حماس بدون مشعل

طلال عوكل-خاص زمن برس 

لم يكن غريبا ولا مفاجئاً أن يصدر عن الأخ خالد مشعل موقف حازم وحاسم بالتخلي عن موقعه كرئيس لحركة حماس منذ أكثر من ستة عشر عاما، شهدت خلالها الحركة تحولات عظيمة نقلتها إلى فضاء السياسة الواسع. كان مشعل قد تحدث في هذا الأمر قبل حوالي العام. مما أثار الكثير من التكهنات والأسئلة التي لم تجد لها جوابا شافيا وربما اعتبر البعض حديثه شكل من أشكال المناورة التي تستهدف تعزيز وجوده على رأس الحركة، خاصة وأن الأمر ظل مرهونا للانتخابات الداخلية التي جرت على مدار أشهر طويلة بسبب الآليات المعقدة التي تتبعها الحركة لاختيار مجالس الشورى، والمكاتب السياسية الفرعية والعامة، عبر أربع حلقات أساسية، هي غزة والضفة، والسجون والخارج .

على ما نفهم من اليسير الذي يتسرب عن آليات العمل الداخلي في حماس، فإن مشعل تجاوز الفترات الزمنية المسموح بها لإشغال الموقع الذي يشغله لكن قراره بالتخلي عن هذا الموقع لا يعود فقط لتلك الآليات، فقد أوجبت الظروف المستجدة في الحركة وحولها، أن تتجنب الهيئات القيادية في الحركة ، أن تخضع المسألة للاستثناء. مشعل رغم طول فترة رئاسته للمكتب السياسي، إلا أن لا ينتمي إلى جيل الشيوخ ، بمعنى كبار السن، حتى يقال بأن الحركة بصدد تجديد شباب قياداتها، وهو أيضا من نوع القيادات التي تملك رؤية واسعة لدور الحركة على الصعيدين الفلسطيني والعربي وأيضا على الصعيد الإسلامي.

التقيناه مرة في القاهرة، بعد توقيع إعلان الدوحة، وقبل صعود الدكتور محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة في مصر، وكان عليه أن يجيب على كثير من الأسئلة الصعبة التي تتعلق بدور حماس في الساحة الفلسطينية والكثير من الملاحظات النقدية. فوجئ الكل حين بدأ حديثه بهدوء، وسعة صدره، وبأفق مفتوح، إذ بدون أن يتجاهل أسئلتنا وانتقاداتنا ، أخذ يتحدث عن مشاريع سياسية كبرى، تركت لدينا انطباعات قوية عن قائد كبير. مشعل أشار إلى أنه منشغل بعمق في العمل من أجل بلورة مشروع عربي، يضمن للأمة استعادة دورها القومي، وبدا على أنه غيور على الأمة، متسائلا لماذا يحق لإيران ، وتركيا، وإسرائيل أن تفكر كل منها في أدورها الإقليمية، ومصالحها ، وتعمل على مشاريع طموحة، بينما الأمة العربية مشرذمة، ضعيفة، غائبة؟ في الواقع فإن ثمة ظروف وأسباب تجعل مشعل والحركة غير راغبين في تجديد ولاية رئيس المكتب السياسي. رغم كل ما تنطوي عليه شخصيته ودوره من مؤثرات ومزايا أولها عدا ما تنفي عليه القوانين الداخلية للحركة، هو أن دور القيادة في الخارج قد تراجع عمليا وموضوعيا لصالح الداخل، وغزة على وجه الخصوص حيث تبني الحركة مشروعها. وحيث تدفع تكلفة هذا المشروع.

من الواضح أن قطاع غزة هو ساحة الفعل الرئيسية لحركة حماس، ورائدة مشروعها الدعوي والسياسي. ومركز فعلها الأهم خاصة بعد التغيرات في المحيط العربي والإقليمي. لو توقفت مراهنات الحركة ودورها في سوريا، وإلى حد ما في إيران، ونشأت قاعدة دعم وإسناد للحركة قوية في مصر، كبرى الدول العربية، والتي تشكل امتدادا مفتوحا للحركة على المستويين العربي والدولي. ثاني هذه الأسباب ما ظهر من تباينات سياسية بين قيادات في الداخل، وقيادة الخارج متمثلة بمشعل، وقد ظهرت هذه التباينات إلى العلن، حيث اعترض بعض قيادات الداخل على ما ورد في خطاب رئيس الحركة، خلال احتفال المصالحة في مصر، في مايو العام الماضي، وأيضا بعد توقيعه على إعلان الدوحة في قطر مع الرئيس محمود عباس. هذا أيضا أن هناك خلافات صامتة في الغالب، ومعلنة في أحيان قليلة، بشأن صلاحيات القيادة في الخارج ومدى نفاذ قراراتها على قيادات وأوضاع الداخل خصوصا في قطاع غزة، وفي ذلك اللقاء الذي جرى مع الأخ خالد مشعل، ألمح إلى مثل هذا التعارض.

في كل الأحوال فإن التغيير في القيادات هو أمر محمود ، ومطلوب، وهو دليل عافية، حتى لو أدى إلى استبدال قيادات مؤهلة وناجحة لصالح قيادات أخرى، خاصة وأن الحركة في حالة صعود، وهو موعودة بمزيد من التقدم لصالح برامجها ورؤاها ودورها ، وبالتالي فإنها حركة ولادة، ولديها إمكانيات لفرز إطار واسع من القيادات والكوادر القادرة على العمل، في ظروف ستكون أسهل من الظروف التي قاد مشعل خلالها الحركة.

وبغض النظر عن أية ملاحظات لصالح الرجل، أو في غير صالحه، فإنه يتحمل مسؤولية كبيرة إزاء كل ما تعرضت له الحركة، وما أقدمت عليه، وما هي بصدد الذهاب غليه، بحيث لا يمكن محاكمة وتقييم دوره وكفاءاته بمعزل عن موقعه، وعن سياق تطور الحركة وما نجم عن ذلك من تطورات كبيرة وتداعيات في الساحة الفلسطينية خصوصا فيما يتعلق بالانقسام، وقانون إدارة الصراع ووحدة المؤسسة والتمثيل، فضلا عن مستقبل النضال التحرري الفلسطيني. في هذا الإطار ليس لنا أن نخوض في تكهنات فيما يتعلق بالشخصية التي يمكن أن تخلف مشغل في رئاسة المكتب السياسي، كما لا نجد من الضرورة الخوض في مستقبل مشعل السياسي، إن لم يتيح تاريخ الأحزاب تقليد يعقد به الرؤساء أو أمناء أحزاب، يتخلون عن المسؤولين طواعية أو على نحو سلس، ثم يقبلون بالعمل في مواقع دون المواقع التي كانوا يشغلونها في غياب مشعل، من المرجح أن تمضي الحركة في اتجاه تصعيد معركتها على صعيد الشرعية، والتمثيل الفلسطيني خارج النظام السياسي الفلسطيني المعروف ومن موقع البديل لهذا النظام السياسي سواء كمؤسسات تمثيلية أو برامج ورؤى.