سيما وأن "أول الرقص حجلان!" كما يقول المثل الشعبي. فالمرة قيل اللقاءات لا تتجاوز حدود الزيارات، ولكن بعد ذلك ماذا ستكون؟ بالتأكيد تتحمل القيادة الفلسطينية مسؤولية كبيرة عما آلت إليه الأمور، لأنها تساوقت وأجهزتها ومنابرها الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية باستخدام المفاهيم والمصطلحات الخاطئة عن قيادة الانقلاب الاسود في غزة، عندما رددت مفهوم "الحكومة المقالة" ، الذي لا يوجد له أساس في قواميس علم السياسة.

وتهاونت في الدفاع عن مكانتها ودورها تسهيلا لرصف طريق المصالحة الوطنية، لكن قيادة الانقلاب، التي راقبت عن كثب تراجع القيادة الشرعية منذ الانقلاب في اواسط 2007 حتى الان عن معظم ضوابطها إجراءاتها ، التي اتخذتها واعلنتها ضد قيادة الانقلاب، رأت في سياسة التراجع والانسحاب غير المنظم للقيادة الوطنية عن سياساتها وإجراءاتها، بأنه تراجع ناجم عن "هزيمة" و"ضعف" و"قبول بشروط الانقلاب".

لذا على القيادة الشرعية برئاسة الرئيس ابو مازن، التوقف أمام أدائها تجاه الإنقلاب الحمساوي، وتلتزم بما اتخذته لحماية الذات الوطنية، قبل أن تطالب مصر وقطر وغيرها من الدول العربية أو الإسلامية بالكف عن التطاول على الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية، كما عليها إعادة الإعتبار للمنظمة كمرجعية أساسية للشعب الفلسطيني، وتحميها من التبديد والإندثار من خلال تطوير دورها، واجراء عملية إصلاح جدية لبرنامجها السياسي ولدوائرها ومؤسساتها، وانقاضها من حالة المراوحة والموات، التي تعيشها منذ زمن بعيد تعمق مع نشوء وولادة السلطة الوطنية مطلع العام 1994.

مع ذلك، وأي كانت أخطاء القيادة السياسية لا يجوز لاي دولة عربية التطاول على الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير، التي إستماتت ، ومازالت تسعى حركة حماس دون كلل او ملل لسحب البساط من تحت اقدامها، لأنها ليست معنية بالشرعية ولا الهوية الوطنية، ولم تدرك قيمة وحجم التضحيات الجسام ، التي دفعها الشعب الفلسطيني من لحمه الحي شهداء وجرحى وأسرى وتدمير وسنوات عذاب ومؤامرات من بلد لبلد. وحتى لو أدركت، فهي (حركة الانقلاب) ليست معنية بكل الشهداء من فصائل العمل الوطني، لا بل انها تتنكر لهم، ولا "تعتبرهم" شهداءاً وفق عقيدتها الجائرة الرافضة اية شراكة وطنية، لأنها تريد ان تمسح من تاريخ الشعب العربي الفلسطيني الصفحات المجيدة، التي سطرها الشعب وقواه الوطنية (فصائل منظمة التحرير) ، لأنه يفضحها ويعريها، كونها بقيت خارج دائرة الفعل والمشاركة الوطنية. وحتى عندما قررت المشاركة في الإنتفاضة الأولى، رفضت الشراكة السياسية مع فصائل منظمة التحرير ، وأصدرت نداءاتها الخاصة، وأعلنت عن فعالياتها الخاصة، لأنها جاءت لتسحب البساط من تحت اقدام فصائل المنظمة.

حركة الإخوان المسلمين، التي عنوانها حركة حماس في فلسطين، لن تستطيع أن تمرر اكاذيبها ودهلزاتها على قيادة الشعب الفلسطيني تحت حجج وذرائع واهية. مع ذلك القيادة الفلسطينية حريصة كل الحرص على علاقات رسمية مع الشقيقة مصر تحفظ دورها كراعي عربي أساسي للمصالحة الوطنية، ولكن وفق المعايير المعتمدة، وبالتعامل مع القيادة الرسمية لمنظمة التحرير، والقيادة المنتخبة للسلطة الوطنية وعنوانها الرئيس عباس. وعدم الوقوع في شرك الالاعيب الحزبية الاخوانية الضيقة، لان حسابات حركة حماس، أصغر بكثير من حسابات حركة الإخوان الأم على ما فيها من مثالب ونقاط ضعف كبيرة، وأصغر بكثير من حسابات الرئاسة المصرية، حيث تريد قيادة الإنقلاب إلقاء غزة في المرمى المصري، واعفاء إسرائيل من مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية ، وبالتالي ضرب المشروع الوطني في الصميم من خلال التساوق مع الرؤية الإسرائيلية، التي عملت وتعمل على حصر الدولة الفلسطينية في غزة، والإبقاء على الإنقلاب والإنقسام للنسيج الوطني والاجتماعي. وهذا لا يخدم مصر من قريب او بعيد إلآ إذا شاءت مصر تبني رؤية إخوانهم من فرع فلسطين الاخواني التدميرية لمصالح الشعب الفلسطيني.

a.a.alrhman@gmail.com