الاحتلال يراوغ في ملف مساعدات غزة... كميات لا تلبي الاحتياجات

زمن برس، فلسطين: بدأت ملامح انفراج جزئي تظهر في قطاع غزة مع بدء دخول أولى شاحنات المساعدات الإنسانية، تطبيقًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة الماضية. يأتي ذلك بعد عامين من الحرب الإسرائيلية والحصار الذي أدخل سكان غزة في دائرة الجوع وانعدام الأمن المعيشي. أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن سلطات الاحتلال سمحت بإدخال 173 شاحنة مساعدات إلى القطاع، أول من أمس الأحد، بينها 3 شاحنات مُحمَّلة بغاز الطهي و6 شاحنات وقود (سولار) مخصصة لتشغيل المخابز والمولدات والمستشفيات.
ومع ذلك، لا تمثل هذه الكميات سوى نقطة في بحر الاحتياجات، إذ كان من المفترض إدخال 600 شاحنة على الأقل، غير أن الاحتلال لم يلتزم بهذا العدد. وأوضح المكتب في بيان أن الكميات التي دخلت لا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية والمعيشية لملايين السكان، مشيرًا إلى أن القطاع بحاجة إلى تدفق مستمر وكبير للمساعدات والوقود وغاز الطهي والمواد الطبية والإغاثية بشكل عاجل ومنتظم.
التركيز على نوعية المساعدات
يرى مختصون أن انتظام تدفق المساعدات يشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، ومدى قدرة المؤسسات المحلية على إعادة تسيير عجلة الحياة اليومية في ظل الدمار الهائل الذي خلفته حرب الإبادة الإسرائيلية. في سياق متصل، أكدت الأمم المتحدة عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن الأيام الأولى بعد وقف إطلاق النار شهدت تقدمًا ملحوظًا في دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد شهور من الحصار الكامل الذي منع عنها الغذاء والوقود والدواء. وقالت "أوتشا" في بيان إن غاز الطهي دخل القطاع للمرة الأولى منذ مارس/آذار الماضي، ما سمح بإعادة تشغيل بعض المخابز والمطابخ الجماعية، وإن كان بشكل جزئي. كما حصلت الأمم المتحدة على التصاريح اللازمة لتوزيع 190 طنًا من المساعدات الإنسانية تشمل الغذاء والدواء والخيام للعائلات النازحة.
بدوره، حذر رئيس شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة، أمجد الشوا، من الاكتفاء بالحديث عن عدد الشاحنات دون النظر إلى نوعية المساعدات التي تدخل، مشيرًا إلى أن الخطوة الأهم في هذه المرحلة تتمثل في إدخال المواد الغذائية والملابس والخيام ومستلزمات المأوى والمياه، إلى جانب إنشاء محطات تحلية وخزانات مياه لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية. وقال الشوا في حديث لـ "العربي الجديد" إن أغلبية سكان غزة يعتمدون بالكامل على المساعدات في ظل انعدام الدخل وغياب النشاط الاقتصادي، داعيًا الدول الصديقة إلى تسيير قوافل مساعدات عاجلة لتغطية العجز الهائل.
وأكد أن القطاع بحاجة إلى أكثر من 1000 شاحنة مساعدات يوميًا لتلبية الاحتياجات الفعلية، بينما تركز إسرائيل على الكم دون النوع في سياسة متعمدة لإبقاء الوضع الإنساني هشًا، عبر إدخال سلع محدودة القيمة واستثناء المواد الحيوية للبناء والإعمار.
كما شدد على ضرورة إدخال معدات وجرافات لفتح الطرق المُدمَّرة، وتمكين فرق الإنقاذ والإغاثة من الوصول إلى المناطق الأكثر تضررًا، خاصة شمال غزة وخان يونس. وأضاف: "المجتمع الدولي مُطالَب بتشكيل آلية مستقلة لإدارة وتوزيع المساعدات بعيدًا عن السيطرة الإسرائيلية، لضمان الشفافية ومنع التلاعب في الكميات أو الوجهات. إعادة الحياة إلى غزة لا تتطلب فقط الغذاء، بل خطة اقتصادية اجتماعية شاملة تشمل تشغيل الشباب، وإحياء الزراعة، ودعم الصناعات الصغيرة بوصفها العمود الفقري لصمود المجتمع الفلسطيني في مواجهة آثار الحصار الطويل".
في حين أكد المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ أن انتظام دخول المساعدات يمثل خطوة أولى على طريق إنقاذ سكان غزة من كارثة المجاعة التي عانوا منها خلال العامين الماضيين، مشيرًا إلى أن 95% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية. وقال بربخ في حديث لـ "العربي الجديد" إن قطاع غزة في الظروف الطبيعية يحتاج إلى نحو 600 شاحنة يوميًا لتلبية حاجاته الأساسية، لكن هذا الرقم يجب أن يتضاعف حاليًا نظرًا لحجم الدمار واتساع رقعة النزوح، بعد عامين من حرب الإبادة. وأوضح أن نوعية المساعدات أهم من كميتها، فالإغراق بالمواد الغذائية دون إدخال مواد للبناء والمأوى لا يحقق أي استقرار اقتصادي، "وهذا ما تعمدت إسرائيل فعله في هدنة يناير وفبراير الماضيين".
وانتقد بربخ آلية دخول الشاحنات التي تمر عبر مصر إلى معبر كرم أبو سالم تحت إشراف إسرائيلي مباشر، معتبرًا أن هذا الإجراء يُبطئ عملية الإغاثة ويزيد التكاليف ويُكرِّس السيطرة الإسرائيلية على تدفق المساعدات. ودعا إلى إعادة النظر في آلية إدخال الشاحنات لتكون مباشرة ومُنسقة مع المؤسسات الفلسطينية، بما يضمن وصولها السريع إلى المحتاجين. كما شدد على أهمية تركيز الجهود الإغاثية في المناطق المنكوبة بالكامل، والتي تفتقر لأي بنية تحتية قابلة للحياة، مؤكدًا أن الإغاثة تمثل فقط المرحلة الأولى في طريق الإعمار، وأن إعادة تشغيل الاقتصاد المحلي تتطلب ضخًا ماليًا عاجلاً لإصلاح الكهرباء والمياه والمستشفيات، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تخلق فرص عمل وتُعيد الحركة التجارية تدريجيًا. واختتم قائلًا: "غزة تقف اليوم على مفترق طرق، فإما أن يتحول وقف الحرب إلى فرصة حقيقية لإنعاش اقتصادي تدريجي، أو أن تبقى مجرد استراحة إنسانية مؤقتة في ظل حصار مستمر".